كلمة لا بد وأن تقال
الأسير صدقي المقت - 03\01\2007
لقد كان الأتنصار الكبير الذي حققه حزب ألله مدويا...
فقد حمل المشهد اللبناني المقاوم كل عناصر النصر الأسطوري... إذ تكشف المشروع
الإمبراطوري الأمريكي الصهيوني في بؤرة ضيقه... حدودها المقاومة... وفي زمن لا يقبل
أي توقيت إلا إذا كان مضبوطا على ساعة وشنطن وتل أبيب... وفي مكان أريد له أن لا
يتسع إلا لقطيع من الأغنام، يساق الى الذبح والمسلح دون أن يملك أي قرار في
الاعتراض على لون وشكل السكين ولا حتى على طقوس الذبيح.
في وجه كل ذلك وقف حزب الله... محطما المشروع الأمريكي ومعلنا ميلاد تقويم جديد على
إيقاع ساعة بيد مقاتل في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب... هناك في ذاك المكان
الذي لن يتسع بعد الآن إلا للشرفاء وأصحاب الكلمة والإرادة الحرة... هناك حيث سالت
الدماء الطاهرة لترسم من جديد معادله وقوانين الصراع، هناك حسم كل شيء... فلا ثقافة
بعد الآن إلا لثقافة المقاومة... وأي كلام بعد الآن ليس فقط فارغ وتافه، بل ساقط
ومشبوه إن لم يعبر عن إرادة وفكر وثقافة المقاومة.
انتصر حزب الله... وانتصرت معه المقاومة في فلسطين والعراق... وانتصرت معه أيضا
سوريا قيادة وشعبا سوريا المندمجة فكرا وثقافة... عسكريا وسياسيا ونضاليا مع
كل تفاصيل ما حدث على أرض الجنوب... وانتصرت أيضا الشعوب العربية التي تفاعلت مع
هذه الحرب بكل وجدانها وضميرها الحي... وانتصرت أيضا إيران الحليف القوي الذي يشكل
عمقا استراتيجيا لا بد منه في صراعنا مع إسرائيل. وبالمقابل هزمت إسرائيل عسكريا
وسياسيا ومعنويا... وهزم المشروع الأمريكي... لا بل أكثر من ذلك فقد هزمت إسرائيل
أمام أمريكا ذاتها وما عادت قادرة على تسديد فاتورة الحسابات الامريكيه في المنطقة
وهذا ما تجلى بكل وضوح أثناء الحرب عندما كانت تصر وزيرة الخارجية الامريكيه على
مواصلة القتال في حين إن إسرائيل كانت مستعجلة على الخروج من هزيمتها وعلى إنهاء
الحرب.
وما بين نصر حزب الله وهزيمة إسرائيل... أين كان العالم العربي؟ أين كانت نخبه
السياسية والثقافية والدينية؟ أين كانت قواه السياسية وإعلامه؟ الى أين اتجهت أنظار
شعوبه وجماهيره ؟؟
أسئلة كثيرة لا بد وأن نطرقها مدوية بكل جرأة وقسوة، ودون أي مسايره أو مداراة
لأحد... فعندما يراق الدم يصبح الصامت شريك في الجر يمه.
الى جانب النصر المدوي الذي حققه حزب الله... كان هناك وفي أماكن عديدة من الوطن
العربي سقوط مدوي... وبقدر ما كان النصر قويا وكبيرا ومحط فخر واعتزاز... كان
السقوط أقوى وأشد ومحط احتقار يثير التقزز. فهوا اولا وقبل كل شيء سقوط طبقه سياسيه
تحكم معظم البلدان العربية... طبقه ليس لديها أي مشروع ولا تملك أي مبرر لوجودها
ولشرعيتها سوى تلقيها التعليمات الصادرة من وشنطن وتل أبيب واللهاث وراء تطبيقها...
طبقه سياسيه انفصلت عن مصالح شعبها وهمومه ووضعت نفسها في خدمة المشروع الأمريكي
الصهيوني المعادي... طبقه سقطت سياسيا ووطنيا ومعنويا وأخلاقيا كمقدمه لسقوطها
الفعلي والعملي... وإلا ماذا نفسر لهاث بعض الحكام العرب لأجل الإفراج عن الجندي
الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة في حين يوجد في السجون الإسرائيلية ما يزيد عن عشرة
ألاف مناضل ومنذ عشرات السنين؟ ماذا نفسر تكالب ذات الطبقة السياسية لأجل تجريد حزب
الله من سلاحه وإضعافه في حين إن إسرائيل أكبر ترسانة سلاح من النووي وغيره تبطش
وتقتل بالشعوب العربية منذ نشأتها وحتى الآن دون أن تتكلم هذه الطبقة السياسية...
وعندما تتكلم، ويا ليتها بقيت صامته، تقسوا في كلامها على الضحية، وتكون في غاية
الرقة واللطف مع المجرم الإسرائيلي... طبقه سياسيه تأمرت على العراق وشاركت في
حصاره وفي غزوه وقتل شعبه... طبقه سياسيه تشارك الآن في حصار الشعب الفلسطيني
وتجويع أبنائه وتطعن بظهر مناضليه... طبقه تنهب ثروات الوطن العربي وتعبث بمستقبل
أبنائه... طبقه لم تترك أي رذيلة وأي جريمة وطنيه وقوميه وإسلاميه بحق هذا الوطن
العربي الكبير إلا وارتكبتها. وعندما بدأت المعركة على أرض الجنوب... وقفت هذه
الطبقة فرحه تنتظر الخلاص من ذلك الهم الذي يرعبها ألا وهو حزب الله... وقفت تنتظر
الخلاص الذي سيأتيها من إسرائيل ويريحها من هذا الكابوس الذي يزعج نومها وأحلامها
ويزيح عنها ورقة التوت ليكشف عريها القبيح... انتظرتها أو ساط سياسيه عديدة وفي
أكثر من مكان من الوطن العربي... في الرياض... والقاهرة... وبيروت... وعمان...
وغيرها الكثير... معركة طالبوا ذليلين بأن تقوم إسرائيل بها نيابة عنهم... هو ذات
الدور كانت تلعبه في الماضي... لكن هذه المرة خرجت الى العلن وما عادت تخجل من
نفسها ومن شعبها... لقد تعرت كليا وما عاد من شيء يخبئ عورتها وعهرها ودعارتها...
خرجت تعلن ولائها ودعمها الى إسرائيل... لقد حسبت حساب كل شيء... لكنها أخطأت في
مسألة بسيطة جدا وهي إن النصر لن يكون حليف إسرائيل هذه المرة... وهنا تغير كل
شيء... وبدأت أحجار الدمينو في السقوط... جمعتهم أمريكا وإسرائيل مقنعين عراة
على المنصة كي يكونوا أبطال المرحلة القادمة... وفي لحظه قام أبطال الجنوب بازاله
الاقنعه عن وجوههم... فظهرت الحقيقة وتبين إن وراء تلك الاقنعه وجوه وأسماء لها
تاريخ طويل في الخيانات والتواطوء والتبيعه للأجنبي وخدمة مصالح إسرائيل والطعن
بمصالح الشعوب العربية... سقطت الاقنعه ، وقريبا سيقط أصحابها أيضا.
لا أدري ، وأنا جالس على سريري داخل السجن ووسط هذا الكم الهائل من السقوط
والخيانات.. كيف سيطرت علي فكرة أن أوجه هذه الرسالة المفتوحة الى الجنرال ديغول:
(أيها الجنرال ديغول... يا محرر فرنسا من الاستعمار النازي... ليتك اليوم على قيد
الحياة لترى كيف حفيدك في الاليزيه يحتضن أحفاد العجوز (بيتان) الموجودين في لبنان
وغير لبنان وهم كثر... أنت أيها الجنرال يا من أدخل (بيتان) الى السجن بتهمة
الخيانة العظمى... تعال وشاهد كيف تحولت فرنسا الى مأوى لأحفاد (بيتان) من لبنان
والعالم العربي... لقد هزمك (بيتان) لأن خيانته كانت أقوى من رسالتك في تحرير
فرسنا... ومن رسالتك في الحرية...)
وثانيا: فهو سقوط شريحة واسعة من المثقفين والباحثين والكتاب والخبراء العرب...
شريحة ملأت الدنيا ضجيجا وهي تتحدث وعبر سنوات طوال بكل قضايا الدنيا... شريحة تدعي
إلمامها بكل شيء من تنوير وحضارة وحداثة وعولمة وفكر وثقافة واقتصاد وكل شيء...
أسماء ووجوه ملأت شاشات التلفزيون وتحتها كتب إما باحث أوكاتب أوخبير الخ... وعندما
حصلت المواجهة الكبرى على أرض الجنوب المقاوم غاب الكتاب والباحثون والخبراء
والمحللين في غالبيتهم... كل ارتمى في حضن الطبقة السيايه الساقطة تلك... صمت
أذانهم وقطعت ألسنتهم... غابوا اختبأوا عندما بدأ الرصاص يتكلم... وما عادت شاشات
التلفزيون تتسع إلا لبطولات المقاومين ولصور جرائم الاحتلال.
وثالثا: فهو سقوط شريحة واسعة من علماء الدين الذين كانوا يفتون بكل أمور الدنيا
والأخيرة... وبكل أحوال الأمة... وعندما كانت ألأمه في خطر أثناء العدوان، أفتى
هؤلاء العلماء من تل أبيب وواشنطن الى الجهاد ضد الشعيه.
ورابعا: فهو سقوط أسماء ومؤسسات وجمعيات حملت عناوين ومبادئ عريضة مثل
(الديمقراطية)، حقوق الإنسان والمواطن\الحريات\الأقليات.. لسنوات طوال يملأون
الدنيا ضجيجا... وعندما وجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام جرائم إسرائيل في لبنان...
أداروا ظهورهم لها، لان ذلك خارج ما هو محدد لهم، وما هو مسموح لهم أن يتكلموا به...
ممنوع عليهم الاقتراب من تلك المناطق المحرمة... لقد سقطوا جميعا في هذا
الاختبار...
لا أدري وأمام هذا السقوط المتعدد والمدوي وفي أكثر من مكان... إن كان عصرنا هو عصر
البطولات أم عصر السقوط... أنا أبن جيل ولد عام 1967... وأمضيت أكثر من نصف عمري
وما زلت في السجون الإسرائيلية... أمضيت عمري بكامله وأنا أحلم بانتصار على
إسرائيل... وعندما تحقق هذا الانتصار الذي طال انتظاره كثيرا كثيرا... يريدون خنقه
وقتله ورفضه والتواطؤ عليه.
لا... لن نسمح بذلك... لأن المقاومة في الجنوب بانتصارها المدوي أعلنت ميلاد تقويم
جديد... تقويم لا مكان به للضعفاء والجبناء والخونة ولا مكان إلا للشرفاء
والمقاومين وأصحاب الإرادة العربية الحرة... وأصحاب الضمائر ألحيه... لا ثقافة بعد
الآن إلا لثقافة المقاومة... قبل أن نقرأ أي كتاب سنسأل، أين كان كاتبه أثناء
العدوان؟ وماذا كان موقفه؟ وعلى ضوء الاجابه سنقرر إن كنا سنقرأ الكتاب أم نرميه
الى مزبلة؟ وقبل أن نستمع لأي محلل أو باحث أو خبير أو مفكر... سندقق بالأسماء
وبعدها نقرر إن كنا سنستمع إليه أم نغير محطة التلفزيون لمشاهدة أفلام كرتون، لأنها
في هذه ألحاله أكثر فائدة مما سيقوله ذاك الساقط... وقبل أن نستمع لأي سياسي سنفحص
أين كان أثناء العدوان وماذا كان موقفه بعدها سنقرر إن كنا سنصغي إليه باحترام
كبير؟ أم سنملأ شاشه التلفزيون بصقا؟ وما أكثر ما ستتعرض له الشاشة من بصق وضرب
بالاحذيه... سندقق بالأسماء... والأحزاب... والصحف والمؤسسات والجمعيات والشعارات
والإذاعات ومحطات التلفزيون... سنسقط منها من سقط مع الساقطين... أما ما تبقى منها
فهم شرفاء هذه الأمة وضميرها الحي.
وأخير... الى أبطال المقاومة... صانعي هذا الانتصار العظيم... أكرر مقوله للإمام
علي كرم الله وجهه: (لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه).
فرغم كل هذا السقوط... إلا إن جماهير ألامه العربية كلها تقف الى جابنبكم...
وانتصاركم هذا هو ميلاد عهد جديد... لكم كل التحية يا أشرف الناس.
معتقل الجلبوع 22/12/2006
* صدقي المقت: أسير جولاني في السجون الإسرائيلية منذ 21 عاماً