الخطاب الموتور
بقلم : سيطان الولي * - 21\01\2007
يتمتع أو يتميز الخطاب السياسي، في السجال الذي يدور بين مختلف القوى الوطنية، على
ساحة الجولان، بتردد عالي اللهجة بشان القضايا المطروحة على مستوى العلاقات
الداخلية، وبشأن قضايا النضال ضد الاحتلال على أشكاله وأساليبه المختلفة، والتوجهات
العامة، المتعلقة بالأصول الفكرية والسياسية، التي ينتهجها كل طرف، في اتجاه، وعلى
مستوى العلاقة مع الوطن الأم، في النظر إلى القيادة، الحزب القائد، وقوى المعارضة،
ومجمل الحراك السياسي، الحادث على رقعة الوطن، في اتجاه آخر.
لقد تأسس الفكر الوطني العام في الجولان المحتل، فوق مسارين أساسيين: الأول هو ما
حمله المجتمع من رؤى فكرية وسياسية نموذجية كانت قائمة في الوطن قبل الاحتلال، ولا
تزال قائمة مع بعض التطورات، الثاني: هو الأساس الوطني النضالي الذي أرساه إضراب
شباط 82 باعتباره التجربة النضالية الجماهيرية المفصلية، الرائدة، الجامعة ضد
الاحتلال وإجراءاته، أبدعت شكلا شعبيا خلاقا للنضال الجماهيري، رافقه جملة من
المفاهيم والمواقف والآراء الوطنية، نُسجت على منوالها شبكة الثوابت الوطنية التي
تطلبتها تلك المرحلة وضروراتها، على صعيد الروابط الاجتماعية، الضرورية لتأسيس موقف
وطني وحدوي جماعي للتصدي لقرار الضم وملحقاته، ولتأكيد الانتماء للوطن الأم وللهوية
العربية السورية. وقد أفضى هذا العمل الجماهيري الشعبي بالانطلاق من تلك الثوابت
وعلى قاعدة التجربة الفريدة غالى تطور المجتمع، روابطه، مفاهيمه وأداءه، فاتخذت
الروابط شكلا من أشكال العلاقات القائمة على التعدد والتنوع، وارتقت المفاهيم إلى
مستوى الإبداع الذهني والاجتهاد في صياغة تلك المفاهيم وصقلها وتطويرها، وارتقى
الأداء من شكله الشعبي إلى شكله المؤسساتي، ليخطو مجتمعنا، خطوات طويلة في مضمار
التطور الاجتماعي والثقافي الوطني. لكن هذا التطور لم يخل يوما من عوامل التناقضات
الداخلية، بل أن التناقضات الداخلية هذه هي التي آدت ودفعت بالتطور إلى مستويات
جديدة، وينظر إلى تلك التناقضات على أنها أفرزت نتائج سلبية، أدت إلى تخلخل أسس
العمل الوطني، فذهب البعض للتعييب على تلك التناقضات ورفض أسبابها، ومنطلقاتها،
لأنها بنظرهم أضعفت الوحدة الوطنية والعمل الوحدوي. لم يعد العمل الوحدوي ثابتا من
الثوابت التي تسمى في إطار العمل السياسي الوطني، وقد خرج هذا المفهوم من رسم العمل
الجماهيري وحل محله العمل المؤسساتي التعددي، وارتقى من شكله البدائي إلى شكله
الإبداعي المتطور، رغم ما يشوب هذا العمل من سلبيات، فإنها يجب أن تكون حافزا للنقد
البناء وتصويب العمل، لا إلى نفي التعددية، التي على أساسها يُبنى ويُشيد العمل
الوطني. فالوحدة الوطنية وهي ثابت من الثوابت لا تزال فعالة في رصد المهام
المستقبلية لنشاطنا المؤسساتي، مع التأكيد على أن الوحدة الوطنية لا تلغي التعددية
بل تقوم عليها، وهي العمل المساهم المشترك بين مختلف القوى في إطار خدمة الهدف
الوطني العام، وليست هيمنة طرف على أخر، أو فرض رؤية على أخرى. وعند هذه النقطة
المفصلية يتبدى الخطاب الموتور لطرف من الأطراف الوطنية، في توجهاته ضد الطرف
الآخر، حيث يدعي لنفسه احتكار الموقف الوطني الملتزم التي يراها بنفسه لنفسه، ويسعى
بكل جهده دون أي ضوابط لإقصاء الطرف الآخر، وكيل الاتهام له، مضحيا بالوحدة الوطنية
المطلوبة التي يدعي حرصه عليها، قافزا فوق كل محرم لأجل الحط من قيمة وشان الآخر،
في نشاطاته وتوجهاته وخطابه، الخطاب الموتور قائم على نوازع وطنية، مجردة غيورة
متشنجة، تدفع نحو شكل ساذج من الحوار، الذي لا ينطوي على ثقافة موفورة أو حججا
قابلة للنقاش والحوار، وإنما نوعا من الثقافة المحدودة، الضيقة الأفق، تظهر على شكل
ثوابت ومنطلقات افتراضية، مجازية غير ذات موضوع، ولا ترتبط مباشرة بالموضوع المختلف
عليه، بل تثير مواضيع مشتتة، متقلبة، منفصلة، الهدف منها ليس الحوار للوصول غالى
نقاط التقاء، وإنما وضع أسس للترويع وأشكالا من الفزاعات، والخطوط الحمر التي تقفل
النقاش قبل ابتداءه، وتغلق الأبواب أمام الحوار وإمكانية قيامه، ويتأسس على ضوء هذه
المفاهيم والمنطلقات، ثقافة تحريضية موتورة، مشدودة إلى نوازع ثأرية، تسلطية،
فوقية، هدفها فرض إرادة واحديه القرار والنشاط والتوجه، ولا تعدو عن كونها قاصرة
وحدها عن القيام بالمهام الوطنية والمسؤوليات الاجتماعية التي يتطلبها النشاط
الجماهيري في سعيه نحو تحقيق أهدافه الوطنية والقومية.
معتقل الجلبوع
* سيطان الولي: أسير جولاني منذ أكثر من 21 عاماً في السجون الاسرائيلية