فرقة ذكرى الجولانية
تحديّـًا للرحيل واستحضارًا للراحل زكي ناصيف..
عن مجلة ترفزيون - 02\12\2007
أسماء عزايزة
(صور: ميشيل دوت كوم)
مشهدٌ، أكاد أجزم أنه لم يمثُل أمام الجمهور الفلسطيني في الداخل إلا نادرًا؛ فرقة
جولانية سورية تغني لبنانيًا من مشغرة، في حيفا فلسطين. نعم، هي فرقة "ذكرى"
الموسيقية الجولانية غنّت مساء السبت الفائت الراحل اللبناني زكي ناصيف على خشبة
مسرح الميدان في حيفا. ساعة ونصف الساعة من الموسيقى، اختزلت المسافات بين بلاد
الشام، واختصرت تاريخًا فنيًا جمع هذه البلاد ذات مرّة، وصفعها عندما فصلها
بالأسلاك الشائكة والحروب المستمرة. تأتي أغنيته، هذا الذي رحل عنا قبل ثلاث سنوات،
"يا عاشقة الورد" لتحمل اسم عمل شارك فيه خمسة عشر جولانيًا وجولانيةً. وتأتي حيفا،
لتكون هذه العاشقة التي تحتضن أغنية الناصيف ولحنه، والتي، كما قال أحد أعضاء
الفرقة، "تستوعب أي نشاط فني بسبب ما حافظت عليه هذه المدينة من أجواء ثقافية
عربية، فبين الجولان وحيفا همٌّ واحد وقضية مشتركة"..
الناصيف.. الصعب!
فرقة موسيقية في عرضها الثالث فقط، ولكنها لم تتجنب المجازفة في اختيار أكثر
الملحنين العرب تركيبًا وصعوبةً. هذا الملحّن الفنان الذي لم يسعَ إلى تطوير
الفولكلور اللبناني، ولم يلتفت إلى ذلك بالمعنى التجريبي والتطويري، فقد كانت
حركتُه اللحنية والموسيقية أوسع بكثير من تلك التي اعتمدها كثيرون في عملهم على
الفولكلور. والذي لا يفوتنا أنه لحّن لكبار الفنانين مثل فيروز ووديع الصافي وصباح
وماجدة الرومي وغيرهم. فيصف أعضاء "ذكرى" صعوبة أداء وعزف أغاني الناصيف؛ "لو أننا
اخترنا فنانًا آخر غيره، لقدمنا العرض بشكل أنجح وأكثر إتقانًا"، يقول هايل
الصبّاغ، أحد أعضاء الفرقة، ويردف: "حتى في خطوتنا الأولى اخترنا فنانًا ذا تركيبة
موسيقية معقّدة؛ فما يميّز زكي ناصيف أنه أدخل "الهارموني"- أي التوافق الموسيقي-
في الموسيقى الشرقية. أما دورنا نحن، فهو العمل الجاد على موسيقاه حتى نوفيه حقه،
فنحن لا نؤدي أغانيه فقط، بل نعمل أيضًا على كتابة نوتات الأغاني، إذ أنها غير
موجودة في المكتبات الموسيقية أو المعاهد". يوافقه على هذا أحد أعضاء الفرقة، وهو
مضاء المغربي، قائلا: "إنّ خصوصية هذا الاختيار متمثلة بصعوبة الشكل الموسيقي عند
زكي ناصيف، الأمر الذي يجعل ضرورة العمل على العرض ملحة. هنالك أهمية لوجود روح
لهذا العرض، ولكن تبقى المَهمة حتمية هي تطوير العرض موسيقيًا، والذي يسهله تكرار
عرض العمل". وتبدو هذه الصعوبة في الأداء والعزف، والتي تحدّث عنها أعضاء الفرقة،
أكثر كثافةً عند صقر أبو سلمان، الذي شارك بعزفه على آلتي البيانو والكمان، وبيده
كان يعطي إشارة البدء في كل أغنية، والذي كما وصفه مضاء المغربي "دينامو المشروع".
سألت صقر عن إحساسه الأكيد بالمسؤولية نتيجة تركيزه في أكثر من اتجاه في آن، فقال:
"مسؤوليتي تجعلني دائم القلق، فالفرقة رهن إشارتي، وأي خطأ يبدر مني سيغالط جميع
أفراد الفرقة". ويستدرك: "إنّ مكان جلوسي هو الذي يفرض عليّ هذه المهمة، ولكني
أعتقد أنّ جميع أعضاء الفرقة مخولون للقيام بذلك".
إنما تذكيرًا..
أستوقفتني جملة إعتراضية قالها لي شاب جلس بجانبي قبل ثوان من بدء العرض: "واضح أنه
هنالك نهضة ثقافية في البلاد في الآوانة الأخيرة"(!) جملة جعلتني أفكّر في هذه
"النهضة" حتى خلال العرض؛ هل هي كمية أم نوعية؟ فوجدت أنّ نوعية العرض لم تتجسّد في
ظهور فرقة "ذكرى" وأدائها بقدر ما تجسّدت في الفكرة التي جلبتها الأخيرة في هذا
العرض؛ وهي تخصيص العرض لتقديم مجموعة من أغاني الفنان اللبناني الراحل، زكي ناصيف.
فهل نجحت "ذكرى" في تقديم صورة "ناصيف" الموسيقية، أو ما يشبهها؟ عن هذا تجيب ربيعة
الصبّاغ، أحد أعضاء الفرقة: "اختيارنا للفنان زكي ناصيف لم يأت من فراغ. وهذا
الاختيار بحد ذاته، وبغض النظر عن تفاصيل العرض، يعتبر خطوة لا يستهان بها. أما
بالنسبة لما قدّمناه، فنحن لم نقلّد زكي ناصيف، إنما قدّمناه من خلال قدراتنا
وأصواتنا نحن". ويقول هايل الصبّاغ، مضيفًا: "لسنا نحن فقط من يرى أهمية هذا
الاختيار، بل انعكس تعطّش الجمهور لأغاني الراحل خلال العرض، أيضًا". ويشدّد مضاء
المغربي: "لا شك أننا لا نستطيع أن نعتبر العرض تكريمًا أو تخليدًا لزكي ناصيف، حيث
يحاول البعض إلصاق مثل هذه الأوصاف الرنانة بمثل هكذا عروض. ولكن يكفينا أن نذكر
بزكي ناصيف بشكل لائق. والأمر الذي يطمئننا جميعًا أننا على دراية تامة بأننا لم
نصل إلى الشكل النهائي للعرض، فهو بحاجة إلى الكثير من التطوير". بالنسبة لنا
ولـ"ذكرى"، كانت بعض الأغاني كافية لهذا التذكير كـ"فراشة وزهرة"، "ندي النسايم"،
"حلوة ويا نيالها"، "اشتقنا كتير"، و"راجع يتعمّر لبنان"، والتي ألهبت الجمهور
وجعلته يطلبها ثانيةً.
ربما إجابة..
جالس أعضاء الفرقة بعد العرض المنتج التلفزيوني قاسم الصبّاغ، الذي يعمل هذه الفترة
على إنتاج فيلم وثائقي يهدف إلى إلقاء الضوء على الإبداع لدى الشباب الجولاني،
والذي وصفه الصبّاغ بـ"الإبداع المنسي"، أي الذي يتوقف في مرحلة ما بسبب انعدام
الدعم أو قلته. ويبدو تعليق قاسم الصبّاغ على عرض "ذكرى" في ضوء عمله على هذا
الفيلم، ربما، إجابة على سؤال الشاب الذي جلس بجانبي عشية العرض، فيقول: "إنّ
النشاط الثقافي المتواجد في الجولان واسع النطاق إلى حد ما، ولكن هذا النشاط إنما
يقتصر على أفراد فقط. حيث تنبع هذه الحركة الثقافية نتيجة تحرّك أشخاص أكاديميين أو
موهوبين". ويشير بهذا إلى فرقة "ذكرى"، قائلا: "إنّ أهمية العمل الذي تقوم به فرقة
"ذكرى" تكمن في نوعيته وفكرته. وأنا شخصيًا أتوقع لأعضائها مستقبلا ناجحًا، كونهم
وسيلة تذكير للعالم العربي بفنانين وعمالقة أمثال زكي ناصيف وآخرين، ممن تركوا بصمة
كبيرة على الفن العربي، والذين تناساهم الإعلام بسبب إنشغاله بالفن الهابط".
أسماء أعضاء الفرقة: عقاب المغربي، أشرف أبو سلمان، عنان حبوس، مضاء المغربي، دلال
إبراهيم، شيرين أبو صالح، جيانا أبو صالح وربيعة الصبّاغ (غناء). صقر أبو سلمان-
كمان/بيانو، حسن نخلة- كمان، راشد نخلة- قانون، هايل الصبّاغ- عود، إياد أبو صالح-
غيتار، علاء أبو سلمان- إيقاع، رامي نخلة- غيتار باس.