ملاحظات فلسفية حول جدل الذاكرة الصورة
تعليق حول معرض
صور "فلسطين قبل 1948" في فاتح المدرس
\ مجدل شمس - الجولان
منير فخرالدين - 10\06\2007
-أ-
استحواذ الأرشيف هو أن تقرأ وثيقة قديمة، أو أن ترى صورة تذكرك بشيء قديم،
تشدّك بحرارة الحدث الأولى، ولا ترضيك!
-ب-
ولا يفيدك جمع المزيد من وثائق التاريخ، فهذا لا يعيد صنع التاريخ، تماماً
كما أنّ جمع المزيد من حطب الغابة لا يعيد صنع الغابة!
-ج-
يحدث غالباً شَبَهُ-حلٍّ، في اللاوعي والعاطفة، يبدو وكأنّه يختصر المهمّة
الشاقّة، هو تذويب الانبهار بالملل، هجران الرغبة للمرغوب.
-د-
تخرج آفة الملل حينما يحدّق المنبهر حتى يتبدد الانبهار، تفقد الصورة حرارة
الحدث الأولى، ويشعر المرء وكأنّه تخلص من استحواذها! وهذا شَبَهُ-حلّ فهو مازال
تحت تأثير الاستحواذ، وإن كان بشكله السلبيّ.
-ه-
قبل أن تخرج آفة الملل تحرّك الصورةُ حسّاً في جسد الذاكرة فتتقمّصه؛ تسحر
الذاكرة في جسد سواها – قطعة من ورق – تسلبها حياتها الرتيبة، حتى ينشأ صراع التذكر
لإعادة ما كان قد سلب.
-و-
حركة هذا الصراع الأوسع موضّحة هي: (اً) في حالة الانبهار الأولى يكون
التذكّر ذميماً أمام سلطان الصورة فيترك جسد الذاكرة عرضة لإغراءاتها؛ (بً) من هذا
الجسد المغري ينبعث التذكّر شيئاً فشيئاً؛ (جً) يكشف التذكّر محدوديته، محدودية جسد
الذاكرة الذي هو من صميمه؛ (دً) يعي التذكّرُ اعتماده على الصورة الساحرة المتقمصة؛
(هً) تنفتح في جوفه شهية لا حدود لها لعدد لا حصر له من الصور (طمعاً باستحضار
الحدوث الأولي لما قد مضى)؛ (وً) أمام هذا المُحال تنتقم الذاكرة بالخفوت والملل،
تقوم بفعل تضحية بالصورة؛ (زً) قلنا ذاك شَبَهُ-حلّ، وهذه شَبَهُ-تضحية؛ (حً)
فالصورة التي ظهرت بدءً ساحرةً خادعة، قد كشفت عن جوع حقيقي للتذكر لا يمكن نكرانه
أو التضحية به؛ (طً) الصورة تخرج عن نطاق التضحية الفعلية.
-ز-
إن الوثائق التي تجمعها من التاريخ لا تعيد صنع التاريخ؛ والحطب الذي تجمعه
من الغابة لا يعيد صنع الغابة؛ لكن الحطب الذي ترعاه يخضّر؛ والصورة التي ترعاها
تحفظ سحرها حتى ينشأ فيها زمن جديد. هكذا هي صور فلسطين، هكذا هي فلسطين.