الموقف المركب
الأسير المحرر سيطان الولي – 14\10\2008
يرتكز الرأي أو الموقف من مسالة ما, إلى عوامل استقامة,
من الضروري توفرها لدى صاحب الرأي, لكي يتمكن من إبداء
راية فيها, وتكوين موقفة الأكثر تطورا والأكثر قربا من
الصواب, في إطار تناوله لمسالة ما مطروحة للحوار
والنقاش.
إن حرية الرأي, حق ثابت لكل إنسان, مهما كان مستواه الثقافي, وهو حق مصان,
لا تحجبه عنة مؤسسة أو أي جهة أخرى, ولا تصادره
منة, تحت أي حجة أو أي سبب كان, وهو حق عام يتمتع بة كل
إفراد المجتمع, ولا ينحصر في فئة أو نخبة معينة.
تأتي عوامل الارتكاز التي يتكون على أساسها الموقف, ويتبلور من خلالها الرأي, كإطار
منهجي عام, يهدف إلى إضاءة الزوايا المعتمة في التوجه
نحو تطوير الأداء الذاتي, ورفع مستوى الحوار والنقاش, وإنشاء المواقف الهادفة إلى
الوصول إلى نتائج بنِاءة ذات فائدة في موضوع النقاش,
للمساهمة بجدية في عملية البناء ا لاجتماعي.
العوامل المؤسسة للتفكير
العامل الأول: هو مستوى الذكاء الفردي,
الذي يؤهل صاحبة لإنتاج أو إعادة إنتاج الفكرة, من خلال قدرته
الذهنية على التحليل والتركيب والإبداع وإبراز
الموهبة في تعليل وتسويغ الموقف وتدعيمه بالموجبات المنطقية والواقعية,
ورفده بالمعلومات التي تجعل منة موقفا مستحدثا متطورا وجديدا.
العامل الثاني: هو المستوى الثقافي, ومستوى التحصيل العلمي,
مما يجعل الفرد قادرا على الإحاطة والشمول, والولوج بسهولة في الموضوع,
والنظر إلية في موضعه, وارتباطاته, وعلاقاته بمواضيع وشئون أخرى, والعوامل المؤثرة
بة, ذاتيا وموضوعيا.
ويعتبر المستوى الثقافي, المخزون المعرفي العام الذي يستحضره المرء في بناء موقفة,
والرصيد الفكري الذي ينشئ على أساسة هذا الموقف منهجيا,
ويتناسب الموقف المتطور طرديا مع المستوى الثقافي للفرد.
العامل الثالث: هو حجم التجربة, فان الإنسان المجرب يتقن الطرق الأكثر صوابية
لتكوين الموقف, وتتكون لدية القدرة على تجنب الأخطاء,
نسبيا بحكم التجربة, في طور بناء موقفة من القضية المطروحة, ولا تعفيه
التجربة في الحياة, من الوقوع بالأخطاء مجددا,
إنما تؤهله للتقليل منها ومن مخاطرها, والاستفادة
منها, في توظيف المعرفة المخزونة لدية في تقويم راية
وموقفة.
من البديهي القول إن هذه العوامل المؤسسة للتفكير, ليست
قالبا جامدا, إنما هي إطارا مبسطا لتوضيح معالم الطريق
الذي يسلكه الفرد في سبيل تكوين الرأي والموقف, وهي بلا شك,
متفاوتة بين الإفراد, في حالة مستوى الذكاء والمستوى الثقافي وحجم التجربة.
هذا التفاوت لا يمنع ذوي المستويات الأخرى, من
المساهمة في صنع القرار والمشاركة في الحوار أو النقاش, والإدلاء بالرأي, ولا يؤهل
ذوي المستويات العليا للاستفراد بهذه الخاصية, بل إن التفاعل بين كافة المستويات,
أمر في غاية الأهمية, من حيث الارتقاء بالحالة العامة
لأفراد المجتمع, وتأهيل الجميع للولوج في المشاركة بالأمور التي يجري بلورة الموقف
حولها. ومرة أخرى من المهم التأكيد على إن حق إبداء الرأي, هو حق عام للجميع بغض
النظر عن المستوى الذي يكون علية الفرد. فهذا الحق ملازم
للإنسان لكونه إنسان وليس لأي صفة أخرى.
لا يخل أي إنسان من النشاط الذهني, ولا يستثنى أي عقل من
خاصية التفكير. وكل رأي أو موقف, هو نشاط ذهني فردي,
ينشط به العقل مستخدما المخزون المعرفي والثقافي المكتسب لدى الفرد, بحجم هذا
المخزون قليلا كان أو كثيرا. ومن حق كل فرد في هذت الحالة أو تلك, الإدلاء براية
والتعبير عن موقفة, ومرة أخرى تتناسب صوابية الموقف طرديا مع مستوى المخزون المعرفي
والثقافي للفرد.
المنطلقات المؤسسة للموقف
أولا... المنطلقات الثابتة..
فان كل موضوع وكل مسالة, تتطلب موقفا إزاءها, ينظر إليها أولا من خلال المنطلقات
الثابتة التي تشكل القاعدة الراسخة التي لا تتبدل ولا تتغير في المنظومة الفكرية
والتاريخية والإستراتيجية للمجتمع, ومنها يتم الانطلاق نحو رسم معالم هذا الموقف...
وهو الخط البياني الأفقي.
ثانيا... المنطلقات المتغيرة..
على أساس الثوابت, ينظر ثانيا إلى المنطلقات المتغيرة, وهي الأدوات والوسائل
والخطوات المرحلية التي يمكن التعامل معها وفقا لاجتهادات تتميز بالمرونة والاختيار
الحر للوسيلة التي يتطلبها الأمر المنظور إليه,
وتشكل جزءا حيويا من الموقف ذاته... وهو الخط البياني ألعامودي.
المنطلقات الإبداعية
تأسيسا على العوامل المؤسسة للتفكير, وانطلاقا من الثابت والمتغير في بلورة الموقف,
يتخذ الإبداع مكانا في استكمال بلورة الموقف, والإبداع, حالة من الإضافة التي
يجتهد العقل إلى تكوينها, لتشكل مع المنطلقات الثابتة والمتغيرة, الموقف المركب.
والإبداع هو الخط البياني الثالث الممتد نحو العمق.
على ضوء ذلك, واعتمادا على الطريقة الهندسية هذه, نحصل على الشكل الثلاثي الإبعاد,
وهو الموقف المجسد الذي نشأ نتيجة العلاقة بين عوامل التفكير ومنطلقات تكوين
الموقف. ويكبر حجم هذا المكعب ويتغير شكله وفقا للقيم المعطاة لكل خط من الخطوط
البيانية, وهذا ما عنيته بعلاقة التناسب الطردي بين صوابية الموقف وكل من العوامل
المؤسسة للتفكير والمنطلقات المؤسسة للموقف.
المؤثرات
وهي جملة العوامل الخارجية المحيطة بموضوع النقاش المتعلقة والمؤثرة به , ومنها:
_ العامل الاجتماعي العام, ومدى تقبله للموقف المتخذ.
_العامل السياسي, ومدى استيعاب القوى المختلفة, والرأي العام لهذا الموقف.
_الظرف ألزماني والمكاني, ومدى ملائمة الموقف لهما.
_الظروف العامة التي ينشغل بها المجتمع, ومدى مناسبتها لطرح الموقف.
_المتغيرات الناشئة والمستحدثة التي تتعلق بالموضوع, وضرورة أخذها بالاعتبار في
تطوير الموقف.
إن هذه المؤثرات وغيرها, تعمل على صقل الموقف وتشذيبه, لتجعل منه صوره مناسبة, أكثر
دقة للواقع المعاش وظروفه, وتجعل منه شكلا ماسيا, متعدد السطوح, تضفي عليه المرونة
الملائمة في عكس بريقه الإبداعي بنظر المتلقي, وقدرته على, الانتقال من حالته
النظرية إلى الحالة التطبيقية بصوره واقعيه تضمن تحقيق الهدف من وراءه.