انعقاد اللقاء العاشر من <منتدى الخميس> - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


انعقاد اللقاء العاشر من <منتدى الخميس>
مجدل شمس \ الجولان - 13\10\2008
من يوسف السيد أحمد

انعقد مساء الخميس الفائت، في مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة، اللقاء العاشر من "منتدى الخميس" وكان بعنوان:

الأنفة والكبرياء عند أبي الطيب المتنبي
الفائدة والمضار

أول ما يلفت نظر قارئ المتنبي تلك الأنفة الشديدة والكبرياء القوية الظاهرة في حب السيادة، والترفع عن الدنايا، واحتقار الغير، والرغبة في مساواة الملوك والأمراء. وهي عواطف سامية ترافق الشاعر في كل حياته، فتبدو في أعماله وتصرفاته جميعها،وتظهر في كل قصيدة نَظَمَها سواءٌ المدح والهجاء والفخر والحكم.
وكان من نتيجة حب العظمة هذا تهوُّرات عديدة رافقت صاحبها منذ صباه، إذ دعا الناس إلى بيعته (وذلك عندما ادَّعى النبوَّة) فألقي القبض عليه وسُجن. ثم حمله التعالي والكبر على رفض نصيحة أبي النصر الجبلي، فسار وحيداً في مجاهل البادية حتى قتله فاتك الأسدي.
ومن أنفته وكبريائه تولَّد فيه صفاتٌ عديدةٌ حسنة كالشهامة، والصبر، والنجدة، والحميَّة، والفخر بالنفس والأعمال،والعفَّة وترك الملاذ الحاطَّة بالنفس كشرب الخمر وما يتبعه من المجون والهزليات. كما تولّد أيضاً لديه الحقد، واحتقار الغير،مما يلمحه القارئ في كلِّ قصيدة من قصائده.
فقد بلغ من كِبَره أنَّه كان يشترط على ممدوحيه من الأمراء ألاَّ يُنشدهم إلاَّ جالساً، وألاَّ يقبِّل الأرض بين يديهم.(كما كانت العادة) فيقبَلونَ ذلك رغبةً في شعره.
إنَّ هذه الصفات الشامخة جعلت أبا القاسم الطبسي يصف المتنبي ذاك الوصف الدقيق، فيقول:"كان، من نفسه الكبيرة في جيشٍ؛ ومن كبريائه في سلطان".
وقد رُويت عنه نادرة تبيِّن قوة حافظته، فقد كان عند أبي الحسن محمد العلوي، فاستعرض المتنبي كتاباً من أحد الدلاَّلين للأصمعي، فيه أكثر من عشرين ورقة، فأطال تأمله فيه حتى ضاق به الدلاَّل،فقال له:"أريد بيعه وقد قطعتني عن ذلك. فإن كنت تريد شراءه، فعجِّل بالثمن؛ وإن كنت تريد حفظه، فهذا يكون في شهر".فقال أبو الطيِّب:"فإن كنت حفظته في هذه المدة، فما لي عليك؟" قال الورَّاق:" أهبُ لك الكتاب!" قال الورَّاق:" فأخذته من يده، فأقبل يسرده عليَّ إلى آخره" فامتنع الورَّاق عن إعطائه الكتاب، ولكن الحضور احتجّوا عليه، فتركه له.
قال يمدح سيف الدولة ويهنئه بعيد الأضحى، وذلك في ميدان حلب، وهما على فرسيهما:
لكلِّ امرئٍ، من دهره، ما تعوَّدا! وعادة سيف الدولة الطعنُ في العدى
هنيئاً لك العيدُ الذي أنت عيدهُ وعيدٌ لمن سمَّى، وضحَّى، وعيَّدا
رأيتُكَ محضَ الحِلم في محضِ قدرةٍ ولو شئتَ، كان الحلمُ منك المهنَّدا
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ؛ ومن لك بالحرِّ الذي يحفظ اليدا !
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ، ملكتَهُ، وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ، تمرَّدا
ووضع الندى في موضع السيف،بالعلى مُضرٌّ، كوضع السيف في موضع الندى
وما الدهر إلاَّ من رواة قصائدي؛ إذا قلتُ شعراً، أصبح الدهر منشدا
وعندما بنى سيف الدولة قلعة الحدث التي كانت حصناً يصدُّ جيوش الروم، وعندها هزم سيف الدولة جيش الدمستق الرومي الكبير، بهمَّة بعض أبطاله،أنشده المتنبي قائلاً:
على قدرِ أهل العزم، تأتي العزائمُ؛ وتأتي، على قدر الكرام، المكارمُ؛
وتعظم، في عين الصغير، صغارها؛ وتصغُر، في عين العظيم، العظائم؛
يكلِّفُ سيفُ الدولة الجيشَ همَّه، وقد عجزت عنه الجيوش الخضارمُ
تمرُّ بك الأبطال، كلْمَى، هزيمةً، ووجهك وضَّاحٌ، وثغرك باسمُ
تجاوزتَ مقدار الشجاعة، والنُّهى، إلى قول قومٍ: أنت بالغيبِ عالمُ
ألا أيُّها السيف-الذي ليس مُغمداً، ولا فيه مرتابٌ، ولا منه عاصمُ-
هنيئاً لضرب الهام، والمجد، والعلى، وراجيك، والإسلام، أنَّك سالمُ
لقاء المتنبي بكافور الإخشيدي:
بعد الوحشة التي حصلت بين المتنبي وسيف الدولة، كاتبه كافور حاكم مصر إذ ذاك، واستقدمه إليه، فرحل إلى مصر، مؤملاً من كافور أن يجعله حاكم ولاية، ووعده بذلك، فمدحه المتنبي دون رغبة منه، فكافور كان عبداً أسوداً، مثقوب الشفة السفلى، ضخم الجثَّة، مشقق القدمين، تسلَّم الحكم بعد ابن طغج، أمير مصر، وبقي عنده أربع سنين ونصف سنة. ولكن بعد أن طال انتظار المتنبي ولم يفِ كافور بوعده له، هجاه أبو الطيب هجاءً مراً وتركه. فمن مديحه له قصيدة:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً! وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا
تمنيتَها، لمَّا تمنيتَ أن ترى صديقاً، فأعيا؛ أو عدوَّاً مداجيا !
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلَّةٍ، فلا تستعدنَّ الحسامَ اليمانيا،
إذا الجود لم يُرزق خلاصاً من الأذى، فلا الحمدُ مكسوباً، ولا المالُ باقيا
أبا المسك، ذا الوجه الذي كنت تائقاً إليه، وذا اليوم الذي كنت راجيا
لكنه ما لبث أن بدأ يشكو ويطالب بما وعده به:
ووعدك فعل قبل وعد لأنّه نظير فعال الصادق القول وعده
وبعد أشهر عاود تذكُّر سيف الدولة، شاكياً حاله:
فراقٌ ومن فارقت غير مذمم وأَمٌّ ومن يمَّمْتُ خير ميمم
وعندما أرسل إليه كافور مالاً ليبعده عن هدفه. نظم له قصيدة.يقول:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
لقد ضاق صدر الشاعر الكبير بذلك الذي لقيه بمصر،ولم يُطق بعده اصطباراً، فرحل إلى الكوفة رحيل هارب لا رحيل مودع مشيع، فلم يعد له ما يتعزى به بعد وفاة أبي شجاع فاتك. وفي ليلة عيد الأضحى قال الشاعر قصيدته الحزينة الثائرة التي مطلعها:
عيدٌ بأيَّة حال عُدت يا عيد بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد
أما الأحبَّة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيدُ
نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد
ألعبدُ ليس لحرٍّ صالحٍ بأخٍ لو أنَّه في ثياب الحرِّ مولودُ
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إنَّ العبيدَ لأنجاسٌ مناكيد
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن يسيء بي فيه كلب وهو محمود
من علَّم الأسود المخصيَّ مكرمةً أقَوْمُه البيضُ أم آباؤه الصيدُ
وقد هجا فيها كافوراً هجاءً مرَّاً، وارتحل إلى الكوفة.
الحكمة عند المتنبي: هي ثمرة تجربة حياتية وتفكيرٍ عميق. فهو رجل آلامٍ وأطماع، ورجل ثقافة واطلاع، أفاد ممن سبقه من فلسفة الإغريق والشيعة. فمن حِكَمِهِ:
- وكُلُّ شجاعةٍ في المرءِ تُغْنِي، ولا مِثلُ الشجاعةِ في الحكيمِ
- من يهنْ يسهل الهوانُ عليه، ما لجرحٍ بميِّتٍ إيلامُ
- وكلٌّ يرى طُرْقَ الشجاعةِ والنَّدى ولكنَّ طبعَ النَّفسِ للنفسِ قائدُ
- وإذا خامر الهوى قلبَ صبٍّ فعليه لكلِّ عينٍ دليلُ
- يفنى الكلامُ ولا يحيط بوصفكم أيحيطُ ما يفنى بما لا يَنْفَدُ
- ولمَّا صار وِدُّ النَّاسِ خِبَّاً جزَيتُ على ابتسامٍ بابتسامِ
- وصِرتُ أشكُّ فيمن أصطفيه لعلمي أنَّه بعضُ الأنامِ
وفي قصيدته الوداعية لسيف الدولة، عندما غضب منه ابن خالويه، يعاتب سيف الدولة ويفخر بنفسه بطريقة مبالغ فيها. فيقول:
واحرَّ قلباه ممَّن قلبه شبمُ ومن بجسمي وحالي عنده سقَمُ
ما لي أكتِّمُ حبَّاً قد برى جسدي وتدَّعي حبَّ سيف الدولة الأممُ
إن كان يجمعنا حبٌّ لغرَّته فليتَ أنا بقدر الحبِّ نقتسمُ
يا أعدل الناس إلاّ في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصمُ والحكمُ
سيعلم الجمع ممَّن ضمَّ مجلسُنا بأنَّني خيرُ من تسعى به قدمُ
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ
إذا رأيتَ نيوب الليث بارزةً فلا تظنَّن أنَّ الليث يبتسمُ
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفُني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
وعلى أثر هذه القصيدة اضطرب المجلس، وطالبت حاشية الأمير بقتله، فاضطر عند خروجه لإشهار سيفه لتفريق جماعة من الغلمان،اعترضوا طريقه، واختبأ في أحد البيوت قبل هجرته.
هذا وأثير نقاش بين الحضور حول الفترة التي عاشها المتنبي في مصر ومدحه لكافور الحاكم الأسود الذي لم يشعر الشاعر بميل تجاهه ولا لحظة، لذلك يعتبر شعره فيه فقط من أجل التكسب، فهل هذا الأمر يقلل من احترام الناس له، أم أن شعره العظيم، وقيمته الأدبية طغت على هذا النقص؟؟