الهوية
أيمن الحلبي – 01\03\2008
لقد دار النقاش بين فريقين (على الأقل من وجهة نظري)، بين دعاة من يتغنّى بالثوابت
ويقيم الحد، وبين من يدعو لوضع الثوابت على طاولة النقاش. والموضوع بجوهره (غيرة
على الهوية الوطنية)، فمن هذه الزاوية لي مداخلة صغيرة:
الثابت الوحيد هو أن كل شيء متحوّل. من هذا المنطلق يجب أن نناقش موضوع الهوية.
فإذا سلّمنا بأن الإنسان هو صانع الهوية، وأن الهوية هي مجموع سلوكه في شتى
المجالات ونتاج فكره ومجموع معتقداته، فإن كل ما يقوم به يؤثّر مباشرة في تشكيل هذه
الكتلة المسماة (هوية). ومن هنا يبرز دور الثقافة كعنصر أساسي في تشكيل الوعي.
فالإنسان الناضج فكرياً (هوالقادر على صناعة هوية أصيلة ومتجددة دوماً). فإذا
استطعنا الإمساك بذلك الخيط الذي يربط الأصالة بالتجدد نكون –برأيي- قد أصبنا
الهدف. والأصالة بنظري ليست التمسّك بالقالب القديم ككتلة واحدة مسلّم بها سلفاً
وغير قابلة للنقاش، بل الأصالة هي التفكير التحليلي في كل الظواهر وحيثياتها،
والاستمرار برمي القشور بدون توقف، وأخذ النافع والصالح للمستقبل. إن مصيبتنا
الكبرى هي وضع القوالب -أو بصورة أعمق (العقائد)- أولاً، ومن ثم العقل، ونتناسى
كلّياً- كمن يختبئ خلف إصبعه- أن العقل هو من صنع هذه القوالب. وكأننا نفقد الثقة
بأنفسنا سلفاً عندما نقدّس ما وضع من عقول من سبقوا. القول بأنه في الماضي كانت تلك
القوالب صحيحة أو فعّالة صحيح، ويمكننا أن نفخر بما تم تحقيقه. ولكن من الركاكة
والضعف أن نعتقد بأن ذلك مقدّس ولا يمكن تعديله أو تحسينه، أو على الأقل وضعه على
طاولة النقاش بهدف أن ننسجم مع حاضرنا ومع أنفسنا، ولكي لا نستمر بهذا الانفصام بين
السلوك اليومي الواقعي وبين الشعار. وهذا الانفصام هو الخطر المحدق بالهوية، وهو
الذي يتيح الفراغ أمام الاختراق.
إن العقل هو الحصن المنيع للهوية، فإذا اختلّ العقل اختلّت الهوية. والثقافة
والانفتاح هما الوقود والمحرّك لهذا العقل.
أيمن الحلبي
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |