ضربة قدر موجعة...
بلقيس – 05\04\2008
لا شيء يبقى كما هو، ولا مصيبة تظل هي ذاتها. لا ثبات في الكون... إنني في سواد
الأشياء أبحث دائماً عن نقطة مضيئة، وغالباً ما أجدها... والحياة تجرح ثم تداوي،
لكن أحيانا يكون جرحها عميقاً...
هناك أقرباء وهناك أصدقاء، فليس من إنسان بلا صديق، وسأجدهم بجانبي إذا حدث لك أي
مكروه، لكني لم استطع أن أتصور أنني سأفقدك يوماً. ها هو القدر. فلست ذاهباً بقدرتك
أنت، ولا أنا...
أترك للصمت أن يتكلم، أو من الواقع أن يقدم لي شيئاَ من الطمأنينة الكاذبة، لكني
أعجز عن الصمت، فالصمت نفذ كلامه وجاء دوري بالكلام الآن. كنت قلقة، مترددة، معذبة،
لا أعرف ماذا أقول، وكيف أتصرف، فقلت بعد صمت دام بيني وبينه مطولاً: سأدعك تستريح
الآن... قلتها ووقفت. وقفت وبقيت دون حركة. كنت أحاول أن ألملم بقايا شجاعتي، وقد
عرفت أن الخوف سيظهر أنيابه وينشبها في أعصابي ما أن أبقى وحيدة. وسيكون عندئذٍ من
السهل على مشهد كهذا أن أبكي: لا أريده أن يرحل... فأصاب بذعر قد يدفعني إلى فتح
باب الغرفة والهرب إلى الشارع...
لقد رافقني إلى باب غرفتي، وقف عند الباب وتمنى لي ليلة سعيدة ومضى بالرجوع، وبعد
أن قطع مسافة، ركضت وراءه وأنا أصرخ: أرجوك إبق معي قليلاً.. لا تتركني وحيدة. فعاد
إلي. دخل متردداً وظل واقفاً. تأملني بإمعان، بإشفاق، احتار في أمره، ودّ أن أدعه
يذهب، أن أحاول النوم لعلني أستيقظ غداً وأجد أمامي شيئاً من الأمل، لكن ذلك صعب،
فالقلق يسيطر على روحي ومشاعري تبقى مستيقظة...
لم يعد قادراً على الوقوف، استلقى على سريري، وفي هذه اللحظة نسيت مشاعري للحظات..
ولأول مرة.. وتذكرت حالته الصحية. رأيته متعباً، فجلست بجانبه، ووضعت رأسه في حضني
وتلاعبت بخصل شعره المتعرّق، وحاولت جاهدة أن أتظاهر وأرسم على وجهي علامات الفرح
والسرور. كان لدي أمل ما.. لكنه خاب الآن وتجلت لي الحقيقة بكل قبحها، بكل فظاعتها،
وودّعته الوداع الأخير.. ودعته وهو بين يدي والنار تشتعل في صدري، وفهمت في هذه
اللحظة أن تكون الحياة مسرحاً ويكون الناس فيها ممثلين، وأيقنت أن دوري هو دور
المأساة...
تركته يستريح هذه المرة، بعد ن سيطر عليه الداء كلياً. لن أستطيع أن أرجعه مرة أخرى
ليبقى معي. كانت النظرة الأخيرة. الهمسة الأخيرة. لن أراه ثانية... لقد همس في أذني
بصوت مرتجف وبكلمات مفككة: سأنام الآن.. ونام...!
استسلمت معه لأمواج البحر كمن ركب البحر لأول مرة، وقد أصبت بالدوار، والفضاء من
حولي تأرجح، وشاعت في فمي المرارة، واحترق شيء ما في داخلي حتى أيقنت أن ستارة
سوداء تنتصب أمامي، أمام عيني، فتحجب الرؤية. فوقفت تحت عبء الصداع الشديد،
واستسلمت للواقع...!!
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |