أشك في أن أحداً منّا يملك الحل....
عاطف الصفدي – 28\02\2008
يجب أن أعترف أولاً أني أدخل متأخراً، نوعاً ما، على هذا النقاش الهام الذي يجري
عبر المواقع المحلية، حول موضوع كرة القدم واللعب في الدوري الإسرائيلي. وبما أنني
لست كاتباً، سأحاول توضيح رأيي بما قد يخدم النقاش. لا شك أن مجمل ما كُتب ينبع عن
رغبة في خدمة الموضوع وترسيخ مبدأ النقاش الجاد حول القضايا الهامة التي نواجهها.
أتفق مع بعض ما كُتب وأختلف مع بعضه الآخر، ولكن البداية كانت في افتتاحية مقال
لمنير فخرالدين عن الاضراب: "إنّ التحدي الأكبر الذي نواجهه تحت الاحتلال
الإسرائيلي هو كيف نتعلم العيش الأفضل تحت هذا الاحتلال من دون أن نفقد هويتنا
الوطنية، بل من خلال تعزيزها باستمرار واستكشاف معانيها".
ومقال وائل، برأيي، هو بداية أخرى جديّة، ليس لمعالجة موضوع كرة القدم والدوري
الإسرائيلي فقط. فالموضوع من ناحية نتيجة لواقع اجتماعي أصبح يفتقر للحد الأدنى من
"نقاط الالتقاء"، ومن ناحية أخرى محرك لنقاش قد تعلو حدتة وقد تهبط تبعاً "لمزاجنا
في الحوار الديمقراطي".
أشك في أن أحداً منّا يملك الحل، أو أنه يستطيع تقديم حلٍ توافقيٍ لمشكلة نادي مجدل
شمس الرياضي. في كل الأحوال أنا مع التعامل بيد من "حرير" كوني لا أملك ولا أريد أن
أملك قبضة حديدية، ومن ناحية أخرى أؤمن بالحوار فقط، لأننا نعالج حالة هي نتاج
لحالة أخرى واقعها أسوأ، وهي حالة ما اصطُلِح على تسميته ب"الحركة الوطنية"، والتي
تَجمَّدَ النقاش فيها منذ صدور الوثيقة الوطنية عام 82، والتي أصبحت غير قابلة
للمساس أو النقاش، بشكل علني على الأقل، مع بعض الاستثناءات القليلة. وأصبحت
"دستوراً" غير مكتمل لا يستجيب لواقعنا المُعاش. ولأننا مجتمع يتأثر بما يدور حوله،
ككل مجتمعات الدنيا، من تغيرات سياسية واجتماعية، لا بد لنا من مراجعة جادة لإعادة
صياغة مفاهيمنا السياسية، والوطنية حتى، إذا اقتضى الأمر. ليس لأن مفاهيمنا الوطنية
التي تشكلت خاطئة بالمطلق، بل لأن واقع الحياة اليومي يفرض علينا أن نوسع آفاقنا
ونحاول استيعاب ما يدور حولنا -وبيننا في هذه الحالة- لتجديد الوعي وإعادة صياغة
المفاهيم حولها، وبإرادتنا كي لا تُفرض علينا مفاهيم لا تتلائم مع مصالحنا.
واضح لي على الاقل أننا مجتمع لا يملك قيادة توجهه؛ هنالك مراكز قوى مختلفة مشتتة،
لا تجتمع إلا على الشريط الحدودي أو في حالات الكوارث الطبيعية، وهي لا تُعنى أصلاً
بهموم الشباب "أو رجال الغد"، وهذا أدّى إلى خلق فراغ من دون ظهور بدائل أو قيادات
اجتماعية جديدة شابة تملك القدرة على التوجيه. ورغم ظهور بعض الإرهاصات، إلا أنها
ما لبثت أن أصبحت جزءاً من الحالة العامة وتعاني من نفس الأعراض.
نشأت بالمقابل مؤسسات عدّة، تحاول العمل بجد وبمهنية، وتهتم بأمور مختلفة؛ من ضمنها
"نادي مجدل شمس الرياضي". هذه المؤسسات قد تكون أهم تغيّر حصل في السنوات الأخيرة،
لأنها عماد المجتمع المدني الذي يجب أن نصبو إليه... ولكنها تفتقر إلى التجربة
والخبرة والدعم اللازم "مادياً ومعنوياً"، لذلك نراها تشقّ طريقها بصعوبة وتصقل
تجاربها على أمل الاستمرار والنجاح. ولأن غالبية هذه المؤسسات لم تنشأ ضمن
استراتيجية أو من خلال رؤية متكاملة لوضع اجتماعي معين، بل نتيجة لاجتهادات فردية،
ولأننا كمجتمع لا نمتلك خبراء لوضع استراتجيات عامة، ولأنه في الوضع الطبيعي
-الدولة- هي من يوجه ويسهل عمل المؤسسات، ولأننا نعيش حالة الدولة الوطنية الغائبة،
أي الاحتلال، لكل هذه الأسباب لا تستطيع المؤسسات الحالية القيام بدورها على أتم
وجه حتى ترسّخ تجربتها وتثبت جدارتها في خلق كوادر قيادية يمكن أن تؤثر في الحياة
الاجتماعية.
أما الحياة فمستمرة رغم الاختلاف، وهو أمر سليم وضروري بكل الأحوال رغم الفراغ
الناتج. لذلك، وهنا أتفق أيضاً مع وائل؛ "هنالك فرق كبير بين أن يُنظر إلى أي حراك
اجتماعي من هذا النوع" أو من أي نوع آخر "على أنه انهيار وانحلال للأجيال ومرتع
للطفيليات!". لا يمكننا وضع المنطق والديمقراطية وحقوق الأفراد جانباً مطلقاً...
وكما ورد في رد منير فخرالدين؛ "... وجب علينا أن نطور كلامنا فيها بأكبر قدر ممكن،
لكي تكون الحلول التي نتخذها أقوى وأمتن".
سلطة "الفرض" سقطت من قاموسنا السياسي وللأبد، أو على الأقل هذا ما أتمناه، فحتى
"الخلوة" كجزء من قيادة تقليدية للمجتمع -وكمؤسسة أيضاً- لم تعد تملك هذه السلطة.
لكن ورغم الوضع الذي نعيش ورغم افتقارنا إلى القيادات والمؤسسات، إلا أن أهم
إيجابيات الوضع الحالي هو بداية ترسيخ الحرية الفردية "للفرد" خارج مفهوم "القطيع".
هذه حقائق ومعطيات جديدة على كل من يرغب بالتعاطي بالشأن العام أن يتعامل معها
بجدية ووعي.. وما يدور من نقاشات جادة حول موضوع الرياضة، رغم بعض الدعوات للفرض،
هو دليل على الحاجة إلى إعادة البحث عن المعنى والتغيير...
عاطف الصفدي
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |