اللعب والمعنى
(أو: السؤال هو كيف نصنع رياضة أفضل في الجولان المحتل)
منير فخرالدين - 23\02\2008
أتمنّى أن أكون آخر من ينكر أهمية الحياة المادية والعيش الإنساني العادي: الفرح،
والنجاح، والطعام الجيد، واللعب، الخ. أتمنى أن أكون آخر من ينكر على الإنسان حقه
في العيش والتفتح والانطلاق والانجاز على صعيد طاقة الحياة البدنية، لكنّي أرى أن
هذه لا تنفكّ عن سؤال المعنى في الوجود الإنساني. ومن هذا المنظور فالجدل المثار
حول مسألة المشاركة في الدوري الإسرائيلي، يمكن وصفه على أنه جدل بين موقفين بذات
الأهمية: بين موقف يدافع عن الحق بلعب الرياضة وتحقيق الذات باللعبة الرياضية
الصرفة وبين موقف يدافع عن أهمية المعنى السياسي للعب كرة القدم.
لكن من يقول بأن اللعب الرياضي لا علاقة له بالسياسة مخطئ، ومن يقول بأن اللعب
الرياضي هو سياسة لا غير أيضا مخطئ؛ كلاهما يصيب جزء من الحقيقة ولا يصيب الحقيقة
تماما.
فالرياضة تقع على بعدين: البُعد البدني والبعد الأخلاقي؛ بُعد اللعب وبُعد المعنى.
إننا في الجولان المحتل نضطر على مواجهة هذين البعدين معاً بشكل خاص لا يضطر عليه
ابن دمشق أو ابن تل أبيب بذات المقدار والحدّة.
إننا على وجه العموم أمام مسئولية خاصة مفروضة علينا ولا يمكننا تجاهلها ولن
نتجاهلها لا اليوم ولا في الغد، كما أننا لم نتجاهلها على مدار عقود متعاقبة نعيشها
في ظرف الحداثة الاستعمارية (تحت حكم فرنسا) والوطنية (في عقدي الاستقلال الأولين)
والاستعمارية مرة أخرى (تحت الاحتلال الإسرائيلي). وحين أنوّه بوجود إرث وتاريخ هذا
ما أقصده: هو السؤال عن كيف عالج مجتمعنا إشكالية المعنى السياسي لحياته وكتلته
الاجتماعية؟
لا نواجه اليوم ذات المشاكل العينية التي واجهها أهلنا عام 1895 (زمن العثمانيين)،
ولا عام 1925 (زمن الانتداب الفرنسي)، ولا في الخمسينات (في بدايات عهد الاستقلال)،
ولا عام 1982 (حين رفضنا القبول بقرار الضم الإسرائيلي). مشاكلنا الحياتية اختلفت،
لكنّها ما زالت تقع في نفس الإطار الذي أطرحه هنا وهو السؤال عن المعنى السياسي
لكتلتنا ولأشكال وجودنا الاجتماعية، ومن بينها الرياضة لا شك.
إنّ أي فعل نقوم به كأفراد أو كجماعات يقع في إطار الإجابة عن هذا السؤال، أي أنّه
سيدخل في الإرث الجمعي. ولأوضّح هذه النقطة أسوق مثلا من الموسيقى: أي حركة أو فعل
نقوم به هو بمثابة حركة أو عبارة موسيقية في سمفونية أوسع، لها معنى وطعم وتأثير
خاص كجزء من سياقها الأوسع وليس باستقلال تام عنه. هذا لا يعني أن جميع حركاتنا
ستكون متطابقة متجانسة، تقليدا على تقليد وتكرار. فهذا سيخلق سمفونية رتيبة تفتقد
لموسيقاها وجاذبيتها ورونقها وتأثيرها. في كل حركة نقوم بها سوف نقع على سلّم متدرج
من نشاز تام إلى تقليد ورتابة إلى موضوعية أو عادية إلى تمّيز وإبداع!
نحن الذين نصنع هذه السمفونية فلنأخذ ما نصنعه بجدية تامة، ليس من أجل أي مشاهد
خارجي، بل لأن هذه السمفونية في نهاية الأمر هي التي تصنعنا أكثر مما نصنعها.
ولأعود إلى الرياضة. الرياضة ليست مجرد فعل بدني. فثمة فارق كبير بين أن يركض المرء
أو يركب دراجة من مجدل شمس إلى كتسرين وحده أو مع مجموعة أصدقاء، وبين أن يشارك في
مسابقة منظّمة. في كلتا الحالتين يقوم المرء بذات الفعل البدني، لكنّ المعنى في كلّ
واحدة مختلف مائة وثمانين درجة.
رأت الأندية الرياضية المحلية هذا الفارق منذ نشأتها في السبعينيات، ولذا تم صنع
إطار لتنظيم النشاط الرياضي، انطلاقا من إدراك أو حدس صائب جدّا بأن العمل على
البعد البدني لا ينفك عن العمل على البعد الأخلاقي، وإلاّ خرجنا من عالم الرياضة
إما إلى النشاط البدني الصرف أو إلى الفلسفة الصرفة.
في البعد الأخلاقي للرياضة يكمن السؤال المهم: هل من المفترض على الرياضي أن يلتزم
بمواقف سياسية محددة (حتى ولو كانت بخطوط عريضة جدّا وليس بمواقف حزبية أو جهوية)
أم أنّ عليه رفض التواصل إلا بالأخلاق الرياضية المجردة؟ هذا السؤال يواجه اليوم كل
لاعب ومسئول وولي أمر أو مرب. لكنّ طرح هذا السؤال يجب أن يأتي مع، وليس بدلا عن،
السؤال في البعد الآخر للنشاط الرياضي، وهو: كيف نحسّن اللعب والملعب، كيف نصنع
رياضة أفضل في الجولان المحتل؟
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |