شاهد مجموعة لوحات
للفنانة شذى الصفدي
شذى
الصفدي.. فنانة من الجولان
نص اللقاء
عن مجلة ترفزيون
التقتها: فاطمة بطحيش
الصور لموقع جولاني
حين تسكت البلد وتبدأ حالة من الهدوء، يحين الوقت لفض الألوان من قواريرها، فتصبح
الأجواء مهيأة.. تبدأ الموسيقى وتهيمن رائحة البخور على المكان فالمزاج رائع الآن
للرسم؛ أجواء الليل جميلة حين تكون شخصًا مبدعًا تنشد الوقت الملائم لتعطي لإلهامك
العنان.. وهذا ما تفعله شذى في ساعات الليل التي تخلو من ضجيج الشاحنات وصوت
التراكتورات..
الرسامة شذى الصفدي؛ خريجة معهد "أدهم إسماعيل" دمشق- قسم حفر في العام 2004، خريجة
كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق قسم التصوير في العام 2006، وعضو مؤسس في مركز
"فاتح المدرّس للفنون والثقافة" في مجدل شمس. تحدثنا في هذا اللقاء الذي جرى في
مرسمها الخاص عن علاقتها بالشام خلال فترة تعليمها وعن معاناتها كابنة الجولان
المحتل؛ شأنها شأن كثير من الطلبة الذين يقصدون وطنهم الأم فتهرب منهم الفرص كونهم
معلقين بقضية فرضت عليهم..
في مجدل شمس؛ أحدى قرى الجولان المحتل، كان لي لقاء مع الفنانة الرسامة شذى سلمان
الصفدي، وبعد سفر عشر دقائق من قريتي مسعدة إلى هناك بدأت أبحث عن شخص يبحث عني؛
فأنا لا أعرفها شخصيًا لكننا تحدثنا على الهاتف. هناك، بجانب مركز "فاتح المدّرس"
بدأت أشعر بروح قادمة إليّ، وباتت الروح أكثر وضوحًا كلما اقتربت من مكان وقوفي،
ضاحكة، ببسمة عريضة استقبلتني تلك الروح وشخصها الجميل الذي في شذى، فتاة رقيقة
تتمتع بحس من الفكاهة والخصوصية.
القينا التحية على بعضنا وأشارت بيدها إلى المركز الذي سنزوره فيما بعد، وسارت
أمامي إلى ساحة دار كبيرة، وفي زاويتها باب لونه أخضر، قديم جدًا، وله حكاية على ما
يبدو. "هذا مرسمي" قالت.. لو كان بإمكاني نقل رائحة عبق المكان عبر الكلمات لفعلت؛
تلك الحياة الماضية التي ما زالت عالقة بين جدران الغرف، حتى أن اللون الأصلي لم
يتم تغييره، بل بقي راسخًا يحكي هو الأخر حكاية ما. بالإضافة إلى تلك المرآة التي
تقف شامخة وعمرها 110 عامًا، فلا زالت جميلة وباقية على حالها..
فترة الدراسة..
ما أحلى الشام حين تصفها شذى، رغم أني لم أزرها يوما إلا أني رأيتها في منامي.. بعد
عامين من عودتها من سوريا الوطن الأم، تقول شذى عن فترة دراستها: "لقد وفقت في
دراستي بزملاء دراسة مميزين وبكادر تعليمي قوي، وكان من أفضل الأساتذة المتابعين
لعملي الدكتور يقضان اتاسي، نزار صابور، وأستاذ الحفر ياسر الصافي، وأيضًا الأستاذ
نذير نبعه الذي درسّني في السنة الثانية وأحيل بعدها للتقاعد. لكني بقيت على تواصل
معه حتى فترة تخرجي، استفدت منه كثيراً وأيضا من زوجته الفنانة المصرية شلبية
إبراهيم، التي تتمتع بمستوى فني قوي جداً اكتسبته من فطريتها في الرسم ولم تدرسه
أكاديميًا، وأكن لهم جميعًا كل الاحترام".
"هذا مرسمي"..
رائحة البخور تنبعث من أرجاء الغرفة، وموسيقى هادئة ترافق خطواتها.. في غرفة كانت
تقطنها جدتها، وتقول شذى: "هذا البيت بيت "ستي" أجد فيه خصوصية أكثر ومكان واسع
للرسم؛ فرائحة المكان وشكله يعطياني طاقة إيجابية ومحفزة".
وتضيف: "المكان والزمان لهما تأثير، فأي شخص يعمل في الفن أو أي مجال أخر، فطبيعي
جدًا أنه سيتأثر بمن حوله من الأشخاص ومن طبيعة المكان، حتى وإن كان هذا المكان
فضاءه الخاص. أشعر هنا في "مرسمي" بطاقة إيجابية؛ أحب شكل الشباك هنا، وهذه الغرفة
تغدق عليّ طاقة هائلة. لقد عشت طفولتي في هذه الغرفة، وجهزتها كي تصلح مكانًا للعيش
والرسم بعد أن كانت مخزنًا؛ وأصبحت مملكتي الخاصة؛ فأنا مسؤولة عن كل شيء فيها حتى
الفوضى". "بعد عودتي من الشام خسرت خصوصيتي، لذا أبحث عن مكان أضع فيه ألواني وكتبي
وحياتي. وأنا في مرحلة البحث عن نفسي، أحيانًا أشعر أن لوحاتي تعاني حين أرسم شيئًا
لا يعجب المجتمع". وتضيف: "بالنسبة لقضية الهوية، فإن الإجابة على سؤال كهذا شيء
صعب جدًا؛ وبرأيي أنه حين يعبر الشخص بصدق عما حوله فإن هويته ستخرج؛ من الأماكن
التي توقفني: معبر القنيطرة، الطريق، وفي منطقة النقطة حيث الحدود السورية
والإسرائيلية؛ وهو المكان الذي نكون فيه معدومي الهوية".
من هنا بدأت حكاية شذى..
"بدايتي الفعلية في مجال الفن؛ كان من خلال دورات رسم لدى الفنان وائل طربية في
العام 1997، كنت حينها في الصف الحادي عشر، وذلك في دورات يقيمها بيت الفن. من ثم
ذهبت إلى دمشق للدراسة في كلية الآثار والمتاحف، وهذا الموضوع لم أجده بمستوى عالٍ
في دمشق، فقررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لدراسة الرسم، وكنت قد اكتسبت من
أستاذي وائل طربية في بيت الفن، أساسًا يؤهلني لهذه الدراسة. لذا، وفي فترة الصيف
وخلال مكوثي في سوريا، تقدمت لمسابقة الفنون الجميلة، وقبلت، فدرست في قسم تصوير
الزيتي، والتحقت أيضًا بمعهد "ادهم إسماعيل"، اختصاص حفر على المعدن بإشراف الأستاذ
ياسر الصافي.
دمشق مدينة التناقضات..
"ست سنوات في دمشق أثرت بي وأعطتني الكثير، فدمشق هي مدينة متنوعة جدًا ومميزة
بخصوصيتها، والذي يربطني بها أزقتها وأسواقها المتعددة (سوق النحاسين؛ سوق الورق؛
سوق العرائس وغيرها، ولكل شيء سوقه). وطبعًا لا أنسى أصدقاءً عرفتهم، ولم أتوقع أن
أودعهم بهذه القسوة". أما عن معاناتها هناك، فتقول: "معاناتي الوحيدة التي كانت
بدمشق هي الفرص الضائعة". وتضيف: "فقد حظيت مرة بفرصة الدخول بورشة عمل لأقسام
النحت، الحفر، والتصوير الزيتي؛ تحت اسم "ألوان من دمشق" بدعم من منظمة الاتحاد
الأوروبي في صالة "مصطفى علي". وقد منح الفائزين بالمرتبة الأولى من كل قسم على
إقامة فنية في ايطاليا ومشاركة في ورشة عمل، وقد كنت في المرتبة الأولى بقسم الحفر،
وكان أكرم الحلبي أبن الجولان أيضًا، الأول بقسم التصوير الزيتي، ومحمد عمران في
قسم النحت. لكن لم يكن باستطاعتي أنا وأكرم من مرافقة محمد عمران، لأننا من الجولان
المحتل، فقد قيل أن سبب عدم السماح لنا بالسفر هو خوفهم علينا بعد عودتنا للجولان
من التورط باستجواب من قبل السلطات الإسرائيلية، رغم أننا حصلنا على موافقة وزارة
الداخلية الإسرائيلية، لكن للأسف كان للمسئولين عنا بدمشق أسبابهم وقوانينهم،
فأعطيت المنحة لمن كان في المرتبة الثانية.. وهذا هو حال عدة طلبة جولانيين يدرسون
في دمشق.. ورغم هذا لم تفقد دمشق مكانتها داخلي".
أعمال التخرج..
أنظر إلى لوحاتها العديدة، منها لوحات شديدة السواد، لكنها تملك جمالا خاصًا؛ وأخرى
فيها غربان وأطفال وأشخاص.. وتقول شذى: "عملت بمشروع التخرج على علاقة الشخوص بطائر
الغراب، لدى الكثير اعتقاد بأن هذا الطائر هو نذير شؤم، لكنه يخدم الحالة في
أعمالي.
يشدني حضوره الأسود. عملت في أعمالي على تكوينات العلاقات بين الأسود والأبيض
والأزرق كبقع ويدخل فيها الخط ليخدم التعبير.
عنها باختصار..
شذى سلمان الصفدي من مواليد قرية مجدل شمس أكبر قرى هضبة الجولان المحتل، درست
الرسم والتصوير في بيت الفن/ مجدل شمس من 1997-2000. وهي خريجة معهد "أدهم إسماعيل"
دمشق قسم حفر في العام 2004، خريجة كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق قسم التصوير في
العام 2006، وعضو مؤسس في مركز "فاتح المدرّس للفنون والثقافة" في مجدل شمس. كانت
لها معارض مختلفة منها: معرض لطلاب بيت الفن؛ معرض خريجي معهد أدهم إسماعيل- المركز
الثقافي العربي في دمشق؛ معرض خريجي كلية الفنون الجميلة- المركز الثقافي الفرنسي؛
معرض الشباب – صالة الرواق- لنقابة الفنون الجميلة دمشق؛ معرض جماعي في صالة مصطفى
علي- دمشق؛ معرض جماعي في صالة الخانجي- حلب؛ شاركت في ورشة عمل مع الفنان الفرنسي
"بيير بالاس"؛ مشاركة في معرض "من الجولان" في رام الله.
ما قبل وبعد فترة الدراسة..
حلمي اليوم في المكان الذي أنا فيه هو أن أرى الشام مجددًا، وحين أفكر فيها أشعر
بفراغ لعدم وجودها؛ وجودي في مجدل شمس الآن بمثابة بداية جديدة.
هدوء يختال في أجواء المرسم، لحظات فيها دمعات خفية حزينة تأثر جفن العين، ما هي
إلا ذكرى فترة أيام الجامعة، حيث تقول شذى: "من أجمل الأيام التي عشتها في حياتي
رغم أنها لم تخلو من أيام بشعة وقاسية، وكما يقولون الشام مدينة التناقضات. أحن إلى
أصدقائي الذين التقيتهم هناك. في الشام تجد دائما من يحفزك على القيام بعمل جاد
ودائما نرى أشياء جديدة، هنا نجد الدعم لكن ليس بحجم الدعم الذي تلقيته هناك.
الفن الحديث؛ الثقافة البصرية..
"أصبح هناك الكثير من المدارس والمجالات المفتوحة في مجال الفن الحديث، وخرج الفن
عن إطار اللوحة. ولا أشعر أن هذا هدر للوحة، برأيي أن فن الفنان ينبغي أن يكون فنه
الخاص به والمعبر عنه بكل صدق. ولا تقاس المسألة بما يتعلمه الفنان، إنما ما يكتشفه
بنفسه، وهذه هي القيمة الحقيقية عنده، الأمر الذي من شأنه أن يزوده بالدافع اللازم
للعمل. وبرأيي الفن متجاور ولا فن أحلى من الآخر".
وتضيف: "لا بد من الاعتراف بأن مجتمعنا لا زال يفتقد إلى الثقافة البصرية والمشهدية.
فالمتلقي هنا بحاجة في أغلب الأحيان إلى التوضيح من قبل صاحب اللوحة، ولا زال لدينا
ميل إلى التعلق بالرسومات السهلة والمباشرة كالمناظر الطبيعية أو ما شابه. وهذا
الأمر يتصل مباشرة مع مستوى الوعي والثقافة لدى المتلقي. أنا أنظر لهذا الموضوع
بايجابية وأعي أن مجتمعنا الصغير لا زال في بداية الطريق ولكنه في الاتجاه الصحيح،
ولا بد لنا أن نراهن على عنصر التراكم الذي سيؤدي حتما إلى نتيجة".
أواجّب تفسير اللوحة..
أن الكلام الزائد عن اللوحة من قبل رسامها أو صانعها يضعف من شأنها؛ فاللوحة هي لغة
بصرية قائمة بحد ذاتها، النص المكتوب عن اللوحة مهم لكن بقليل من الكلمات كي تحكي
فكرتها فقط؛ وبرأيي أنه للوحات حضور خاص بها، هذا لا يمنع من أن يهمني كيف يشعر
الشخص تجاه اللوحة؟ هل هي قريبة منه أم بعيدة عنه؟.
وبالنهاية أقول أن اللوحة هي المساحة الحرة التي نستطيع من خلالها التعبير عن
داخلنا داخلها..
مشاريع جديدة..
أعمل حاليًا على مشروع، وهو مسابقة الفنان الشاب لعام 2008، التي تقيمها مؤسسة عبد
المحسن القطان للفنانين الفلسطينيين، ففي هذا العام ستكون المسابقة استثنائية عن
باقي السنوات، وهي إمكانية قبول عدد من فنانين من الجولان السوري المحتل نظراً
للظروف المشابهة التي نعيشها نحن والأخوة الفلسطينيين. والفنانين الذين تم قبولهم
للمسابقة: ديالا الحلبي وسلامه الصفدي فئة تصوير فوتوغرافي، رندا مداح فئة النحت،
أكرم الحلبي وشذى الصفدي فئة الرسم وتصوير زيتي.
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |