إلى من كان يوماً حبيبي
روى - 19\02\2008
غريبة هذه الحياة، وهذا العالم. هذه الحياة التي لا تعرف للرحمة معنى وللسعادة
طعماً حقيقياً...
إنها ظالمة... ظالمه جداً... تهبنا بسخاء وتسرقنا بلحظة غامضة. تجمعنا بحنان فنسلم
بها ونهبها ثقتنا ونطير فوق السحاب بسرور، تضحك لنا وتلتقط الكلمات من أعماقنا
والتأوهات من قلوبنا المجروحة. تبتسم لنا لتجبرنا على الابتسام، وما أن نبتسم وننسى
أحزاننا حتى تغضب وتثور وتزعم أننا سرقناها، وتأتينا طالبه مسروقاتها... طالبة
السعادة منّا...
كتبت الزوجة هذه الكلمات في مذكراتها فتعبت يدها، ربما لأن حمل هذه الكلمات كان
ثقيلاً عليها، ولكنها قررت أن تتابع رغم التعب فكتبت:
بالأمس كنت أكتب في مذكراتي إني أريد التحرر من القيود التي فرضتها أنت علي قبل
المجتمع... ولكني أخطأت في لحظة ضعف، فأنا اليوم أريد التحرر منكَ أنت أيها الزوج
الأناني. أستحلفك بأن تعيد لي حريتي التي أخذتها مني بمحض إرادتي، رغم أنك لم تعطني
حريتكَ أنت... وثقتُ بك حتى جاءت اللحظة التي سقطت فيها أقنعة الحب وهامت الروح في
دنيا الأسى.
فعندما واجهتكَ والتقت نظراتنا وأهممت في البدء بالعتاب أولاً، سبقتني نظرتك التي
برقت كعيني قط هارب من ليل كئيب. تلك النظرة القاسية والبسمة الصفراء انطبعت بطباع
الخداع. في هذه الليلة فقط سقطت جميع الأقنعة وبان ما تحت الثلج من سواد دامس،
عندها تأكدت من ضنوني وعرفت أنك تخدعني وتخونني منذ زمن. كنت أشعر بهذا ولكن كانت
تنقصني شجاعة المواجهة، فعندما استجمعت قواي وواجهتك فضحتك عيونك أيها الزوج الذكي.
ففي تلك اللحظة فقط شعرت بأن جميع آمالي تحطمت فوق صخرة الحزن، وفؤادي استقى بما
عندك من قطرات السم. لماذا يا من كنت يوماً حبي؟ أتعرف أنا لا أكتب لك استعطافاً،
ولا توسلاً، بل لأبين لك المهزلة والإذلال الذي وضعتني بهما، فأجهضت بذلك حلمي
ودسته تحت النعال دون رحمة، وغرزت نصلك الحاد في صدري وأنت تبتسم، وكأن شيئاً لم
يكن. هيا اقرأ انفعالاتي الثائرة المعلقة بدمع عيني والمخطوطة بدم الفؤاد. لقد رتبت
خيوط ذكرياتي لأفيض بكل ما في نفسي من هلع وحزن، وأسى ولوعة، فكل شيء كان عنيفاً
وهول المفاجأة شلني وشدني إلى الهاوية.
يا من كنت يوماً حبيبي اسمعني بقلب ينبض بالخير وبعقل راجح، وانظر لكلماتي بعين
الإنسان الصادق، واجعل الضمير الحي هو حكم العدل بيننا: إن كتاب الحب فيه كثير من
الكلمات ولكن لا يبقى منها إلا الكلمات الصادقة، وأوراق الحب تنبت في كل يوم ألف
زهرة وزهرة، ولكن لا ينتشر إلا أريج الأزهار العذبة الجميلة، وأيام الحياة تولد
فيها كل يومٍ قصة حبٍ لكن لا يستمرُ منها إلا الحب الأصيل الصافي...
أنا تعلمت الحب إحساساً لا أخجل به ولا أخفيه، وأما أنت فتعلمت الحبَ مشاعر خاصة لا
تخترق جدران انفرادكَ بحبيبتك ولا تصل إلى عيون الناس وأسماعهم. لا أعرف لماذا كنت
تخفي عواطفك وكأن العالم كله سيلومك إذا وهبتني نظرة حنانٍ أو ابتسامة حب. لا أعرف
لماذا تخجل بعواطفك، وكأن سعادة الرجل بالحب واهتمامه بزوجته هو انتقاصٌ لشخصيته
وشك في رجولته. أم أنك كنت تخبئ كل هذا الحب لمن تستحقه أكثر مني؟
أتعرف لقد افتقدت أموراً كثيرة منك. فأين العيب بأن تكون عاشقاً لزوجتك بلا خوف؟
وأين العيب في أن تفخر بحبك لها؟ فكم من مره تمنيت أن تمسك بيدي. أن تغمرني
بذراعيك. أن ألجأ إلى صدرك حين أشعر بالتعب. أن أشعر بأن اقترابك مني يسمو فوق كل
الغرائز التي زُرعت فيك. ليت الحياة تعود بنا إلى الوراء لأعلمك الحب بوجهه الحقيقي
بلا زيف أو خوف. لكن من يستطيع تغيير الرجل غير قناعته ووفائه لحبه الكبير.
وفاء ..!!عندما أسمع هذه الكلمة تذوب باقي الكلمات على شفتي كقطعة ثلجٍ في حرارةِ
الشمسِ، فأين الوفاء؟
هل أسامحك وأعتبرها زلة في لحظة عشق؟ لا لن أسامحك بهذه البساطة، فإن الخيانة ليست
عشقاً حقيقياً. فحقي أيها الإنسان الشهم الأصيل أن تعيد لي بسمتي التي سرقتها مني،
وحقي هو أن تخرج مني بعد أن انتصبت في أعماقي. وحقي هو أن تعيد لي بريق عيني الذي
أطفأته بطيشك، فأذبلت جفوني وجففت دمعي. سوف تندم يا من كنت يوماً حبيبي، لأني
سأنتقم منك، ولكن انتقامي سيميتك رويداً رويداً. فسوف أجعل أصابعك تتمنى أن تمشي
على خصل شعري شعرة شعرة، كما كانت من قبل، وسأجعل عيناك تشتاق لنظرات عيوني التي
كانت تذبحك. وأما شفاهك فسأجعلها صحراء قاحلة تتوق لقطرة عسل ترويها شفاهي. نعم
سأنتقم منك..!! لكن، مهلاً، أنا لست مثلك أيها المجنون. لقد قررت أن أبقى ولا
أهجرك. ليس حبي لك هو السبب، فقد انكسر الحب بين قلبينا منذ أن جرحت قلبي. إنما
سأبقى من أجل بذرة حبنا فهي الآن أغلى منك ومن أي شيئٍ بالوجود. أستميحك عذراً يا
سيدي إن كنت قد جرحتك.
كتَََبت الزوجة هذا وسقط القلم من يدها، فبكت وبلّلت بدموعها كل ما كتبته، فأصبحت
الكلمات خرابيش في بحرٍ من الدموع.
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |