لؤلؤة الحرية في محارة الحضارات
أملي القضماني - 02\11\2008
قضية الحرية هي قضية الإنسان منذ أن وجد، دائما تشده ويعمل من أجلها، أحياناً يعبث
بها ، أو يمارسهاعلى غير هدى، دون وعي أو إدراك أو إحساس بالمسؤولية، لذلك ترتد
لتنتقم منه بالفوضى والميوعة والإنفلات، فيصب جام غضبه عليها وهي ليست السبب..
فيعود الى محاسبة نفسه وبناء قيم جديدة ومباديء إنسانية جديدة بحثا عن علاقة
إجتماعة راقية ،وحياة كريمة، وهكذا تسير الأيام والصراع قائم بين رغبة الإنسان
بالحرية وما تحمل معها من مؤسسات وأنظمة تحاول من خلالها خلق توازن وإقامة مجتمع
العدل والحق، وبين البدائية وأحيانا الحيوانية الهمجية المتأصلة به منذ العصور
القديمة منذ بدء الكون،
للأدب والأدباء والمفكرين، والمبدعين دور فاعل في تنشيط هذه الحركة، وتحويلها
للمجرى الصحيح بلإستفادة من خبرة وحكمة الأقدمين التي تحولت الى طاقة كونية تلتقطها
عقولهم النورانية النشطة ليبدعوا لنا أفكارا حديثة تنشر الحرية وتؤسس لمجتمع
العدالة الذي هو أصلا موجود بصلب ديننا الحنيف وبجوهر إسلامنا الذي عبثت به عقول
ظلامية لا تفقه من الدين الا إسمه...
إذا أوغلنا قليلا بعمق التاريخ بحثا عن منبع الحرية لوجدناها تلازم عقول الفلاسفة
والحكماء في كل الأجيال،
ونراها في وعي وإدراك الانبياء والعلماء تواكب تطور العقل وتزيده نموا ووضوحا، وهي
شرط إنطلاق المعرفة و إشراقة نور العقل،
إذن الحرية أثمن ما في الوجود إذا اقترنت ممارستها بشرعة العقل والمنطق السليم ،
لذلك يجب العودة دائما للأرتواء من آداب وفنون بعض الحضارات(الشرقية) ، التي كونت
إنسانية الأنسان بالمعنى الكامل للكلمة ، من أجل أن نرتفع فوق مقاييس الواقع التي
هي بأغلب الأحيان سطحية بنظرتها للغير، وغرورها وإبتعادها عن الطبيعة، والنقاء،
لنصنع سلما للنمو والإستنارة وقواعد الإلتزام بالحس والفكر والكلمة التي تكتب، يجب
أن تقرأ جيدا وتفهم جيدا،
إنَّ طبيعة الإنسان البسيطة وجوهرة الصافي وطلبه للخير والحق والجمال والمعرفة
والعلم والحب تنعكس على مرآة البحث في ذهنه على مدى الأجيال، فالأنسان لا يمكنه أن
يعرف ويفكر بدون قدوة وصورة وكلمة ترافق وجوده وتتجذَّر في تلافيف دماغه وتنبض في
شرايينه وفي فؤاده..
لذلك نرى الإنسان اليوم يتخبط منبهرا بأحرف تكتب بفورة اللهو واللعب والعبث لتجعل
منا أناس قلقون مكتئبون مفككون، لذلك نحن بأشد الحاجة الى إستجلاء طرق التطور
وإستعادة القوة والثقة بالنفس ، وأن نتقبل نتاجنا المعنوي الموغل بالتاريخ بعقل
مستنير وذهنية منفتحة على الجديد والقديم في آن معا لنمزج بينهما بما يناسب
انتماءنا وعقيدتنا وطبيعة بلادنا، لا أن نعيش بين جدولين دون ان نبحث عن مكان
التقائمها معا فنضيع { ونصبح كالبجعة التي حاولت تقليد مشية الحجلة فخسرت مشيتها
ولم تتقن مشية الحجلة}
في هذا السياق على أدبائنا وعلمائنا ومفكرينا النبش في كنوز حضاراتنا ومخابئها،
وإزالة غبار الزمن المتراكم عليها وتلقيحها بالحضارات الجديدة،ونهضتها العلمية
والتكنولوجية ومزجناها بخير ما لدينا من تراث معنوي وإنساني، وحضاري بنظرة واقعية
وفكر مستنير وحرية وإحترام الإنسان لوصلنا لقيمة عالية من حياة راقية وملتزمة
بأدابنا وسلوكنا التي باهينا بها الأمم في يوم من الأيام..
فالانسان الحديث العادي لكثرة ما غشيت بصره تقنية الغرب وماديته وتأثره ببهرجته
أصبح إنسانا ناقصاً لأنه ياخذ القادم بتماهي يحرمه لذة إنتمائة لأصالته الشرقية،
وحضارته العريقة، وتاريخه المجيد، وإنسانيته المهذبة..(وهل ننسى أننا من صدَّر
العلم والتطور للغرب!!؟؟)