«بالبلد عنا.. كل شي غير»
إيتاليكا - اسم مستعار (الاسم الحقيقي محفوظ لموقع جولاني)
30\07\2008
كنت في طريق عودتي من العمل حين طلب مني أحد الشبان أن أرافقه لـ "كنيون نحميا"
لنشتري بعض المشروبات الخفيفة لنطفئ لهيب شمس الصيف الحارقة..
اخترت أنا قنينة ماء كبيرة ومشروب الرمان الذي أفضله.. بينما اختار صديقي له قنينتا
بيرة "هاينيكان" وبعضاً من مشروب الطاقة "الاكس ألـ" للرفاق. وبينما كنا ننتظر
للمحاسبة كان أمامنا شاب يبدو في السادسة عشر من عمره طلب علبة سجائر "مارلبورو"..
فما كان من الموظفة إلا أن طلبت هوية الشاب "بطاقة التعريف" فنظر إليها مستغرباً
وقال أنه لا يملك هوية، فرفضت أن تبيعه السجائر لأنه قد يكون تحت السن القانوني..
ففكر قليلاً وقال لها: هذا ليس لي إنه لأخي الكبير، فأجابت بحزم: فليأتي أخوك
إذاً.. فغضب وتمتم خارجاً: في قريتنا نشتري ما نشاء ولا أحد يسألنا، فقالت: في
قريتك افعل ما تشاء.. أما هنا فنحن نحترم القانون..
وحين أتى دورنا ورأت الموظفة البيرة، طلبت من رفيقي هويته رغم أن عمره بادٍ في
ملامح وجهه.. لكنها أضافت: إن الاحتياط واجب وأن الوجوه لا تخفي دائماً العمر
الحقيقي.. هززت رأسي مؤيداً وتناولت أغراضي وخرجت..
عدت إلى البيت منهكاً فقد كان اليوم شاقاً جداً واستلقيت على الفرشة الممددة في
برندة الحديقة الخلفية للمنزل وغفيت..
سمعت همساً في مكان قريب مما جعلني أفيق، حاولت متابعة نومي إلا أن الصوت بدا
متواصلاً ومزعجاً، وحديثاً أشبه بأصوات قهقهةٍ مستترةٍ وخائفة. قمت من مكاني أتقدم
ببطء نحو الصوت محاولاَ فهم ما يرددون،
كان صوت أطفالٍ أعمارهم لا تزيد عن الثانية عشر.
وقفت أراقبهم دون أن يلحظوني، كانت فوقهم سحابة دخان تغطي رؤوسهم لكثرة ما أشعلوا
من سجائر لم يفهموا حتى كيف يستعملونها لأنهم كانوا يأخذون نفساً عميقاً من جهة
ويبدءون بالسعال من جهة أخرى وكان معهم عدد لا يحص من قناني البيرة الفارغة والإكس
الـ التي أفرطوا في شربها..
رآني أحدهم فنظر إلي خائفا ولفت أنظار رفاقه إلي، أخذوا بسرعة يطفئون بقايا السجائر
المشتعلة وينظرون إليّ خائفين.. فنظرت إليهم ببسمة صغيرة حتى لا أخيفهم فابتسموا
بدورهم لي وشعروا بالأمان.
قلت لهم: هل تسمحون لي بالجلوس معكم؟ لكني جلست على الأرض دون أن أنتظر جوابهم
وطلبت منهم الجلوس إلى جانبي.. هل لي بقنينة بيرة؟ أضفت وأنا أرى الخجل في أعينهم..
فرد احدهم: طبعا تفضل..
تناولتها وأضفت: هل بقي غيرها؟
فأخذوا يلملمون ما تبقى وناولوني خمس قناني، فقلت: اجمعوا لي العلب الفارغة
أيضا.جمعوها دون تردد، وضعتها في كيس فارغة جانباً..
سألتهم: لماذا تشربون البيرة في الخفية وتدخنون خلسةً؟
أجاب احدهم: لأني أخاف من أبي، فلو رآني اشربها لعاقبني..
ثم أضفت: لماذا يعاقبك والدك؟
أجاب: لأنه لا يريدني أن أشرب البيرة والسجائر..
فقلت: ولماذا يمنعك والدك؟
أجاب بخجل: لأنه مضر بالصحة..
فقلت: إذا، هل أخطئ والدك حين خاف عليك؟
رد بخجل: لا بل إنه يحبني لهذا يمنعني.. إذا والدي كان على حق.. أليس كذلك؟
أجبتهم: أجل هذا بالضبط ما أردت لكم أن تفهموه.. والآن.. كم الساعة؟
أجابني آخر: إنها العاشرة..
سألت: ماذا يفعل أطفال بسنكم في مثل هذا الوقت خارج منزلهم؟
فردوا جميعا: ليس لدينا ما نفعله.. إنها عطلة ونحن نريد أن نستمتع بها..
أجبتهم: إن هذا حقكم.. لكن لماذا لا تبحثون عن شيء آخر تستمتعون به دون أن تؤذوا
أنفسكم..
فردوا معاً: كيف؟
قلت: لقد أقام المجلس البلدي مخيماً صيفياً من أجلكم.. وقد أقام نادي الحرية
الرياضي مخيماً آخر.. وهناك دورات لتعليم السباحة والرسم وكذلك دورات لتعليم كرة
القدم، وهناك أيضا مخيمات أخرى.. لماذا لا تشتركون فيها؟ تملئون وقت الفراغ
وتستفيدون في نفس الوقت.. وفي المساء تقضون بعض الوقت مع أسركم وتنامون باكراً..
بدلاً من تضييع الوقت في شرب البيرة والتدخين السام..
ردوا: لكن نحتاج إلى المال.
أجبتهم: أجل هذا صحيح.. لكنه مبلغ بسيط، ولا أعتقد أن أحداً سيعتبره كثيراً على
سعادة أطفاله..
فرد طفل بخجل: لكن أبي مريض ولا يعمل ولا يملك المال، فهل أحرم من ذلك؟
أجبته: لا بد أن هنالك لجنة مسئولة تقدم المساعدة للمحتاجين. تقدم إليهم بطلب وهم
سيبحثون في موضوعك.
قال: حسنا، أتمنى ذلك..
فقلت لهم: حسنا أصدقائي الصغار، لقد تأخر الوقت وحان موعد نومكم..
ابتسموا جميعا وقرروا أن يبدءوا من الغد. وقبل أن ينصرفوا سألتهم: من أين اشتريتم
البيرة والسجائر؟
فردوا: من دكان أبو فاضل، لكننا نعدك أننا لن نعيد الكرّة..
فقلت لهم وأنا ألوح بيدي مودعاَ: إني أثق بكم.
أمسكت كيس البيرة وبقايا السجائر، وقررت الذهاب في الصباح لأتحدث إلى أبو فاضل
وأنني سأنصحه بأن يكف عن بيع هذه الأشياء لأطفال تحت سن الثامنة عشر وإلا سأضطر
لتبليغ الشرطة..
عدت من العمل منهكاً، ورغم هذا قررت أن احدث أبو فاضل بالموضوع قبل دخولي إلى
المنزل. توجهت نحو الدكان وإذ بها مقفلة على غير عادة، توجهت إلى منزله فأخبرني
ابنه أن الشرطة قد داهمت المحل وأقفلته لأن هناك بلاغ ضد والده بسبب بيعه البيرة
والدخان لأطفال صغار.. وأنها احتجزت والده من أجل استكمال التحقيق.
ودون أن أجيب تابعت سيري إلى بيتي وأخذت أفكر:
أنا لم أبلغ الشرطة بعد.. إذاَ من أخبرها؟
وأثناء تفكيري قاطعني الأطفال بمرورهم فرحين أمامي.. واخذوا يرددون أغاني يبدوا
أنهم أنشدوها في أثناء رحلتهم الأولى للمخيّم الصيفي، وقبل أن يتواروا عن ناظري
توقف أحدهم ونظر إلي ببسمة بريئة، ثم حوّل نظره إلى دكان أبو فاضل، وبحركة سريعة
أغمض عيناه ثم فتحهما وتابع سيره وما تبقى من الأغنية واختفى خلف السور القديم..
عقب على المادة |
لا توجد تعقيبات حاليا |