"نص ميخال تفاح"
نبيه الحلبي – 02\04\2008
ابو فاضل قرر هذه السنة ان يرسل الى الوطن "نص ميخال"
.يعني 250 كيلو..اراد ان يحمي معيشة اسرته هذه المرة . ويخلص نفسه من الديون التي
تراكمت عليه في السنتين الماضيتين . هذا ما سمعته من بعض الاشخاص وهم يتكلمون مرة
بسخرية ومرة بغرابة عن ابي فاضل.
قصدت ارض الشيخ السبعيني علي اجده في موسم القطاف.وفعلا كان قد ملأ نصف ميخال تفاح
ووضعه جانبا وجلس ينتظر التاجر الاسرائيلي حتى يصل ليبيعه موسمه كله..
- يعطيك العافية.
- فرد وقد استغرب قدومي لأرضه: الله يعافيك...
- تفضل.
- لا شكرا, "حبيت اسالك ليش بدك تبيع نص ميخال تفاح السنة للوطن؟"
نظر الي بعدم اكتراث وبدأ ينظف تحت شجرة ليجلس على التراب.. وقال: "بتشرب شاي؟"
ولم ينتظر ردي وبدأ يشعل بعض عيدان الحطب تحت إبريق شاي كان يشرب منه.. وأنا أيضاً
لم أجب سؤاله وجلست بجانبه.. فأعد الشاي وشربنا.
أخذنا نتبادل أطراف الحديث عن العائلة والأحوال. وبعد دقائق رجعت وسألته عن نصف
الميخال الذي سيبيعه هذه المرة للوطن.
قال بعصبية: "اي شو كل مره بدي بيع التفاح على سورية بلاش"
فأدركت جوابه مذكراً إياه بأن هذا الطريق فتح ولا يجب أن يغلق، وهو فرصة لتصريف
التفاح وتجنب الكساد. فأردف بعد شرحي المطول قائلا: "اي مش مختلفين.. كثر خيرون..
بس مرة بينزلو التفاح 6.5 لصنف ثاني، بعد ما كان طول عمرو صنف أول.. ومره بينزلو
بسعر الكيلو، ومره هيك ومرة هيك..."
وأدار وجهه وبصق وتف ولعن هذا الحال الذي هو فيه، وأكمل: "كيف بدنا نطلع تعباتنا
ومنين بدنا نسد ديونا ومنين ومنين؟"
امتقع وجه أبو فاضل وصار عصبياً، وصرت في حيرة من أمري في أن أكمل الحديث معه بهذا
الموضوع الذي يؤرقه ويزعجه أم أغيره؟
ولكني تابعت وسالته عن سبب بيعه نصف ميخال فقط. فقال: "بما انو مش عبيبعثوا غير نص
ما بيستاهل التفاح، رح صير بيع النص، وليظل الطريق مفتوح..."
فقلت له مستدركا الموقف بأن كلامه فيه اتهام خطير للقائمين على المشروع.. فانتفض
وزعل وقال: "أي شو منعمل يعني منسد بوازنا.. مش عيب انو اسرائيل بتبعثلنا دعم
للتفاح ومن الشرق ما بيبعثو غير سعر التكلفة.. وين الدعم والصمود والتصدي؟"
فحاولت تهدئته وبدأت أشرح له عن أهمية المشروع وحال الأوضاع السياسية والاقتصادية،
وأسعار التفاح، ومواقف الوطن القومية والوطنية، وأهمية الصمود والتحدي والصبر،
وبأنه يجب أن يقبل بما يعرض عليه دون نقاش، لألا يسيء للعلاقة مع الوطن.. فنظر إلي
وقد نفذ صبره من تنظيراتي وكلامي، وقال بلهجة سؤال: "ليكونو تفاحاتي بدهون يمولو
تحرير فلسطين؟". والله لو ما بعتبر هالسجرات متل ولادي لكنت قلعتهن وتركتهن من
زمان.. بس..."
قال بس بغصة وألم ووقف وأدار ظهره لي ومشى، وأكمل قائلا: "يلا اذا راح نص هالميخال
بيكون دعم للوطن أو بلكي ببيعو بالخليج بخمس دولارات للكيلو.. وخلي هون يبتع فينا
التاجر الاسرائيلي ويتحكم فينا كيف ما بدو.. الله لا يردو.."، وأكمل مشيته وهو
يتمتم، فصحت به: "لوين رايح يا عم ابو فاضل؟". فالتفت إلي وقد احمرت عيناه مني
وقال: "رايح طيّر مي تجي معي؟". فقلت له بخجل لا شكرا وأدركت بأني كنت ثقيلا عليه،
فتركته في أرضه تحت رحمة التاجر الاسرائيلي، وقفلت عائدا للبلدة متمنيا له في قلبي
أن يكون سعر التفاح هذه المرة أفضل من اللذي كان، وأن يتعوض قليللا، ويبقى بصحة
جيدة وروح طيبة سعيدة فوق أرضه وأولاده. فأبو فاضل رجل بسيط و"آدمي"، ويستحق كل
الخير، لكنه مسكين في حيرة من أمره، وقد سألني في هذه الجلسة القصيرة معه عشرات
الأسئلة عن الجهة المسؤولة عن المشروع، ومن يقرر السعر والكمية، وهل هناك شفافية
ومصارحة اجتماعية في إدارة هذا الانجاز الجيد، وهل ستتغير وتتحسن الأحول، وعن
المرات السابقة التي بيع التفاح فيها بأسعار زهيدة، وعن الحجم ستة ونص، وعن مراقبة
الأموال؟
ولكني كنت دائما أتجنب الإجابة عن أسئلته، لأني في الحقيقة لا أملك أجوبة عن
استفساراته، ولا عن المستقبل المجهول للتفاح الذي هو مصدر معيشته الوحيد، فأنا لا
أملك إلا التمنيات بنجاح المشروع واستمراريته، فقط لا غير...
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |