قصص
قصيرة جداً
نضال الشوفي - 10\09\2008
مرايا حلم
ينسج التعب لعينيه النعاس، وهو يغالب الإصغاء لخطاب محفوظ عن
ظهر قلب، عباراته مكورة تدور على ذات الوصايا، كان والده يلقيها دون علامات ملل.
أطرق في بلاط الأرض ولم يعدَّه، بل حاول استحضار أحلام مراهق قصية، لا تعود على
وقائع النهار.
يقظة
دفن الأحفاد جدهم الطاعن، ومضوا كل إلى شأنه.
وفي ظلمة القبر، فتح العجوز عينين ذاهلتين ، مد يديه نحو سماء واطئة سوداء، فعجزت
ذراعاه الواهنتان تحت أحمال التراب، أمعن النظر ما استطاع، فتهللت صورة بكره
المرحوم تضيء سقف التابوت، فاستشعر شوقا جارفا للقياه، وأسلم نفسه للانتظار
والسكون.
أنت ملاك
قالت امرأة، تنام في سريره منذ أيام:
_ أنا أكره الرجال جميعاً، وأولهم زوجي.
فصاح متسائلاً: _ وأنا؟
أجابت: _ أنت لست رجلاً، أنت ملاك، ثم توسدت صدر الملاك. ونامت مطمئنة ملء جفنيها.
عاشق
مشيت بصمت قرب امرأة، لا وقع لخطاها، كنت أنبش في رأسي كلمات
رقيقة تصلح للاعتذار، وتعيد للوجه الجميل بشاشته،
عندما وجدت ما يقال، استوقفت الغريبة عند منعطف، فوجدت نفسي بعيدا عن البيت وتائها.
حينها أدركت كم أنا عاشق.
عش النورس
يضيق الشارع النتن على خطاي كلما استكمل ابتلاعي. على حافتيه
تحتك ضلوعي فتعريني شيئا فشيئا من ثوبي النظيف، وجلدي الأبيض الناعم، فتكف العيون
عن ملاحقتي، والأطفال عن إغرائي بأسعار بخسة ثمن علكة، أو سكاكر من نوع رديء.
عند المنعطف الثالث أو الرابع أحس بالضياع، فيكون دليلي أول شخص يمر بي. أشكره، ثم
أقرع بابا يطل منه صديقي الذي أقصده، يستقبلني بذراعين محلقتين تحطان على كتفي
وظهري. بعد العناق، أجوب المكان كله بخطى قليلة. ألتفت إلى صديقي قائلا:
_ بيتك أضيق من زنزانة.
فيجيبني بهدوئه المعتاد:
_ بيتي سجن فسيح لجميع الكلمات المحرمة ...
الآن قد مضى علينا ساعة أو أكثر. أنا مندهش تماما من جرأتي المفاجئة...
الجدار
هنا انتهيت وحيدا، فغيّبني تعب المسير، وهدوء المكان المظلل
بالشجر. في حلمي رأيت الحياة مملكة مسورة بحائط قديم أخضر. كانت عروقي خيوط عنكبوت
مشدودة إليه، وقلبي فراشة تنازع كي تطير، فتحكم على نفسها الوثاق.
ويرشح في مسام الجدار دمي
وأصيح من ألمي
فيرّتد صوتي إليّ
يلملم روحي فتاتا من العدم
يصعّدها بزفرة أخيرة
ويودعها في مدار الغيم.
روحي الآن فوق غيمة، تسبح في الفضاء الحر الفسيح، وتطل على الجدار الأخضر، الأبيض،
الأحمر، باحثة في مراميه عن فسحة للون ضائع...
بعد حين، في المكان الهادئ المظلل بالشجر، أجفلني صوت هادر، فتحت عينيّ، فرأيت طفلا
بطول عكاز، يعكر صفو الماء بالحجارة. اقتربت من الطفل، تأمّلت الوجه مليا، كانت
عيناه سوداوان، ووجهه ملطخا، وقدماه عاريتان موحلتان، لكنهما قوتان، تقدران على
اجتياز كل جدار...