قصص قصيرة جدا - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


قصص قصيرة جدا
نضال الشوفي – 05\11\2008

الغريب
قريبا من البحر، عاش إعرابي حياة رتيبة هادئة، يصطاد ويزرع من حوله الأرض، هانئا لا يؤرق حاضره شيء. حتى رأى ذات يوم غريبا يرسو عند نهايات الموج، يجوس المكان بثقة كأنما يعرفه منذ أمد، يطيل من حوله التفرس دون أن يسأل عن شيء، ثم يتقدم من شجرة سامقة قرب باب العربي، يستل سكينا ويشرع بنزع اللحاء ، ثم يحفر عميقا على الجذع العريض رموزا وحروفا غريبة الشكل، حين ينتهي، يعيد مديته إلى مكانها، ويعود كما جاء إلى البحر. يتسمر العربي متوجسا من غريب جريء الخطى، جاء فقط ليعود أدراجه مخلفا ذاك الأثر. يتعقبه العربي بنظرات ذاهلة حتى يغيب، ثم يمضي في أعقابه، يمحو نقش أقدامه على الرمل، ويعود إلى الجذع الثخين يتأمل فيه خطوطا مبهمة تأجج في رأسه وساوس الشك. يطيل التأمل فلا يفقه شيئا، فينطلق لداخل بيته ويعود حاملا فأسه، وينهمك بقطع الشجرة، يضرب ويضرب على الجذع الهائل أياما متوالية، وعلى مر الزمن، يصير العربي حطابا، يستنطق فأسه أشجار البستان عن أثر الغريب، حتى تغدو الأرض من حوله خواء، ونهاية الدرب فيها متاهة.

ما تبقى
عتمة المغيب تفكك البيت أجزاء: ( منضدة، لوحة حائط، ستائر، ضوء مدفئة، بريق كأس من زجاج رقيق، وأريكة فارغة ... ) آخر ما يضج في فضاء المكان، سقط ديوان شعر تملص ببطء منزلقا من بين يديه. آخر ما يحدث خلف الجدران السميكة، انفكاك روح، هامت تحت المطر عن جسد بارد ثقيل، لكنها في حمّى البحث عن مخرج، لم تكسر زجاج النافذة، لم تسلم صفحات الكتاب لعبث الريح.

ارتباك
لأنه كان يرتعش من البرد كأوراق الشجر، سقط مفتاح البيت من يده فوق التراب المعشب.
لأنه خشي أن يخونه عود الثقاب الأخير لديه، انكسر تحت إصبعه، وانقذفت شعلته إلى وجهة ما.
لأنه يرتعب من الكلاب الضالة المنفلتة في العتمة على هواها، وجد نفسه وحيدا مكورا داخل زنزانة، وقضى الليل خائفا من بزوغ النهار.

مساكنه
حين كانت تساكن قلبه امرأة، كان يستوطن عقله الخوف من الأيام .
وعندما تبدد مدخر العمر بهفوة، ألقى بنفسه في مضطرب الزحام، بحثا عن أول امرأة تتلقف نظراته، وترضى مساكنة فقره بقية العمر.