سيدة الطاولة المستديرة
داوود الجولاني – (اسم مستعار- الاسم الحقيقي محفوظ لموقع جولاني)
28\09\2008
هل كانوا يتكهنون أنها تجلس بانتظارهم، حتى غادروا على عجل في صحوة ربيع، غادره
للتو مطر الشتاء. هم مضوا نحو جسر بناة يعقوب. ستة فرسان من بني أمية. مسكنهم قرية
في الجولان لم ينزح سكانها بعد.
وهناك أمام ضفة النهر الدافق بماء يعكس خجل خديها.. شاهدوها.... أميرة تغسل مفتاح
العودة بماء النهر لبيت من حجر أسود مل انتظار الواعدين بالعودة، ومل الكلام المنمق
عن زيتون وبرتقال، ومل النقاش في الكنيست الإسرائيلي عن حقوق تؤخذ بالمواطنة..
وشاهدوا فراشات ملونة تسكن شعرها...
لم تخف من حضورهم وهي التي تنتظر قدومهم، فقالت وطير الهدهد يؤسس عشه على كتفها:
"لا أعرف لماذا جئتم وأي سؤال قاد خيولكم إلي، فانزعوا أولا سيوفكم من غمدها،
وانظروا هناك حيث سنابل القمح ستنمو، وانصبوا خيمتكم وحضروا طاولة مستديرة من ستة
أنواع شجر".
فحضروا وهم منصاعين وراء الصوت الذي خرج صارخا من سبر اللغز فيهم:
"أي مجازفة قادتنا، وماذا تريد الأميرة منا".
حضّروا طاولة من خشب الكينا والزيتون والبرتقال والملول والسنديان والتفاح والكرز،
ثم استراحوا في اليوم السابع، وجلسوا ستة فرسان وأميرة يتحاورون.
سألت الأميرة :
"لماذا جئتم؟ وأحفاد أي أمير أموي أنتم؟ أن كنتم أحفاد عمر بن عبد العزيز فسأكمل
غسل مفتاح العودة، وإن كنتم أحفاد معاوية بن أبي سفيان فاركبوا صهوة خيولكم
وانصرفوا. فلي ضفة النهر، ولكم خيمة الملك".
أجابوا : "أي سؤال طرحت علينا, وأي لغز؟"
فقالت:"إذن ليقل كل فارس منكم لماذا جاء، أو ماذا يريد، وسأترك قراري للنهاية".
قال الفارس الأول: "إني منسق ورود طردت من الأندلس وابحث عن رياض الشام لأسقي
زهورها".
قال الفارس الثاني: "إني قد علمت أن أبي مسلم الخرساني مازال حيا، وأنه مازال يحيك
الدسائس لبلاد الشام، بعد
أن لف حبل المشنقة حول رقبة أبي جعفر المنصور، ويدهشني أن أتباعه زادوا في
الجولان".
وقال الثالث: "جئت لأمزق اتفاقية سايكس وبيكو حتى أعيد اللحمة بين بلاد العرب"
وقل آخر: "قد عدت من فرنسا وفي خرج فرسي كتب «مونتسكيه، ورواية القدر لفولتير»،
وقصص مبعثرة وحكايات عن سقوط سجن الباستيل، وبعض مقالات برهان غليون، وفلورنس
غزلان، وكيف أن بالدم تم إطلاق سراح الجثث من سجن صحنايا"...
ثم قال آخر: "إني مبعوث من الله، لأعلن فيكم أن المهدي قادم وليس للنساء مجلس
بيننا، إلا إذا تخلت عن رخصة قيادة السيارة، وعن شعورها بأنها إنسان كما الرجل
تشتهي كما يشتهي".
وقال الفارس الأخير: "لا اعرف لماذا جئت وماذا أريد! فأنا مجرد أموي يبيع تفاحه في
سوق تل أبيب".
لم يعد هناك من فارس يقول، فسمع الجميع صوت النهر يقول:
"يا أميرة إني ماء يذهب ويعود، ولكن ذاكرتي تختزن مشهدا: "يجلس فيه أبو الطيب
المتنبي يمسح الدم عن جرح بوجهه. وذاكرتي تقول أن أبا فراس الحمداني ما زال مسجونا
وهو ينتظر من سيف الدولة سيف الدولة..."، ثم أضاف: "أن مائي عنيف، وأخاف أن يفيض
النهر فيكسر الطاولة المستديرة ويسقط الجميع في نهري...".
فرد الفرسان جميعا: "إن النهر ليس أمويا، وبما أننا مازلنا في أرض محتلة تحكمها
إسرائيل فليس لنا السؤال عم تفعله حاشية الأمير بوجه المتنبي، أو ما يفعله علي
اليونس من أجل إطلاق سراح المتهور أبي فراس الحمداني".
ثم أكمل لفرسان الكلام بعصبية بعد أن شربوا من من ماء النهر، لأن الظمأ جفف الكلام
في حلوقهم وسألوا:
"وأنت أيتها القادمة من فلسطين بثوب أميرة، لماذا جئت إلينا؟".
فردت:
"قادني الهدهد إليكم، وصدقت أن عشقي يوصلني للمدى، ولكني لا بلغت العشق ولا بلغت
المدى".
فقال الفرسان: "وصولك إلينا سيقود المدى أليك. وها هي الفضائية السورية تنتظر أمام
الخيمة لنقل حلمنا،
فانشدي يا أميرة أشعارك وقولي لهم انك تحبين العودة إلى الشام"...
تحمست الأميرة وأعادت ترتيب أشعارها، وانتظرت أن يدعوها القيمون على "احتفالية دمشق
عاصمة
للثقافة العربية"، لعلها تلتقي هناك فوق المسرح بأبي خليل القباني، أو بالكواكبي،
أو بأسمهان، أو بأبي عنتر.
لكن نشرة الأخبار الرسمية، بعد أن طمأنت السكان الأصليين لبلاد الشام أن رمضان مبعث
البهجة والعيد الكريم
قادم بوفرة من السلع المستوردة من أكل وشرب ومن حضور متميز في السياسة، وأن الجزء
الثالث من مسلسل
كل الدول العربية، "أبي شهاب ومعتز"، حاضر دوما، وأن المسلمين قد وحدوا رؤيتهم في
مشاهدة
قمر رمضان، وأن لا وقت لديها لعرض لقاء بين شاعر من فلسطين وبين بائع قمر الدين في
شوارع سوق الحميدية.
قررت الأميرة الرحيل عن ضفاف خيمة الفرسان، وهي تسأل وهم يسألون:
"أي عشق قادنا لمدى يأكله الضباب؟".