مجرد رقم - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


مجرد رقم
داوود الجولاني - 16\04\2008

"الليل قد حل ولم يأت بعد".. وقفت خلف الستائر، تنظرمن فتحة صغيرة إلي الشارع. سمعت موسيقى وأغنية "فتح يا زهر الرمان".. لقد بدأت الحفلة.. لا بد أن الأولاد قد ذهبوا إلى الساحة.
شعرت بهواء حار يلفح وجهها الخريفي, تلمست بأناملها تجاعيد وجهها المغضن، تحركت باتجاه المطبخ وهي تحدث نفسها: "سيبرد الأكل. كان من المفروض أن يصل مبكرا ".
أسرعت إلي الباب بعد أن سمعت هدير محرك سيارة، وكاد أن يغشى عليها بعد أن رأت زوجها يتكئ علي كتف جارهم، وبعض قطرات من دم جاف علي جبينه.
...
أخذت ترقب زوجها وهو يأكل مسنداً ظهره إلى الحائط: "لماذا لا تترك العمل في تل أبيب؟ ألا تكفي عشرين سنة ونحن لا نراك إلا يومين في الإسبوع؟ ثم هذه ليست المرة الأولى التي تصاب فيها.. إني أخشى عليك, فجسمك لم يعد يتحمل كل هذا التعب". قالت جملتها الأخيرة بنغمة خافتة, مليئة بالحب والخوف. فرد:
- ومن أين سنعلم الأولاد؟ أنت تعرفين أن التفاح لا يكفينا الأكل والشرب... ثم سأل
- أين الولاد؟
- لقد خرجوا لحضور حفلة 17 نيسان, إلا عدي..
- كم أريد أن أشاركهم ولكن ظهري يؤلمني, وأكمل: هل قال الأولاد من الذي دعا إلى هذه الحفلة؟
لقد سمعت انه تم الاتفاق على التنسيق والعمل المشترك، فأجابت:
- سمعتهم يقولون أن "التجمع الوطني" يقيم هذه الحفلة.
فسأل مندهشا: "والرابطة ماذا فعلت"؟
- الرابطة لبست ثوب الحداد..
- إذن لم يتفقوا. ويبدوا أنهم لن يتفقوا. ثم تذكر ابنه عدي فقال: ولماذا لم يذهب عدي إلى الحفلة؟
- عدى، أنه مشغول بمشروع زرع الورود في مدخل البلدة، ويقول أنه مل من السياسة، ومن الشعارات التي لا تفيد ولا تنفع .
فقال لها: وهو ينهض من مكانه: سأذهب إلي النوم. وتمتم لا حول ولا قوة إلا بالله... عدي الصغير يقول هذا! والله هو معذور إذا كانوا على حفلة لا يتفقون فكيف سيقنعون عدي!!
استوقفته زوجته: إسهر قليلا فغدا بوم عطلة.
- إن ظهري تؤلمني. ثم أني سأنهض غدا مبكرا لنذهب إلى "الشريط". انزعجت من تجاهله لها وقالت: إنك متعب ومصاب.. هل ستذهب لتسمع الشعارات ذاتها؟! لن يحس أحد بغيابك.. أم أنك تظن أن الفضائيات ستجري مقابلات معك أو مع أمثالك...
أحس بوقع كلامها وكأنها غطسته ببركة ماء في يوم مثلج، فردد منهيا الحديث: ربما تكونين علي حق. ربما لن أذهب غداً. وأسرع إلى غرفة النوم وهي بإثره…
نام متقلبا من جنب إلى جنب بسبب الألم في ظهره، وبسبب الأرق ومزيجا من أحلام متقطعة، إلا أنه كان يسمع دعاء زوجته وهي تمرر يدها في شعره: يا عالما ما بقلبي وفق زوجي وأعطه على قدر تعبه, وأجعل له قيمة في وطنه.
سمع إحدى الشخصيات البارزة تعتذر من لقاء مع الفضائية السورية وتقدمه للقاء قائلة: هذا عامل من الجولان يحب وطنه بصدق. أفنى حياته في عمل شاق من أجل تربية أولاده. لا يزاود على احد ولا يشي بأحد. يزرع أرضه دون ربح حتى يحافظ عليها. هذا هو الناطق باسم الجولان. ولكن……..
...
في الساعة العاشرة من صباح السابع عشر من نيسان سار رجل يسند ظهره بيديه ضمن جمع غفير، ورأى شخوصاً ملت الترف تلهث وراء الفضائيات. ولما تعب أسند ظهره إلى حائط أحد البيوت وعيناه ترنو نحو الشرق وقال لنفسه وهو يبتسم : إني مجرد رقم.


عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا