بقلم المهندس أيمن أبو صالح
تقوم العلاقات السياسية بين الدول – كما هو متبع من منذ أقدم العصور – على التنافس وسعي كل دولة إلى تحقيق مصالحها الوطنية ورعاية المصالح الخاصة لمواطنيها. لكن في بموضوع مصيري يتعلق بمستقبل البشرية على الكوكب يجب ان تكون الرؤية مختلفة وبعيدة عن التنافس والخوف من لوبيات الضغط داخل وخارج البلد المعني والخوف من نتائج خسارة اصوات الناخبين. طبعا هذه الرؤية لم تكن حاضرة في قمة المناخ في شرم الشيخ بمصر. ولعل تصريحات المسؤلين توضح ذلك وتؤكده.
فقد صرح الامين العام للامم المتحدة، السيد انطونيو غوتيريش بأن “مؤتمر المناخ فشل في وضع خطة لخفض الانبعاثات بشكل جذري”. وأضاف لاحقا: “كوكبنا ما زال في قسم الانعاش، نحتاج الى خفض جذري للانبعاثات الان”. فخلال مسيرة عمرها أكثر من 28 عاما هناك نقطة دائما تدرج على جدول أعمال المؤتمر وترحل الى المؤتمر اللاحق وهي مسألة التنفيذ. لذلك تم ترحيل التنفيذ الى المؤتمر القادم في الإمارات العربية المتحدة .
أما الاتحاد الاوروبي فأعرب عن خيبة أمله من المقررات.
قامت الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية والصين سويا بتشكيل أداة جديدة تدعى “كلايميت ترايس”، وذلك لقياس ورصد الانبعاثات الحرارية لأكبر 72000 موقع في العالم من خلال 300 قمر صناعي. هذا عمل جيد يزودهم بمعلومات مهمة جدا, لكن السؤال المؤجل هو: ما الإجراءات التنفيذية التي يقومون بها للحد من هذه الانبعاثات.! هنا يبدأ الخلاف.
صحيفة الغارديان البريطانية كتبت بعد انتهاء المؤتمر: “قادة الدول قدموا تعهدات كبيرة غامضة”.
تهدر التربية الحيوانية من أجل الغذاء، إضافة إلى الكميات الضخمة من المياه (كل كيلوغرام واحد من اللحوم يستهلك حسب دراسة المانية – حتى يصل الى المستهلك – بالحد الادنى نحو 16000 ليتر من الماء), ويحتاج الى مساحات شاسعة من الأراضي , وإلى عنصر الطاقة, تساهم بانبعاثات الغازات الدفيئة على الكوكب بنسبة 51%. وتعتبر الصناعة الحيوانية المصدر الأعظم لغاز الميثان CH4 الموجود في الجو. تساهم الصناعة الحيوانية العالمية – حسب دراسة للامم المتحدة – في الاحترار العالمي بنسبة تصل 80%.
أما معهد world watch institute في واشنطن فذكر أن “تربية المواشي مسؤولة عن 32564 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنويا، أي ما نسبته 51% من مجمل انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية حول العالم. ان العمل على استبدال المنتجات الحيوانية لن يحقق فقط تقليصا سريعا للانبعاثات في الجو بل سيوقف أيضا أزمات الغذاء والماء في العالم”.
قدر العلماء أن 90% أو أكثر من الاسماك الكبيرة في المحيطات قد اختفت، في خلال ال 50 سنة الماضية، نتيجة الصيد التجاري الجائر. وأن افتقاد بعض أنواع السمك ساهم في رفع نسبة الحموضة في المحيطات، التي قللت بدورها من القدرة على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون. هذا الوضع المسموم يؤدي إلى ابتعاد الحيتان والدلافين إلى الشواطئ لتموت. وهي ظاهرة متكررة تشاهد بالاخبار.
يتم عالميا ازالة ما يساوي مساحة ملعب كرة قدم كل ثانية بسبب مزارع تربية الحيوانات. بينما في البرازيل تحولت 90% من الغابات الى مزارع لتربية المواشي وهذه الإحصائية لعام 1970. وزير البيئة الألماني زار البرازيل عام 2010 كي يساعد في سن قوانين أكثر صرامة لمنع عمليات إزالة الغابات من أجل اللحوم التي يتم تصديرها الى أوروبا حينذاك. النسبة نفسها في المكسيك، حيث الغابات الاستوائية. أما اندونيسيا التي تملك ثالث أكبر غابة مطرية في العالم بعد غابات الأمازون والكونغو فإن اختفاءها بات قريبا حسب دراسة للامم المتحدة .
قال الدكتور Henning Steinfeld ( رئيس قسم معلومات وإدارة تربية المواشي في منظمة الفاو ): “إن تربية المواشي والدواجن واحدة من أهم المساهمين في أشد مشاكلنا البيئية الراهنة خطورة. والمطلوب هنا تحرك عاجل لعلاج الموقف.
الباحث Livestok Long Shadow ( منظمة الفاو ) قال: إن الصناعة الحيوانية هي المسبب الرئيسي في إزالة الغابات، وهي المصدر الأكبر الوحيد لتلوث المياه. وهي تنتج من الغازات الدفيئة أكثر من كل وسائط النقل مجتمعة في العالم كله”.
الباحث Rajendra Pachauri رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من 2002 حتى 2015 قال: “لا تتناولوا اللحوم”. هذه العبارة كانت هيئة التغير المناخي الاستشارية في الأمم المتحدة (IPCC) تخاف من قولها في وقت سابق, ولكننا نقولها الآن . قللوا رجاء من أكل اللحوم فهي سلعة ذات كثافة كربونية شديدة”.
العالم الفيزيائي الشهير Albert Einstein : “لا شئ سيفيد الصحة الإنسانية، ويزيد من فرص بقاء الحياة على الأرض, بقدر التطور باتجاه الحمية النباتية”. طبعا البيرت أينشتاين دوافعه ليست علمية فقط انما روحانية، يشاركه فيها العالم الفيزيائي الأشهر Nikola Tesla . والعالم الكبير Thomas Edison . والثلاثة نباتيون .
الدكتور Kirk Smith (أستاذ الصحة البيئية العالمية في جامعة كاليفورنيا)، صرح بأن “طنا واحداًمن الميثان ينبعث اليوم يسبب احتباسا حراريا خلال سنة واحدة أكثر من الاحتباس الذي يسببه طن من ثاني أوكسيد الكربون من اليوم حتى 70 سنة قادمة”.
الباحث Pavan Sukhdev ( رئيس برنامج البيئة في الأمم المتحدة لتشريع القوانين الاقتصادية الخضراء): “نحن في وضع ينبئ أن السمك في غضون 40 سنة من الآن (2010) سينفد فعليا”.
التقرير الصادر عن جمعية foodwatch في ألمانيا (طبعا لها فروع في أمستردام وباريس وفينا): “إن حمية نباتية صرفة عضوية تخفف حتى 94% من انبعاثات الغازات الدفيئة “. طبعا 11% من الشعب الألماني نباتيون vegetarien ونسبة ال vegan تصل إلى 1,4% . وتزداد النسبة سنويا بشكل كبير خاصة بين الشباب وطلاب الجامعات. تسبق ألمانيا دولاً كثيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتايوان ودول شمال غرب أوروبا وتساويها تقريبا اليابان.
الباحث Lvo De Bois ( مدير برنامج مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي السابق ): “إن الحل الأفضل لنا جميعا أن نصبح نباتيين”.
كل الدراسات العلمية في أدراج الامم المتحدة والدول المتقدمة تؤكد أن السبب الرئيسي للاحترار العالمي هو تناول اللحوم، مع ذلك يزداد استهلاك اللحوم في كل عام. ففي عام 2021 تم قتل واستهلاك 82 مليار حيوان.
اعترف البرلمان الأوروبي بأن اللحوم هي سبب الاحترار العالمي، فقام بالنظر في تخفيض المعونات المخصصة لصناعة اللحوم ومنح هذه المخصصات بدلاً من ذلك لمزارعي المحاصيل العضوية ودعا البرلمان في 22.2.2022 إلى نظام غذائي نباتي لمحاربة السرطان.
أما وزير الصحة الألماني البروفسور Karl Lauterbach فدعا الى تخفيض استهلاك اللحوم بنسبى 80%.
وأما مجلس مدينة أمستردام فقام بتاريخ 21.5.2019 بتحويل النظام الغذائي في المجلس الى غذاء نباتي 100% .
الكونكرس الامريكي أيضاً قام بتخصيص 50 مليون دولار لأبحاث البروتين البديل عن اللحوم بتاريخ 21.12.2021 .
رئيس الورزاء البريطاني الاسبق السيد بوريس جونسون قام بتخصيص وجبة نباتية واحدة في المدارس أسبوعيا.
الخلاصة: على الحكومات، وخاصة في الدول المتقدمة، أن توضح للعاتم من خلال العلماء المختصين ونشر دراساتهم بأن اللحوم ضارة جدا في وقتنا الحالي. وهذا إجراء طارئ يجب على الجميع القيام به. الموضوع غير مألوف طبعا ومفاجئ لكنه صحيح. ومن الصعب أن يتم إقناع البشرية بهذا الانعطاف التاريخي. لكن أصحاب الاختصاص عليهم مسؤولية في ذلك.
لانقاذ الكوكب هناك حل وحيد لا بديل له – يبدو غير منطقي للوهلة الاولى – وهو اتباع نظام تغذية نباتي. والوقت ليس في مصلحة الجميع نظرا للتغيرات المناخية الحاصلة. هناك باحثون وعلماء يضعون مهنة العمل باللحوم بمصاف مهن صناعة السلاح وأدوات القتل والاتجار بالبشر ومهن السموم وتجارة المخدرات.
لعل البشرية تتجه إلى تحقيق ما تنبأ به الفيلسوف اليوناني الكبير سقراط من 2400 عام ومعه الفيلسوف أفلاطون وقبلهما الفيلسوف فيثاغورث إضافة الى الفيلسوف الصيني العظيم لاو تسو من 2600 عام عن العصر الذهبي الذي لن يكون فيه قتل للحيوانات. والاربعة جميعا هم نباتيون.
شكرا لشخصك المحترم الأستاذ أيمن ابو صالح على ما قدمته وتقدمه من وقت وجهد وعطاء واهتمام مستمر
كلمة شكر وتقدير واحترام لشخص اعطى من جهده الشيء الكثير واعطي لنفسه الشي القليل
🌺 تحيه احترام وتقدير 🌺
🌺دمتم للعطاء عنواناً 🌺