لغة ٌ امتدت جذورها قرونًا ونقلت تراث العصورِ الغابرة وما تزال شامخة َالذرا ، متينة البنيان صامدة في وجه نكباتِ الزّمانِ.
لقد مرّت عصورٌ كانت اللّغةُ العربيّةُ فيها لغةُ الحُكمِ والعلم ِوالعرفانِ وهي لغةُ السياسةِ والحضارة والأدب . كان أبناؤها يعتزون بها ويُقبلون عليها بفخرٍ واعتزازٍ . لقد حملت هذه اللّغةُ العريقة أفكارَهم ورعت عواطفَهم ، كانت وسيلتَهم إلى التّفكيرِ والتّعبير والإفصاح عمّا بداخلهم .لقد حملت هذه اللّغةُ قديما صبابة العشاق وعواطف المحبين ولهو أصحاب الهوى ووصف الرّياض ومجالس الشراب والغناء وهي نفسها التي نقلت فلسفة فكر اليونان وحكمة الهند والصّين وهي التي حفلت بها كتب الفلسفة والطب والهندسة والكيمياء. . تنطوي اللّغة العربية على الكثير من أسرار الجمال، وممّا زاد في تفوقها أنّها لغةٌ سَلِسة خالية من التعقيد، كما أنّها ممتعة للتعلّم والتعليم، ومريحة للسّمع وسهلة النّطق، وقد وصفها الشعراء والأدباء بالكثير من الكلمات التي تليق ببهائها.
ثم غدت الآن تعاني ما تعانيه في وقتنا هذا، لقد رموها بالجمود ونعتوها بالضّيق والعجز عن استيعاب ما تطلُع به العلوم والفنون الحديثة وادّعوْا أنّ فيها صعوبة في كلماتها ومفرداتها لا تستجيب للعصر وأنّ إعرابها شَرَك يتعثر به العالم والمتعلّم .والحق أن العلة الكبرى فينا نحن لا في اللّغة لأنّنا نخلق أعذارا لنا كي لا نتعرّف على قيمتها وأهميتها ونعترف بها نتغاضى عن جوهرها و حقيقتها .
دائما يسألنا الطالب لماذا أتعلم اللّغة العربيّة وبما ستنفعني وأنا سأدرس الطّب أو المحاماة أو الهندسة …… !!
الّطالب في اختصاصه العلميّ زاهد بلغته يراها غير ضرورية لدراسته ،ونحن بشكل عام نستخدم اللغة العامية ، لأنها أسهل على اللّسان للنّطق بها فقد نسينا أو تناسينا أنّ لغتنا الأمّ هي عنوان شخصيتنا ورمز وجودنا بالحياة . فمادة اللّغة العربيّة أصبحت مادةً رئيسيةً ينال بها الطّالب علامة نجاح وكفى لا لغرض أن تكون مادة رئيسية يقدّرها ويحترمها ويهتم بها الّطالب مثلها مثل أي لغة أجنبية. يتعلّم الطّالب اللّغة الأجنبية يبرع فيها يحفظ كلماتها ومفرداتها وقواعدها يتسابق لنيل رضا هذه اللّغة ليتفاخر بها ،يتحدث بها ويفكر بها بالمقابل يستهين بلغته ويخجل منها وينسى أنّه لا يستطيع كتابة موضوع إنشائي باللّغة الأجنبية أو يعبر بصدق أويكتب بعمق وهو عاجز عن التّعبير بلغته الأمّ أو التّحدث بطريقة علميّة ثقافية ليكون أهلا وكفؤ لمهنته التي اختارها . عليه أن يكون مشبع بلغته وبمفرداتها لكي يتمكن من التّفكير والتخطيط لمستقبله بعمق .
لقد ترعرع الطّفل العربيّ قديما على حب وعشق لغته ولم يسمع الا اللّغة السليمة بمفرداتها ومعانيها. حفظ الشعر غيبا وأتقنه تعلّم التفكير بها والتعبير بوساطتها ليسهّل عليه النّطق لينطلق لسانه ويتداولها ويستخدمها بلغةٍ سليمةٍ صحيحةٍ
هذه اللّغة لغة الضّاد ،لغة فكر ناطق ،لغة النّفس ولغة المجتمع ،لغة العلم ،لغة العمل، لغة السياسة ،لغة الأدب والفن علينا أن نسعى جاهدين إلى إنعاشها ليس أن نعيد التاّريخ إلى الوراء وأن نتكلم بلغة قيس وتميم بل أن نكتشف غناها ومرونتها ومقدرتها على التّجاوب مع مقتضيات الحياة.
لرفع مستوى لغتنا العربيّة والمحافظة عليها هو أن نساهم في رفع شانها ومكانتها وقيمتها في كثرة استخدامنا لها
أن نتكلم ونتكلم ونستخدم لغتنا حتى لا ننساها .
تعليقات
التعليقات مغلقة.
شكرا على ما قدمت وللاجابة على مقولة لماذا اتعلمها نستطيع ببساطة اقناعه بما يلي:
ان عقلنا تعود منذ الطفولة ان يفكر بلغتنا وان يفهم بلغتنا فلو سمع جملة في اي لغة فلا يفهمها الا اذا ترجمها بعقله الى اللغة العربية .بالاضافة الى كل ما جادت به قريحتك من حسن وجمال وموسوعية لغتنا .ويكفيها انها لغة القران الكريم وانها أبهرت الكثيرين من علماء اللغات الاجانب واهتموا بكل تفاصيلها وترجموا الكثير منها الى لغات العالم وهي تدرس في اغلب جامعات العالم وينال الباحثون في مفاتنها شهادات جامعيةرفيعة المستوى . اعتقد ان هذا كفيل باقناع الانسان السوي العاقل الواعي. اما اذا لم يقتنع فيكون غير ذلك.
طرح جميل واداء صارخ ينبع من أفكار خصبة وكلمات رنانة تستجدي العقول والألسن كي تعود الى الجذور الأصيلة المفعمة برونق الألفاظ وسلاسة المنطق وعذوية الحديث والتحدث يلعغتنا العربية لغة الأم ولغة الدين والانتماء . لغة تغنى وتفنن بالفاظها الشعراء والأدباء وزين كلماتها الفقهاء ، لغة مجدها التاريخ واعتلى منبرها الخطباء ، عار علينا أن نشوه صورتها ونهدم حضارتها ، نقطع أوصالها ونقصد اهمالها . عذرا اخواني وأخواتي : الا يدهشكم كما يدهشني عندما نسمع ونرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتابات وكلمات أشبه بالسنسكراتية لاتليق بلغتنا الحضارية حتى ولو كانت مفهومة نوعا ما بين المتواصلين ، وكثيرا ما نسمع بعض المثقفين وأصحاب الشهادات العليا يتحدثون بالعربية ولكن للأسف محلاة بكوكتيل لغات أخرى ، كلي أمل أن تكون كلمات الأخت منى أبو جبل عبرة لكل متحدث بلغتنا الجميلة وشكرا .