ثمة غزالة لا تموت - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني


ثمة غزالة لا تموت
هنا بلادي, حيث ملائكة السماء, أذا ما ملت من حدائق الجنة ترتاح هنا, وهنا أدم يأكل من ثمر التفاح ما يشتهي, وحواء لا تخادع, وإنما تغازل
لداوود
الجولاني
عن موقع القاص زياد خداش - 12\11\2007

ويتزاوج بطلي الخليقة مرحبان بالله, بفرح ولادة طفل, ومن هنا لا يطردان. وهنا التلال والهضاب الخضر, وجداول الماء والوديان هنا والقرى الممتدة فوق السهول وعلى سفح جبل عاشق لقامته ولشيبه الشتوي. فلاحو الأرض من نساء ورجال يخرجون إلى مزارعهم في شروق فجر. وأطفالهم الصغار يسبقون نسمات الصباح, يركضون وراء نساء تعبت من متعة الليل, وفي أنوفهن نكهة خلق خبز صاج مدور مثل وجه قمر محمر. ركضوا أطفالا إلى البراري تاركين حقائبهم المدرسية في البيوت ليأخذوا من الصيف الحار ما يشاءوا من فوضى ولعب لا يخضع لرقابة معلم أو مدرسة. خرجوا ليلعبوا مع فراشات الصباح, يدوسون ورد السهول بأقدامهم الحافية, فينتفض الورد من نعاسه, دون غضب, ويغسل أوراقه بالندى. ثم يصرخون بصوت مثل صوت الحمام: "يا غزالة فوق التلال نحن نعدو أليك.. ." هنا ثمة نساء تحمل جرار الماء تملأها من ماء نهر أو نبع. وإذا أغاضهن حر الصيف أنعشن ضفائر الشعر, وبللن قمصانهن الملونة بماء بارد, أرتاح له جسد منهك وضحكت عيون فقد بدا النهار جميلا. في الظهر كانت الغزالة ترتاح تحت ظل شلال صغير أو تحت شجرة وارفة. فيغافل أهل بلدي قيض الشمس ويختبئون بين جدران وسقف, يأكلون خبز الصاج وبعض حبات زيتون وجبن مالح. ثم يشربون ماء الجرار فيعانق زوج زوجه تحت شباك مسدلة ستائره إلا من عبث نسيم رقيق. فيرتاح عنق زوجته على مخدة أعدها الزوج وهو يقول "غزالتي تعبت اليوم فلترتاح قليلا". بينما في الأزقة الضيقة وتحت أشجار الجوز يتحاور شاب وفتاة وإذا لامست يده يدها أحس انه لامس الغيم وقبل السماء. ها هنا وديان وتلال حيث أعشاب البر تنمو بزهو, وترشق بنظراتها أشجارا مختالة في علو وتنوع. من تين ورمان, وطيش ريح يمر سريعا بين أغصان شجيرات خوخ وكرز. فتقفز طيور الحجل راكضة بين دوالي العنب المتعمشقة على حيطان من الأحجار. ثم يتوارى الحجل تحت أشجار الحور النامية حول نبع ماء انبجس من الصخور. ها هنا تكون الغزالة تقفز راكبة وجه الريح، تنط فوق الجداول العذبة، تدق بقدميها وجه الماء وتلامس حصى النهر, تلتهم العشب النامي حول الورود, بعد أن تكون بشفتيها أشبعت الورد تقبيلا. ها هنا بلادي. وهنا ذات مساء قبل أن تسحب الشمس خصلات ضوءها دوى صوت جاء مجلجلا, بعثر النسيم وخدش وجه المساء, فتهدمت بيوت ومات أطفال فأرتعش ماء الجداول وخاف الورد. صاح الصوت: "غزالة يا غزالة ثمة غزالة يجب أن تموت" فردت: أنى أرى في الدنيا مكان لي ولك, فلا تدع الحقد يحركك وأشفع لهذا العالم أيها المخلوق القادم بعيني ذئب" عوى فقال: "ليس في العالم ألا أنا, ولن أرتاح حتى أقطعك أربا, وأقدمك قربانا للوصايا القديمة, فمن أجلها أكون ودونها العدم مصيري" غنت فقالت: "أيها المخلوق لم تعد تنفع الخرافات سوى أنها تنشر الموت, أنظر إلى الغيوم والأشجار هنا, أنها وصايا الله, أحبها حينها ستعلم أن في هذا الكون ما هو جدير بالحياة." تقدم غاضبا: "غزالة يا غزالة أنت تخاطبيني وكأنك في مركز القوة، فلتعلمي أنك مثل غيرك, لست سوى كائنا ضعيفا, تمضغين الوقت لتنال قسطا أكثر من الحياة, فأنني أعددت العدة وقضي الأمر" لم يكمل المخلوق كلامه حتى كان مشط بمخلبه ظهر الغزالة الطري, فنزف دم وسال. زقزقت طيور, فرد النسيم النائم بين غصون الشجر:"هناك غزالة لا تموت" تحرك حصى النهر وماج ماء: "هناك غزالة لا تموت" خرج فلاحون من بيوتهم ورقصت أمهات فقدن أطفالهن وصاح الزرع: "هناك غزالة لا تموت" لكن الصوت ضاع واختفى الصدى. نظرت الغزالة إلى عنقها وهدلت بصوت عذب :"أن مت أنا ماتت كل قطعان البراري وجف ماء النهر". قرب الذئب لسانه من ظهرها لعق مثل كلب دمها, قرب أسنانه من عنقها, غضبت, نفرت, حادت, ركضت وهي مكسورة الخاطر, نطت من صخرة إلى صخرة، رقصت بين ظلال شجرة ولمست وجه الريح. حار الذئب وحار, وهو يلهث وراءها: "من أنت يا غزالة ؟ لماذا تناطحين الموت؟" أجابت: "أنا أليسار الأميرة, يممت البحر لأبني قرطاج المدينة" " وأنا قرطاج علمت هانيبعل كيف بالسيف يهزم روما" "وأنا اليسار الجميلة عدت من الموت إلى صور". جن الذئب وارتعدت جوارحه: "أليسار كنت أم غزالة,.. ما عاد البحر يحمل السفن من صور, ولا أمير عاد يعشق الغريبة, لوحدك أليسار تدافعين عن حلم محال أن يتحقق, سأغمس خبزي في دمك, فأن الدنيا كما "يهوة" لي الحياة أراد يجب أن تكون" لكن الغزالة شدت من عزمها, وقفزت وجه الريح تركب ودحرجت عليه حصى النهر حجرا وراء حجر, وأعمت عينيه بورق الشجر, حتى الورود غرست في جسمه شوكها, ونقدت رأسه عصافير, والريح برد جسمه, فسقط وقدم الغزالة قد حطم رأسه. لم تكد الغزالة تلتقط أنفسها, حتى علا من بعد غبار وصوت حوافر خيول قادمة, وقعقعت رماح, وصهلت ملوك, ورفعت أعلام, فتبعثر الأثير كما الذئب بعثره... ولما أنجلى الأمر تقدم الرئيس وولى الأمر وقال كلامه بصوت قد شاخ: "لماذا يا غزالة قتلت الذئب وحدك؟ أما كان بوسعك انتظاري؟" وأكمل "سأحمله بعيدا لأدفنه" فصاحت غزالة البرية بصوت مجروح شق الليل "فليدفن هنا تحت قدمي

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا