وليد رضا: وطني هو فني! - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني


وليد رضا: وطني هو فني!
عن مجلة
<ترفزيون> - 13\11\2007
التقته: فاطمة بطحيش

لا تمر أمامه كلمة مرور الكرام أو كأنها عابرة سبيل.. فكل كلمة تستوقفه وتثيره وتؤثر فيه.. إن كان صدقها، شاعريتها، قسوتها حتى وإن كانت قرارًا لمصير.. تجالسه فيستحضر لك شعراء وزجالين ربما سمعت عنهم وربما لا، وربما حاولنا تناسيهم لكن بالنسبة له، فلهم مكانة خاصة فيتكلم عنهم وتشعر بحديثه وكأنهم حاضرين وعن هذا الزمن عارفين.. فعند كل كلمة كانت لنا وقفة فهو الزجال شاعر الموقف وليد رضا.. الذي التقيته في زيارتي الأخيرة للجولان. حين رأيته للمرة الأولى ضمن مسرحية "رموش راقصة" والتي قدمت في مسرح الميدان، بكيت ليس لأني حنونة فقط أو أني تفاعلت لكن شعرت لحظتها كم تنقصني لهجة الجولان.. فقد عدت أسمع لهجتنا وأسمع نفسي التي كادت أن تغادرني وتسكن حيفا..

بداية، حدثني كيف بدأ ولعك بالزجل؟
لقد بدأت أسمع الزجل حين كنت في المرحلة الإعدادية، أظن في الصف السابع أو الثامن، والحقيقة أن سبب تعلقي بالزجل يعود لشاب من قريتي "مجدل شمس" اسمه معروف بريك، حيث أسمعني شريط زجل للزجالَين طليع حمدان وأسعد سعيد بعنوان "الحرب والسياسة والسلاح" فأعجبت جدًا بالنمط الكلامي والحوار المقفى، وشعرت مع هذا الكلام بنوع من الحرية أو القوة والجرأة. ومنذ ذلك الوقت بدأت أبحث في الموضوع وكان معروف بريك يزودني بالأشرطة، ولقد تأثرت بطليع حمدان خاصة خلال أحداث لبنان، ورأيت أنه حين يحب المرء شيئًا فإنه يبحث عنه..

وكيف تأسست جوقة الجولان للزجل الشعبي، ومن تضم؟
قبل أن نؤسس الجوقة كانت هناك محاولات شعبية لي ولأصدقائي: كامل الحلبي، ياسر الشوفي وبديع أيوب. محاولات بما يسمى بكتابة القدسية وهي مصغر قصيدة وأول انطلاقة لي في كتابة الزجل كانت في عام 1989، وبعد عدة جلسات سهر حيث كنا نتبارى مع بعضنا البعض "ردة بردة"، قررنا أن نؤسس جوقة الجولان للزجل الشعبي.

ماذا يحتاج الشاعر الزجال ليصبح زجالا وقريبًا من الناس؟
خيال خصب، شعر "السهل الممتنع" من الفم إلى القلب. إن لغتنا العربية جميلة جدًا، وفي ذات الوقت معقدة، أما الزجل فهو باللغة المحكية، وهذا الفرق بينهما من الممكن أن يعالج عدة حالات (نوع من الشعر العامي المكرر) يخضع لجميع قوانين الشعر فيه مقاطع عروضية لكن ليس كل من حكى حكى أو قال زجل.. ليس مثل الحدا الفلسطينية.. حب الناس للزجل سببه هو أن الزجل سهل للفهم، وبرأيي أن من يريد قول الشعر يجب أن يرى الأمور من زاوية لا يراها الناس، وهذا يتعلق بخيال الشاعر أن يحولها للحالة التي هو فيها حتى يطير ويحلق بخياله..

هل هو بحاجة لثقافة معينة؟
من حيث الإطلاع الثقافي، على الزجال أن يكون مثقفًا، فهذا أمر إجباري حتى يتمكن من دعم حجته التي يريد قولها أو إيصالها للناس، مع هذا، وبنفس الوقت، فهو أيضًا ليس بحاجة لثقافة حيث بإمكانه استسقاء ثقافته من الطبيعة التي تزوده بما يحتاج وذلك من خلال خياله الخصب. لكن مهم جدًا أن يعرف اللغة العربية لأن الزجل خاضع لبحور وأوزان وقوافي ومقاطع، فمثلا ممنوع إلتقاء الساكنين.

حدثنا قليلا عن أصول الزجل وتبعيته..
الزجل يتبع للبنانين وليس لنا، فهذا الزجل الأصيل هو منبع ومولد الزجل المنبري، إن أول من جلس على منبر كانوا هم، مثلا "ابن لحفد" كان يرتل تراتيل دينيه على شكل زجل. وللزجل أنواع وأوزان وحتى أنه لهذه الأوزان فروع وأنواع ومنها؛
وزن القصيد: وهو على وزن البحر الوافر بالشعر العربي
أي: مفاعلتن مفاعلتن فعولن، وهو ما يمكن غناؤه باللحن الشهير (سكابا يا دموع العين) يستخدم أولا مقدمة للمعركة الزجلية أو للحفلة الزجلية. ثانيا وزن المعنّى: وهو على الوزن الرجز بالشعر العربي ويستخدم بشكل أساسي في الحوارات الزجلية. ثالثا وزن القرادي: أسهل الأوزان وغالبا ما تكون الردة فيه مرتجلة، يستخدم في المحاورات الزجلية العارضة حيث يبدأ الشاعر بردة، تكرر جوقة الترديد الشطرين الاخيرين بعد كل ردة قرادي تالية. رابعًا، الموشح: يتألف كل بيت من شطرين مختلفي الوزن لا يستخدم هذا الموشح إلا للغزل حيث يبدأ الشاعر بردة تكرر جوقة الترديد الشطرين الأخيرين منها بعد كل ردة موشح. الشروقي: من أصعب الأوزان ونسمع جوقة الترديد تعطي نغمة طويلة بعد كل بيتين من قصيدة الشروقي يستخدم أغلب الأحيان في ختام الحفلات والمعارك. الميجانا: تنظم على الرجز (أو ما يسمى باليعقوبي).. وهو كما "المعنّى" الذي ذكر سابقا يتكون كما العتابا من أربعة شطرات.. تشترك الثلاث الأولى في نفس الكلمة (جناس تام) والشطرة الاخيرة تنتهي بحرفي النون والألف. والحوربة والندب وغيرها.

كيف تكون ولادة القصيدة الزجلية لديك؟
هذه الولادة تكون في حالة معينة تعتريني، مثلا إذا قررنا نحن كفرقة أن نقوم بحفلة زجل فيترتب عليّنا أن نحضر قصائد، فهذا يتعلق بالإلهام أولا وإذا كتبت شيئًا أشعر أنه ملائم فإني أضعه في خانة "اليَك".

إن كان الزجل مبنيا بشكل مسبق بين الفريقين المتبارين فكيف يكون الارتجال إذًا؟
الارتجال على المنبر موجود ومن يرتجلون موجودون، لكن السؤال الذي يطرح كم من الممكن أن يرتجل الزجال، لأن هذا أمر صعب أن يقوم بحفل كامل فقط بالارتجال، مثلا زين شعيب وخليل روكوز وطليع حمدان يرتجلون لكن ليس حفلا كاملا.. وأن تكون حفلة كاملة مرتجلة فإني أضع حولها الكثير من إشارات الاستفهام، فالحفلات كلها محضرة من قبل ومتفق عليها بين الشعراء، وإذا حدث ارتجال أو ثلاثة فيكون مقتضبًا لأنه وجب قول الحقائق، كما أن الجو الزجلي كسهرة فهو جميل جدًا ويا ريت نقدر نرتجل.. أنا كوليد وشعراء الزجل المنبري غير قادرين على الارتجال في حفل كامل، وكما قال لي شاعر الجولان سليمان سمارة حين لجأت إليه أنه هناك أمران يقللان من قيمة الشعر وهما الارتجال والقوافي الوعرة فهي قوافي صعبة جدًا.

وإن كان متفق على ما يقال، فكيف تحسم قضية الغالب والمغلوب؟
قضية الغالب والمغلوب هذه قضية الجمهور يحددها ويقيمها، لقد قصدت حفلات للزجل في الاردن لزجالين وشعراء معروفين، على سبيل المثال طليع حمدان له جمهوره الذي يأتي من أجله حتى قبل أن يبدأ يصفقون له وهم أنصار له حتى إن أعجبهم ما قال أم لا. الشاعر أبو حاتم يوسف الشوفي شخص خفيف الدم ومهضوم ونكتجي الجمهور يحبه وينتظره، فإذن قضية الذوق متعلقة بالجمهور.

كيف تقيّم إقبال الجمهور على الأمسيات الجزلية، ومن يقيّمها في نهاية المطاف؟
الزجل هو أمر جميل وخاصة إن تربى على يد الزجال نفسه. ولكن حفلات الزجل قليلة. ونظرًا لانعدام الحكام ولجان الحكم، والتي من المفترض أن تدعم قوة الحجة، نرى أن هناك إجحاف بحق الشعراء. إذ أننا نتعب كثيرًا حتى نقدم حفلا معينًا.. ليس من اللائق أن يكرر الشاعر نفسه أو فكرة لديه وإنما هو بحاجة للإبداع وابتكار شيء جديد. فمثلا، في الحفلة الزجلية التي أقمناها في قرية "عين قينيا" مؤخرًا، كانت ناجحة جدًا رغم أنها لم تستوعب الجمهور المطلوب..
إن تحضير أي حفل هو أمر متفاوت ويتعلق بالوضع الاجتماعي. وبالنسبة لي، الزجل هو نافذة للخروج من الضغط. فبعد 17 عاما في مجال الزجل، أقول أن حفلات التحدي الكبيرة وتأخذ وقتًا لأننا بحاجة لإثبات الوجود أي أن نكون أو لا نكون..

ماذا عن طاولة المنبر الزجلي، ما الهدف من وضع العرق والدف والورود؟
العرق من منابر لبنان "يقال أن العرق يعطي للشاعر الشعور بالتجلي أن يسلطن ويرى الأمور أسهل من رؤيته لها وهو واعٍ. وبالنسبة لي، فإن العرق يساعدني على التغلب على شعوري بالحرج ويكسر الحاجز بيني وبين الجمهور. وبهذا، يكون هناك فصل بين الشاعر ومن حوله. المنبر هو حالة مسرحية بحتة؛ أشعر وكأني جالس لوحدي، إذ أنني لم أعد أشعر برهبة أمام الجمهور، وهكذا استغل المنبر كي ألعب لعبتي التي أريد لعبها كشاعر، والحمد لله حتى الآن ألعبها صح.. بالنسبة للعناصر التي تحيط الزجال، ومنها الموسيقية، مثل الدف؛ فهي بمثابة إيقاع.. حيث تم تلحين القصيدة الزجلية أو الشعر حسب ركض الخيل والتي يسمونها "رهدنة".

أنتم تحيون الأمسيات أمام الجمهور الفلسطيني، ألا تخشون من عدم فهم اللهجة الجولانية لديه؟
حتى الجمهور الفلسطيني له تراثه الخاص ولهجته الخاصة. فهو بعيد عنّا ومن الصعب عليه أن يفهم كلامنا. لدى الفلسطينيين، هناك ما يسمى بـ"الحدا" وهذا ليس زجلاً، إنما تراثًا مغنى كما الدلعونا عندنا يحاولون أن يجعلوه شعرًا وهو مغنى للأفراح وللمدح ولا توجد فيه صورًا جمالية تجعل الانسان يفكر.. وهنا أستأثر بأبيات للشاعر الأستاذ نجيب سجيم أبو أسعد: "صعبة الشاعر توصفه حروفه.. مالكون كله بفية حروفه.. وكل ما نطلع على الدنيا منشوف أجيال عم تقرأ من كفوفه".

كانت لكم مشاركة ضمن العمل الفني "رموش راقصة" للمخرج معتز أبو صالح، حدثنا عن العمل وتجربتك الخاصة؟
فكرة "رموش راقصة" انبثقت لدي في بيتي وقصتها أني جلست مع كامل الحلبي عضو في الجوقة وطرح عليّ فكرة أن نقوم بسكيتش مسرحي زجلي، فتوجهنا للمخرج معتز أبو صالح وهو صديق لنا وطرحنا عليه الفكرة فأعجبته وبدأنا بالعمل. بالنسبة للتجربة، فهي جميلة وأعتز بها حيث خاطبنا من خلالها مشاعر الناس وأعدناهم إلى الماضي قبل ما يقارب الـ 50 عامًا ولا زال عليها طلب حتى الآن. رموش راقصة عبارة عن حكاية جولانية تجري أحداثها عامًا قبل حرب حزيران، وتتضمن المسرحية عرضًا لجزء من الواقع الجولاني بما فيه حرب الـ67. ومن الناحية الفنية، تأتي المسرحية على شكل حكاية يتخللها في بعض المشاهد من القصائد الزجلية والمواويل الشعبية. الزجل والمواويل في المسرحية من تأليفنا نحن فرقة الجولان للزجل. وأظن أنه هناك مشروع جديد مماثل بنفس فكرة المسرح الزجلي. وهنا أريد أن أنوه إلى أمر وهو أن الفن هو فن الاختلاف بنوعه حسب ميول الشخص، وعن نفسي فقد واجهت مشكلة مع الحركة على خشبة المسرح، فنحن بصراحة لم ندرس فن المسرح لقد أتينا من الحياة الاجتماعية للمسرح.

ماذا عن شعراء الجولان الزجالين؟
جدا سعيد أنه يوجد اهتمام بالزجل خاصة من الإعلام ليس بشكل شخصي لي فحسب، إنما الزجل بشكل عام، فهو يستحق الاهتمام شأنه شأن باقي الفنون فنحن بالفعل نملك شعراء يملكون خامة ممتازة ولا يقلون شأنا عن الشعراء اللبنانيين أو غيرهم مع العلم أننا لسنا مقتصرين فقط على الشعر فبإمكاننا أن نخلق من لا شيء شيئًا.. لدينا شعراء هنا في الجولان وهم بحق فلاسفة وأفخر أن يكون في هضبة الجولان شعراء كهؤلاء وأذكر الشاعر الكبير بشار إبراهيم فهو خامة لمولد شاعر فيلسوف، وغيره الكثيرين مثل الشاعر أمين القضماني فكره جميل ومُجدد، الشاعر نائل الصباغ، الشاعر أيهم الولي، فأنا أفخر بهؤلاء الشعراء الذين جددوا هذا الشعر وهذا يدل على اهتمامنا بأن تكون لدينا حضارة رغم قلتها.

قرأت لك قصيدة بعنوان "دولة مجدل شمس"، حدثنا عنها. وهل من جديد؟
هي عبارة عن قدسية ليست زجلا، فهي عبارة عن حكي باللغة العامية مقفاة وتقرب الزجل واتت من حالة ممكن تكون عاطفية أو قهر نتيجة ظروف معينة. ومؤخرًا كتبت قصيدة بعنوان "فصيلة الدم كذب سلبي" كتبتها نتيجة لحالة من السخط على الوضع الذي وصلنا له ونعيشه وأنا من الأشخاص غير الراضين عن الظروف التي وصلنا إليها نحن الشعراء، فنحن كالديوك علينا الصياح وليس انتظار طلوع الضوء، وأتمنى أن نجد صدى، فلجميع الناس هموم ولا يستطيعون أن يقولونها فنحن نقولها.. مثلا: "يا خجلة التاريخ فينا... ويا حرام لما جفون الحق تغرق بالظلام... وتصير مجدل شمس فرشة من الشكوك عليها الضمير الاجتماعي راح نام.." برأيي مهم جدًا أن يقدم كل شيء للناس وأن يكون قريبا منهم ومهم جدًا أن يكون الشاعر صادقًا مع نفسه كي يصدق مع الناس وليس لغاية في نفسه..

لماذا لا تصدرون كتاب يضم أعمالكم؟
لدينا أرشيف موجود لدى عضو الجوقة بديع أيوب، وهناك فكرة لإصدار كتاب وحاليا الفكرة مجمدة، وذلك نظرًا لعدة ظروف. وهنا أستأثر بقول للشاعر الكبير نزار قباني: "تبقى الكلمة عذراء حتى تضاجع الشاعر، فإما أن تخرج مرفوعة الجبين وإما أن تتعاهر!"

ماذا تتمنى؟
أتمنى وأطمح لتكون رابطة زجلية تجمع وتدعم جميع الشعراء؛ شعراء الزجل في البلاد. وأن يكونوا مجردين من الغايات الخاصة ومن الكره لبعضهم، يجب أن يحبوا بعضهم وأن يمتعوا غيرهم بالزجل الأصيل والمبتكر وأن نخلق فينا وببلادنا حضارة تشبه إلى حد ما الحضارة التي حققها اللبنانيون بزجلهم، وهذا هَمٌ حاولت ولا زلت أحاول من أجل تحقيقه رغم أنه صعب لكن ليس مستحيلا..

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا