رِسالَةٌ إِلى روحِ أَبي القاسِمِ الشّابي
نزيه بريك
تَحيَّةٌ وَبَعْدُ ...
أَبا القاسِمِ سَلامٌ عَلَيْكَ في اللَّحْدِ
وَإِنْ أَخْطَأَتَ النُبوءَةَ في المَهْدِ
فَلا اللَيْلُ انْجَلى,
وَضيْقَاً
تَتَّسِعُ دائِرَةُ القَيْدِ
تَوارى غَسَقُ الغَريبِ
فَتَراءى لَيْلُ القَريبِ
وَبِسَيْفِ الدُّجى
أَرْدى
مِنْ نُبوءَتِكَ الـ بُدَّ
فَظَلَّّتْ لاؤكَ عاريَةً
تَمْتَطي حِصانَ الريحِ
وَتُطارِدُ سَرابَ الوَعْدِ
فَضَلَّتْ...
أَبا القاسِمِ
إِنَّما الحَياةُ أَكْرَمَتْكَ
فَمُنْتَصِباً جاءَكَ المَوْتُ
عَلى قَدَمَيْهِ
وَنَحْنُ كالسُلْحُفاةِ
نَزْحَفُ إِلَيْهِ، عَلَّ الشِفاءَ
مِنْ عُضالِ الحَياةِ
يَأْتينا عَلى طَبَقِ يَدَيْهِ
مُوْرِقَةٌ وَمؤَرِّقَةٌ الحَقيقَهْ
فالأَرْضُ تَلْتَحِفُ أَقْدامَ الجُنْدِ
والوَقْتُ يَنْهَشُهُ جوعُ البَرْدِ
حَتّى الهَواءُ
تَحْكُمُهُ قَبْضَةُ اليَدِ
وَأُمَّتي، أُمَّتُكَ
أُمَّةُ الأَطْلالِ والوَجْدِ
مِنَ الرِباط إلى بَغدادِ
تُمارِسُ طُقوسَ الوَأْدِ
وَتُغَنّي لِلْفارِسِ الوَغْدِ
أَبا القاسِمِ
يَلُفُّني دُجى الحاضِرِ كالميمِ
والرَيْبُ يَعْتَريني إِذا بَعْدَها
تَأْتي النونُ
بَلْ لَيْت الذي يُعانِقُنا
"شَوْقُ الحَياةِ"
قُلْ هو المَنونُ
بَيْتُنا العَرَبيُّ هَرِمٌ
وَهَرَمٌ طوبُهُ أَقْواسُ البَشَرْ
والحَديقَةُ الأَماميَّةُ بَعيداً
هَجَرَتْ
بَعيداً خَلْفَ البَيْتِ المُضَرَّجِ
بِوَجَعِ الانْحِناءِ
فالفِناءُ يَلْبَسُهُ سَديمُ الفَناءِ
والنافورَةُ تَبْكي أَنينَ الدِماءِ
تَغْفو عَلى صَدى الخَريرِ
وَذاكِرَةِ الماءِ
وَفي يَدِها، فَوْقَ الصَدْرِ
تُخَبِّئُ الصّوَرْ
والأَشْجارُ لَفَظَتْ أَوْراقَها والثَمَرْ
والياسَمينُ يَأْبى الزَهْرَ مِنَ الضَجَرْ
يَرْشَحُ بِالرَحيلِ مُتَكِئاً على
أَمْتِعَةَ السَفَرْ
أَبا القاسِمِ
لِمَساءِ الأَمْسِ يَحِنُّ
صَباحُ الغَدْ
فَهَذا اللَيْلُ لَيْلُنا
والسَيْفُ والفارِسُ والفَرَسُ مِنّا
لَكِنّي ما كُنْتُ أَدْري أَنَّ
وَجْهَ الشَبَهِ يَفوقُ الحَدّْ
نَحْنُ، نَحْنُ
والكُلُّ يَحْنو..
وَلَيْتَهُمْ كَعَبّادِ الشَمْسِ...
بَيْتُنا مِنْ زُجاجٍ وَنَرْمي
بُيوتَ الناسِ...
وَنَتَغَنّى...
وَكَما الساري في البَراري
نُغَني...
لِلخَسْفِ وَلِلْحُزْنِ نُهَدْهِدُ... فَنَنامْ
وَمِنْ جُعْبَةِ سُباتِنا نَسْتَلُّ السِهامْ
وَعلى جَوادِ الأَحْلامْ
نُطارِدُ القَهْرَ المُعَتَّقَ في دِمائِنا
فَيَصْطادُنا...
يَؤوبُ ,
يَطْرُقُ أبوابَنا بِخِمارِ المَغيبِ
فَنَشُدُّ قَوْسَ الهَمْسِ والنَحيبِ
نَشْكو المَوْتَ بِالمَوْتِ
نَرْثي الأطلالَ ونتكئ على كَتِفِ
طَيفِ الحَبيبِ
نَهْجو الوَقْتَ, كَيْفَ يَعْدو
بِوََجْهِهِ الكَئيبِ،
وبِنا يَمُرُّ عاريَ السَلامِ كالغَريبِ
نُفَتِشُ في دَليلِ الهاتِفِ عَنِ الأَنْبياءِ
وَنَبْحَثُ عَنْ قارِئَةِ فِنْجانٍ لِهَذا
الزَمَنِ العَصيبْ
نَنْتَظِرُ... عَلَّ القَدَرَ،
عَلَّهُ يَسْتَجيبْ
كَأَنَّهُ ذاكَ الصَديقُ أَوْ القَريبْ
وَما القَدَرُ إِلاّ صَدى العَزْمِ،
لا مِرْآةَ النَصيبْ
نَتَسَلَقُ ذُروَةَ الاستياءِ
فَتَنتَعِشُ دَوْرَةُ الاشْتِهاءِ
وَنَقولُ: في الشِتاءِ
يَقْوى الرَيحُ عَلى الشَجَرْ
وَبَعْدَ الريحِ يَأْتي المَطَرْ
مَطَرْ !؟
مَطَرْ !؟
سَئِمْتُ خُرافَةَ القَدَرْ
والدُعاءَ
وانْتِظارَ المَسيحِ
وَقَوارِبَ الريحِ
وَلُغَةَ التَسْبيحِ
والتَثاؤبَ في وَجْهِ السَماءِ
مَنْ يَدَعْ شَأنَ آرابِهِ لِلأَمَدْ
عَنْهُ يَتَوارى المُرادُ لِلأَبَدْ
يَقْتَرِبُ الغَدُ
يَقِفُ عَلى بابِ الأَمْسِ
يَمُرُّ الزَمَنُ، وَجيلٌ بَعْدَ جيلْ
وَما نَحْنُ إِلاّ عابِري سَبيلْ
إِنَّما وَحْدَها الأَرْضُ الرَطْبَهْ
تَحْتَفِظُ بِآثارِ العابِرينْ
وَلا يُذَكِّرُ الأَرْضَ بِالسَماءِ إِلاّ
شَوْقُ المَطَرْ
أُنوثَةُ القَمَرْ
صَهيلُ الرَعْدِ
وإصرارُ الشَمْسِ
قَدْ تَقولُ لا بَأْسَ،
لِنَسْكُبَ اليَأْسَ مِنَ الكَأْسِ
فأَقولُ: إِنَّما الأَمَسَّ
خَلْعُ ثيابِ الهَمْسِ
وَمِنَ الاغْتِسالِ...
وَشَدِّ الحِبالِ
وَنَشْرِ الغَسيلِ
فَلا مُحالْ
أَبا القاسِمِ
الجَرْحُ لا يَرْشَحُ بِغَيْرِ الدِماءِ
والنَهْرُ لا يَصْدَحُ بِدونِ الماءِ
أَمُرُّ هائِماً بَيْنَ قَوافِلِ كُلومي
كَما البَدْرُ بَيْنَ جُزُرِ الغُيومِ
وَعَلى القَمَرِ إِذا تَعَسَّرَ الاكْتِمالْ
سَأُضيءُ دُروبيَ بِنورِ الهِلالْ
فَأَنا أَبْحَثُ
في هذا اللَيْلِ عَنْ خَيْطِ الرَحْمَهْ
وَعودُ الثُقابِ قاتِلٌ لقَلَقِ العَتْمَهْ
فَلا تَلُمْني إنْ قَتَلْتُ...،
مِنْ أَجْلِ وَلَوْ بَسْمَهْ
في وَجْهِ طِفْلٍ
أَوْ طِفْلَهْ
مِنْ أَجْلِ وَلَوْ وَرْدَهْ،
في جَدائِلِ صَبيَّهْ
وَأَشْعَلْتُ دَمْعَهْ
وَقُلْتُ:
أَيُّها الغَريبُ إِنْ شِئْتَ فَعُدّْ
"فَظُلْمُ ذَوي القُرْبى أَشَدّْ..."
وإن ذات مَرَّهْ
أسقَيتَنا المُرَّ
فلا مَفَرَّ...
سَنُعيدُ الكَرَّهْ َ
وَنَواقيسُ الوَجَعِ تُغَرِدْ:
هُنا كان...
وَمِن هنا مَرَّ...
وَمِن هنا فَرَّ...
وَنَكسِرَ الجَرَّه ...
أَبا القاسِمِ
أَنا الجاثِمُ عَلى صَدْرِ الأَقْدامْ
أَنا الهائِمُ في غَوْرِ الآلامْ
أَنا النائِمُ في شَرايينِ الأَحْلامْ
أَنا العائِمُ عَلى وُجوهِ الحِمامْ
أَنا السائِمُ مِنْ هَمْسِ الدُجى وَزِنى الظَلامْ
أَنا الصائِمُ عَنِ اللهِ وَما صُمْتُ عَنِ الكَلامْ
أَنا العالِمُ هُوَ الحاكِمُ، لَكِنْ
حاشى أَنْ يَكونَ الدائِمْ
سَأَبْقى
سَأَبْقى
الحائِمَ في السَماءِ وَما ضَلَّ سَبيلَهُ الحَمامْ
والغائِمَ بِالأَحْلامِ فَمِنَ الغَيْمِ يُولَدُ الغَمامْ
الشاهِدُ
تَبْقى الأَيّامْ
وَعَلَيْكَ
أُبقي السلامْ
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |