انعقاد اللقاء الثامن من منتدى الخميس - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


انعقاد اللقاء الثامن من منتدى الخميس
الموضوع: دراسة في ديوان محمد مهدي الجواهري 1899 – 1997
يوسف السيد أحمد -  11/9/2008   

انعقد في مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة مساء الخميس 11\09\2008 اللقاء الثامن من منتدى الخميس. فيما يلي تلخيص للمادة التي ألقيت كمدخل للقاء:

استُهلَّ الكلامُ بهذا القسم من القصيدة الرائعة الملحمية:
ضمّوا صفوفكم ولمّوا .. مجداً إلى مجد يضمُّ
وتكاتـفو ينهض بــكم .. جبل يُـــلاذ بـه أشـمُّ
يا غادياً لسفوح دجلة .. حيـث طينـتها تُشــمُّ
حيث الضفاف بكوثر .. عطر قــراح تُستحمُّ
قف بين دجلة والفراتَ.. وصِحْ ليسمعكَ الأصمُّ
إيهِ شبابُ الرافدينِ .. . وأنتمُ الشــرفُ الأتــمُّ
يا موقدي سرج الدماء... إذا دجـا ليـــل أغـمُّ
أنتم كرامتها ومنكم ... ما ازدهى وافترَّ نجـمُ
فــلق الصباح بجـوِّه ... ألـقٌ وبــدر دُجاه تـمُّ
فيــكم تُثـارُ دروبـهُ ... وبكــم خطـاه تُستــتمُّ
ولا بد من لمحة عن حياته المتنوعة، والتجارب العميقة التي رافقته:
حياته: ولد الشاعر محمد مهدي الجواهري في مدينة النجف بالعراق، والنجف مركز ديني وأدبي كبير، وللشعر فيها أسواق تتمثل في مجالسها ومحافلها، وكان أبوه عبد الحسين عالماً من علماء النجف، أراد لابنه الذي بدت عليه علامات الذكاء والمقدرة على الحفظ أن يكون عالماً،لذلك ألبسه عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة.
يقول هو نفسه عن ولادته وطفولته في النجف: "ولدتُ فوق أرضٍ ملحيَّةٍ عطشى بالرغم من أنَّها على مقربة ميل أو ميلين من مياه الفرات. على الحد الفاصل بين بساتين الكوفة والحيرة (التي كانت ذات يوم رياض العباسيين والساسانيين والمناذرة) وبين الصحراء، الممتدة إلى نجد والحجاز حتى الربع الخالي. فانفتحت نظرتي الأولى على أفق الصحراء الممتد إلى الأبدية، وتعلمت أول ما تعلمت، التحمُّل والزهد الذي يميِّز "صلُّ الفلاة". وبين آونة وأخرى تضيق عيناي بمشهد الصحراء الجافة اللانهائية. فنَفِرُّ منها أنا وعائلتي إلى شواطئ النجف حيث كان (الخورنق والسدير) وقصور المناذرة، ومنها فإلى بساتين الشوافع والكوفة والحيرة، فألوذ كالحمامة بالماء الرفراف المزغرد والطين الندي، وأتملّى وأتلمّس بأناملي الصغيرة أزهار الشيح والقيصوم والخزامى..."
تحدَّر من أسرة نجفية محافظة وعريقة في العلم والأدب والشعر تُعرف بآل الجواهر، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة والذي يُدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والذي ألف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام" وكان لهذه الأسرة ، كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية.
ثقافته : قرأ القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة، وتعلَّم على يد عددٍ من المدرسين، النحو والصرف والبلاغة والفقه، ثم كتاب نهج البلاغة وشعر المتنبي وكان يجالس الكبار. أظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب، فقرأ كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر، ونظم الشعر في سن مبكرة تأثراً ببيئته واستجابة لموهبة كامنة فيه، وكان قوي الذاكرة، سريع الحفظ.
يقول في قصيدة نُشرت سنة 1935 وهي تنطبق على حالنا الحاضرة:
جَهِلْنا ما يراد بنـا فقلـنا ... نواميسٌ يدبرها الخفـاءُ
فلما أيقضتـنا من سباتٍ... مكائدُ دبرتهـا الأقويـاءُ
وليس هناك شكّ في حياة... تدوس العاجزين ولا مراء
لجأنـا للشرائع باليـاتٍ... لتحمينا وقد عـزَّ احتماءُ
فكانت قوة أخرى وداء... رجونا أن يكون به الدواء
وقام السيف يرهب دفتيها... تؤيده ميـول وارتشاء
إذا لم ترضه منها سطور... تولَّت محو ما فيها الدماء
وفي قصيدة (بريد الغربة) التي نظمها عام 1926 وهو في إيران وقد أُبعد عن دياره فنهشته الغربة، وما أكثر ما نُفي وذاق الفراق. يقول:
هبَّ النسيمُ فهبَّتِ الأشواقُ ...وهفا إليكم قلبه الخفَّاقُ
وتوافقا فتخالفا هو والأسى ... وحمام هذا الأيكِ والأطواقُ
وتعددت المنافي لدى الشاعر، ففي كل فترة يصدر بحقه قرار النفي ممن لحقهم نقده. فمثلاً في العام 1961 وما تلاها من أعمال عنف في العراق لحق الأذى بالعديد من الشعراء والمبدعين من أمثال: الشاعر الراحل بلند الحيدري، والشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي، والعالم الراحل عبد الجبار عبد الله، والشاعر سعدي يوسف، والشاعر مظفر النوَّاب، والفنان محمود صبري، وغيرهم كثيرون. على أثر ذلك كانت ملحمته الرائعة (يا دجلة الخير) التي كانت منعطفاً جديداً في شعر الغربة والحنين، فقد عاش حالة نفسية حرجة وهو يسكن في براغ مُبعداً عن بلاده. يقول:
حيَّيتُ سفحك عن بُعـدٍ فحيّـيني ... يا دجلة الخير يا أمَّ البساتـين
حييتُ سفحـك ظمآنـاً ألـوذ به ... لوذ الحمائم بين الماء والطـين
إنِّي وردت عيـون المـاء صافيـة ... نبعاً فنبـعاً فما كانت لترويـني
وأنت يا قاربـاً تلـوي الريـاح به... لَيَّ النسائمِ أطراف الأفـانـين
وددت ذاك الشراع الرخص لو كفني ... يُحاك منه غداة البين يطـويني
ولدمشق الفيحاء دور كبير في شعر الجواهري فقد أحبها فوصفها ومجَّدها بقصائد جميلة ورائعة حيث يقول:
شممتُ تربك لا زُلفا ولا مَلقا ... وسرتُ قصدك لا خبَّاً ولا مذقا
وما وجدتُ إلى لقياك منعطفاً ... إلا إليك ولا ألفيت مفترقــا
كنت الطريقَ إلى هاوٍ تنازعه ... نفس تسدُّ عليه دونها الطرقــا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي ... حتى اتهمتُ عليك العين والحدقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً ... لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
قالوا (دمشق) و(بغداد) فقلت لهما ... فجر على الغد من أمسيهما انبثقا
ومن وطنياته الكبرى وإحساسه العميق بالوطن وجروحه القصيدة الشهيرة التي نظمها في رثاء أبي الشهداء وزعيم الأمة العربية الذي مات حسرة وبؤساً على أمة متخاذلة هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في العام 1970 ورحلت معه كل آمال الأمة العربية وطموحاتها، خصوصاً وأنه طُعن ممن كان يدَّعي العروبة والوطنية.
والقصيدة بعنوان (عهد ووفاء) (القصيدة طويلة جداً) وسأعرض بعضها بدون ترتيب.
أكبرتُ يومك أن يكون رثاءُ ... الخالدونَ عهدتهم أحيــاءُ
أوَيرزقون؟ أجلٌ، وهذا رزقهم ... صنو الخلود وجاهة وثراء
قالوا الحياة فقلت دين يقتضى ... والموت قيل فقلت كان وفاء
يا قائد الجيش الشهيد أمضَّه ... شوق فزار جنوده الشهداء
أكبرت يومك أن يكون رثاء ... أجعلت منه موعداً ولقـاء
أيرفرف الخلد استفزك طائف... لتسامر الخلصان والخلطـاء
أم رمت جمع الشمل بعد تفرُّق؟ ... أم أن تثير كعهدك الشعراء
يا أيُّها "النسر" المحلِّق يتقي ... فيما يميل عواصفــاً هوجـاء
قالوا: أبٌ برٌّ فكانت أمَّة ألفاً، ... ووحـدك كنت فيها البـاء
خبطتْ كعشواء عصوراً، وانثنت مهزومة، فأثرتـها شعـواء
وأنرت درب الجيل شاءت دربـه حيـل الطغاة عميَّة تيهـاء
والجواهري كغيره من الشعراء تختلف مواضيع أشعاره وقصائده بحسب المناسبات وحدوث المؤثرات عليه، ولابد من حيِّز لشعر الغزل والتشبب بالمرأة، ففي قصيدة بعنوان (بنت بيروت) يقول:
يا عذبة الروح يا فتَّانة الجسـد ... يا بنت بيروت يا أنشودة البلـد
يا غيمة الشعر ملتاثـاً على قمر ,,, يا بسمة الثغر مفتـرَّاً عن النضد
يا روعة البحر في العينين صافية ... يا نشوة الحبـل الملتفِّ في العضد
يا قطرة من نطاف الفجر ساقطها... من أرز لبنان خفَّاق الظلال ندي
وكم هو كريم النفس متواضع لا يتعالى على أحدٍ ولا يُظهر تكبراً، يعترف بكل جميل قد يصادفه، فعندما مرَّ مرة على راعية غنم تسمى (أم عوف) ووجد منها حسن استقبال وكرم نفسٍ، وصفها بهذه الأبيات:
يا أم عوف عجيـبات ليالينــا ... يدنين أهواءنا القصوى ويقصينـا
في كلِّ يوم بـلا وعيٍ ولا سبب ... ينزلن ناساً على حكم ويعليــنا
يدفن شهد ابتسام في مراشفنـا ... عذباً بعلقم دمـع في مآقينـــا
ويقترحن علينــا أن نجرّعـه ... كالسمِّ يجرعه (سقراط) توطينــا
يا أم عوف وما يدريك ما خبأت ... لنا المقادير من عقبى ويُدرينــا
ليت لنا متسعاً لكي نعطي هذا البحر الزاخر حقه، فالجواهري نهر متدفِّق، يمتاز بالنفس الطويل، والمقدرة على العطاء، لديه سلاسة في الكلام والأسلوب، وقصائده طويلة وقوية الوقع، فكل قصيدة تحتاج إلى العديد من الصفحات لشرحها والكتابة عنها، وكلها تطفح بالحنان وبالحنين، ولعلَّ الطابع التراجيدي الذي يميل إلى البناء الملحمي من بين سمات القصائد التي تعد أفضل نماذج شعر الجواهري، كلها رائعة وجميلة ولكن لا مجال
لذكرها هنا.

مع تحيات :يوسف السيد أحمد

هذا وندعوكم أعزائي وإخواني إلى اللقاء القادم من "منتدى الخميس"
وذلك بتاريخ 25/9/2008 بعنوان:
ماذا أعطى الشاعر الكبير عمر أبو ريشة لوطنه؟