الجولان السوريّ – الاحتلال المنسيّ مرّتين.. بيان للمرصد

أصدرت مؤسسة المرصد العربي لحقوق الإنسان في الجولان بياناً تحت اسم “الجولان السوريّ – الاحتلال المنسيّ مرّتين..” ننشره كما وردنا من المصدر:

الجولان السوريّ – الاحتلال المنسيّ مرّتين..

المرصد – المركز العربيّ لحقوق الانسان في الجولان

إعلان

21.01.2025

بعد 54 عاماً، تعرّض خلالها الشعب السوريّ لشتّى أشكال القمع والاضطهاد والاعتقال التعسفي والقتل والتعذيب والتهجير القسري وإفقار البلد وتمزيقه وتعريض وحدة كيانه لخطر التقسيم واجتياح الاحتلالات الأجنبيّة لأراضيه.. سقط نظام الاستبداد الذي أرسى دعائمه حافظ الأسد، بشكل مفاجئ ومدوٍّ.

حينما كان الأسد الأب وزيراً للدفاع والحاكم الفعليّ لسوريا، احتلت إسرائيل الجولان في حزيران/يونيو 1967. وبعد ثلاث سنوات ونصف نفّذ الأسد انقلابه العسكري؛ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، الذي مكّنه من الاستحواذ المطلق على مقاليد الحكم، لثلاثة عقود حتى مماته، وتوريثها تالياً لابنه بشار، الذي بدوره حكم سوريا 24 عاماً، حتى فرَّ هارباً صبيحة الثامن من كانون الأول/ديسمبر، 2024، مع دخول فصائل المعارضة المسلّحة إلى دمشق في اليوم الحادي عشر لعمليّتها العسكريّة، بدون مقاومة تُذْكر من قبل الجيش السوريّ، بعدما انفكّ عنه داعموه الخارجيّون.

فور سقوط النظام المتهالك وهروب بشار الأسد، باشرت إسرائيل بحملة عسكريّة، هي الأكبر في تاريخها، استهدفت بحسب مصادر إسرائيليّة، كامل الجغرافيا السوريّة، ودمّرت كلّ المنشآت الإستراتيجيّة والقدرات الدفاعيّة لسوريا وبعض مراكز الأبحاث وخزائن الوثائق ومراكز الأرشيف. وبالتزامن مع حملة القصف الجويّ، اجتاحت قواتها البريّة ما تبقّى من الجولان، فارضة سيطرتها العسكريّة على منطقة فصل القوّات الخاضعة لرقابة القوّات الدوليّة، وأعلى قمّة في جبل الشيخ – التي يبلغ ارتفاعها 2814 متراً عن سطح البحر- ومنابع نهر اليرموك الذي يغذّي نهر الأردن، وسائر منشآت جمع مياه الأمطار المتاخمة لمدينة القنيطرة. كما أعلنت أنّها بصدد إقامة منطقة أمنيّة عازلة بعمق 15 كم، ومنطقة نشاط استخباراتي بعمق 60 كيلومتراً، أي حتّى تخوم العاصمة دمشق.

تضمّ المنطقة التي سيطرت عليها قوّات الاحتلال حديثاً أكثر من إحدى عشرة بلدة وقرية، يسكنها حوالي 70 ألف مدنيّ سوريّ، يتعرّضون للعديد من الانتهاكات كحظر التجوال، والمداهمات وتخريب البنى التحتيّة لقراهم وتهجير بعضهم، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم، وإطلاق النار على المحتجين الرافضين لانتهاكات قوات الاحتلال، مما تسبّب بجرح العديد منهم.   

تبلغ مساحة الجولان 1860 كم2؛ احتلت إسرائيل الجزء الأكبر منه (1260كم2) خلال عدوانها الذي شنّته في الخامس من حزيران/يونيو عام 1967. قُدِّر عدد سكّان الجولان الذي احتلته إسرائيل، عشيّة العدوان، بما يقارب 147 ألف شخص، حيث تعرّضوا لواحدة من أكبر عمليّات التطهير الإثنيّ في العصر الحديث؛ من خلال ترويع وتهجير أكثر من 95% منهم، خلال الحرب والأسابيع القليلة التي تلتها، ومن ثمّ قام الاحتلال بتدمير التجمعات السكنيّة السوريّة (341 قرية ومزرعة)، وأنشأ على أنقاضها 35 مستوطنة غير شرعيّة، يسكنها اليوم حوالي 30 ألف مستوطن يهوديّ، فيما بقيت خمس قرى عربية يسكنها حوالي 28 ألف مواطن سوري.

أخضع الاحتلال الإسرائيلي القرى الخمس الواقعة على سفوح جبل الشيخ، في أقصى شمال الجولان، التي لم تطلها عمليّات التطهير، ولم يتجاوز عدد سكّانها بداية الاحتلال 6400 سوري، إلى حكم عسكريّ دام 14 عاماً. بموازاة ذلك، غيَّب حافظ الأسد، المنشغل آنذاك بتمتين أركان سلطته القمعيّة، قضيّة الجولان المحتلّ، في محاولة لمحوها من وعي عموم السوريين، ليعود ويعلن بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 تحرير الجولان المحتلّ. في الحقيقة استعادت سوريا منطقة لا تتجاوز مساحتها 50 كيلومتراً مربّعاً من الجولان، وبضمنها مدينة القنيطرة، مدمّرة تماماً، فيما بقي حوالي 1200 كم2 تحت الاحتلال؛ وتمّ إبرام اتفاقيّة فضّ الاشتباك في أيار/مايو 1974، والتي ضمنت لإسرائيل الحدود الأكثر أمناً واستقراراً لما يزيد عن خمسة عقود.  

بينما كانت مدفعيّة الأسد تدكّ أحياء حماه على رؤوس سكّانها المدنيّين وترتكب مجازرها المروّعة في شباط/فبراير 1982، كان سكّان القرى السوريّة المتبقّية في الجولان المنسيّ تحت الاحتلال (عددهم آنذاك 13 ألف شخص) يتحدَّوْن منفردين، قرار كنيست إسرائيل – ضمّ الجولان ومحاولة نزع جنسيّتهم السوريّة وفرض الجنسيّة الإسرائيليّة عليهم تحت تهديد السلاح – بالتظاهر والمسيرات والعصيان المدنيّ وإضرابهم الشهير، الذي امتد لما يقارب ستّة أشهر، فيما اصطُلح على تسميته بـ “انتفاضة الهويّة”، يدعمهم في ذلك الفلسطينيون وسائر أحرار العالم.

كفاح سوريّي الجولان المحتلّ أعاد قضيّتهم إلى الواجهة، خاصّة وأنّه تزامن مع إصدار مجلس الأمن قراره رقم 497، الذي يعتبر قرار إسرائيل فرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها على مرتفعات الجولان السوريّة المحتلّة ملغيّاً وباطلاً ومن دون فعّاليّة قانونيّة على الصعيد الدوليّ؛ كما طالبها، بوصفها القوّة المحتلّة، إلغاء قرارها فوراً؛ وإعلان أنَّ جميع أحكام اتفاقيّة جنيف المعقودة بتاريخ 12 آب/أغسطس 1949 والمتعلّقة بحماية المدنيّين وقت الحرب، ما زالت سارية المفعول على الأراضي السوريّة التي تحتلّها إسرائيل منذ حزيران/يونيو 1967.

انتفاضة سوريي الجولان المحتلّ والمنسيّ اضطرّت نظام الأسد إلى الاعتراف رسميّاً والتعامل مع حقيقة وجود مواطنين سوريّين تحت الاحتلال. وبدل أن يعزّز صمودهم، لم ينفِّذ نظام الأسد الحدّ الأدنى من واجباته اتجاه السوريّين الخاضعين للاحتلال، حيث اقتصر تواصل الجولانيّين مع وطنهم سوريا، طوال سنيّ الاحتلال، على ثلاث روابط: التعليم في جامعة دمشق، زيارة دينيّة سنويّة تقتصر على الرجال المتدينين دون النساء، وتسويق جزء من منتجات مزارعي الجولان من التفاح في أسواق دمشق. أما في الحياة الداخليّة لسوريّي الجولان، فقد انحصر هاجس نظام الأسد بكسب الولاءات، حتى لو استدعى الأمر بثّ الفرقة فيما بينهم، كما سياسته الأمنية المعهودة في باقي الأراضي السوريّة. هذه الروابط المحدودة، انقطعت مع انطلاق الاحتجاجات السلميّة في سوريا مطلع 2011 وحتى يومنا هذا. دولة الاحتلال كانت واضحةً بشأن هذا التواصل، إذ إنّها لم تسمح بتجديد هذه الأواصر، لا سيّما وأنّها كانت تدفع بمشروعها لأسرلة الجولان وسكّانه السوريّين المتبقّين، بقوّة، مستغلةً رعب حرب الإبادة التي شنّها بشار الأسد لاضطهاد وقتل الشعب السوريّ.

خلّف حكم آل الأسد بلداً منهوباً ومنكوباً؛ نصف سكّانه مشردون ما بين النزوح الداخلي واللجوء في دول الشتات. مئات ألوف ضحايا التعذيب والإخفاء القسريّ والمقابر الجماعيّة والجرائم ضدّ الإنسانيّة، ما زالت تتكشّف يوماً بعد يوم. وعليه، لا يمكن إنكار حجم المسؤوليات الجسيمة المُلقاة على عاتق سلطة الأمر الواقع، ممثَّلة بالحكومة الانتقاليّة، في صون وحدة سوريا، وإقامة نظام ديمقراطيّ مدنيّ قائم على مبادئ المواطنة وسيادة القانون وضمان حقوق الإنسان وترميم الخراب والإرث المأساوي الذي خلّفه نظام الأسد الاستبدادي، وتحقيق الأمن وتأمين أساسيات البقاء لملايين السوريين ووضع الأسس للعدالة الانتقاليّة بما يضمن محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة بعيداً عن الانتقائيّة، وإعادة تأهيل البنية التحتيّة تمهيداً لعودة ملايين اللاجئين والمشردين في دول الشتات، بوصفها أولويات الحكومة المؤقّتة أو أيّة حكومة مستقبليّة في سوريا.

فيما يتواصل الاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ 1967، يتمدّد الآن من جديد ليقضم المزيد من الأراضي السوريّة ويوغل في انتهاك حقوق سكّانه السوريين التي تكفلها المعايير الدوليّة لحقوق الانسان واتفاقيّة جنيف الرابعة، بشأن معاملة السكّان المدنيّين وقت الحرب لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيّات جنيف لعام 1977؛ وما زالت سلطة الاحتلال تمنع سوريي الجولان من التنقُّل الحرّ بين الجولان وسائر مناطق سوريا، منذ 57 عاماً، وتحول دون تواصل العائلات المشتّتة على جانبيّ خطّ وقف إطلاق النار، وتحرم طلاب الجولان من حقِّهم بالدراسة في جامعات سوريا، وترفض إعادة تسيير العلاقات الاقتصاديّة والسماح بتسويق المنتجات الزراعيّة للجولانيين في أسواق سوريا.

في نفس الوقت، لم تتوقّف سلطة الاحتلال عن استغلال المأساة السوريّة منذ 2011 لطمس انتماء السكّان لوطنهم سوريا ومحو هويّتهم العربيّة، من خلال تشجيع الولاءات المذهبيّة والطائفيّة لتحويل الولاء لها، وتشجيع الخدمة أو التطوع في قوّاتها العسكريّة وأجهزتها الأمنيّة على نحو مخالف لاتفاقيّة جنيف الرابعة (المادّة 51).

تشير مجمل التطورات الأخيرة إلى أنّ الجولان المحتلّ لن يكون، خلال الفترة المقبلة، ضمن أولويات الإدارة السوريّة الحاليّة. إغفال ذكر الجولان المحتلّ عام 67، من الخطاب العام للإدارة السياسيّة الجديدة في دمشق، واقتصاره على إعلان التزامها باتفاقيّة فصل القوّات لعام 1974، يوّلد انطباعاً لدى سوريّي الجولان المحتلّ بأنّ قدرهم أن يكونوا منسيّين من جديد تحت الاحتلال. وفي ظلّ صعوبة الأوضاع في سوريا والتحديات الوجوديّة التي يواجهها الشعب السوريّ في إعادة بناء دولته، فليس أمام سوريّي الجولان المحتلّ سوى مواصلة كفاحهم في سبيل التمسُّك بهويّتهم السوريّة والانخراط، ما أمكن، في المشهد الوطنيّ السوريّ.

في ضوء كل هذه الوقائع والمستجدّات، يناشد المرصد ويطالب المستويين؛ المحليّ والدوليّ، بما يلي:

  1. الحكومة المؤقّتة والقيادة العسكريّة الحاليّة، وأي سلطة مستقبليّة في سوريا
  • التأكيد العلنيّ والصريح على مبدأ سيادة الدولة السوريّة على الجولان المحتلّ منذ عام 1967 وفقاً لمبادئ القانون الدوليّ المعاصر، وضرورة انسحاب إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، تنفيذاً لقراريّ مجلس الأمن 242 لعام 1967 وقرار 338 لعام 1974، كشرط لتحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام في المنطقة.
  • طرح قضية الجولان المحتلّ وانتهاكات سلطة الاحتلال الإسرائيليّ لحقوق مواطنيه السوريّين أمام الأمم المتّحدة ومؤسّساتها وسائر المحافل الدوليّة والإقليميّة، والتأكيد على حقّ ما يقرب من نصف مليون سوريّ ممّن هُجِّروا قسراً، عام 1967، في العودة إلى مسقط رأسهم في الجولان المحتل.
  • القيام بواجباتها تجاه السوريّين الخاضعين للاحتلال الإسرائيلي، بوصفهم مواطنين سوريين وإدراجهم في سجّلات السكّان الرسميّة، وإنشاء مؤسّسة خاصّة تُعنى بشؤونهم واحتياجاتهم.
  • التنسيق مع الأمم المتّحدة واللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، لإعادة وصل ما انقطع بين سوريي الجولان المحتل وشعبهم ووطنهم، من خلال إتاحة التنقّل الحرّ ومن دون أيّ تمييز لأيّ سبب كان، بما يسمح بإعادة التواصل بين العائلات المشتّتة، واستئناف حقّهم في التعليم في الجامعات والمعاهد السوريّة.
  • مطالبة الأمم المتّحدة، بكافّة مؤسّساتها والمقرّرين الخواص لحقوق الانسان ولجان التحقيق ذات العلاقة ولجنة التحقيق الدوليّة المستقلّة المعنيّة بالأرض الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، وإسرائيل، واللجنة الخاصّة المعنيّة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيليّة التي تمسّ حقوق الإنسان للشعب الفلسطينيّ وغيره من السكّان العرب في الأراضي المحتلّة، وسائر المنظّمات الدوليّة والإنسانيّة، بالوصول إلى الجولان المحتلّ (بما فيها المناطق المحتلّة حديثاً) للاطّلاع على حالة حقوق الإنسان، ومعرفة احتياجات ومطالب مواطنيه السوريّين، وتقديم كافّة الخدمات اللازمة لهم.
  • اتخاذ الإجراءات والعمل على إبرام اتفاقيّات مع الدول العربيّة، تسمح للسكّان السوريين الذين يعيشون تحت الاحتلال ويرفضون قبول جنسيّة الاحتلال بالسفر إليها، وبالتالي وقف الابتزاز السياسيّ الذي يتعرّضون له، والذي يشترط حيازتهم للجنسيّة الإسرائيليّة للسماح لهم بدخول بعض الدول العربيّة.
  • المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتّحدة
  • التأكيد دائماً على مبدأ سيادة الجمهوريّة العربيّة السوريّة على كافّة أراضيها، وبضمنها الجولان السوريّ المحتلّ (بما فيها المناطق المحتلّة حديثاً)، واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليميّة.
  • التأكيد دائماً على عدم شرعيّة الاحتلال الإسرائيليّ للجولان وبطلان قانون ضمّ سلطة الاحتلال الإسرائيلي للجولان، كما نصّ على ذلك قرار مجلس الأمن رقم 497 الصادر يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 1981، بوصفه انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدوليّ وأحكام القانون الدولي الإنساني، التي تحظر على سلطة الاحتلال فرض قوانينها وسلطاتها وإداراتها في الجولان السوري المحتل، وحقّ سكّان الجولان السوريين التمسّك بهويتهم السوريّة، ورفض سياسات فرض الجنسيّة الإسرائيليّة عليهم، سواء بالإكراه أو بالترغيب.
  • حمل إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على إنهاء احتلالها للجولان السوريّ، وبضمنه الأراضي التي احتلّتها منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بما يفضي لانسحابها إلى ما وراء حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 تنفيذاً لمبادئ القانون الدوليّ والقرارات الدوليّة ذات العلاقة كشرط لإحلال السلام العادل والشامل والمستدام في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.