اذا كنتم لا تفهمون ما المقصود بالأزمة
المالية العالمية فانتم لستم الوحيدين (الجزء الاول)
أسامة العجمي - 09\11\2008
Excellence & Caliber a.e.s.
"إن النقطة الحاسمة سيداتي وسادتي هي الطمع. فالطمع يؤثر في
كل شيء ويوجد في كل شيء. الطمع في الحياة، الطمع في المال، الطمع في الحب، الطمع في
المعرفة، كل ذلك قد أثر على الزحف المتصاعد للجنس البشري". ((عن فيلم وول
ستريت،أوليفر ستون 1987)).
تروي صفحات التاريخ لنا عن احداث عظيمة تركت بصماتها على مستقبل شعوب الارض، لحظات
عصيبة كاندلاع الحروب والابادات الجماعية – ولحظات سعيدة، كالتوقيع على معاهدات
السلام أو اكتشاف علاج جديد لأحد انواع السرطان. بالنسبة للأزمة المالية الحالية
التي تعصف بالعالم منذ أكثر من عام، أشك بأن التاريخ سينسى تكريس العديد من صفحاته
البيضاء لها، ربما لتبقى مرجعا لأولئك الذين لم يولدوا بعد.
نظرا الى فوز الازمة الحالية بلقب الازمة الاعنف والاكبر منذ ايام الكساد الكبير في
سنوات الثلاثين من القرن المنصرم وربما تكون اكبر منه،تتعاظم الاصوات المنادية
"بإعدام" النموذج الاقتصادي الامريكي أو "الرأسمالية الشريرة" كما يسميها معظم
العامة. إن عمق الازمة الحالية وصل الى حد زعزعة دعائم السوق الحر لدرجة أن تنهض من
تحت التراب مصطلحات نسيها العالم منذ زمن طويل، كلمات كالاشتراكية، الشيوعية وحتى
الاقتصاد الاسلامي لتظهر في عناوين الصحف العالمية مطالبة باعادة التفكير في
تطبيقها.
على الرغم من الحقائق، المعطيات وجميع العناوين التي تصف مدى سوء القطاعات المالية
والصناعة وتأثرها بالازمة، فإن الطمع وغياب الرقابة الحكومية على عمل الاسواق لم
يكونا السبب الوحيد في تفشي حمى الفوضى العالمية بل إن هناك شريكا خفيا مسؤول
بالقدر نفسه وليس اقل عن الازمة المالية – تدخل الدولة في عمل الاسواق واخذ مهمة
"مخلص الفقراء"، وهنا اقصد حكومة الولايات المتحدة!
رسالتي لكم، كلنا شركاء في الازمة الحالية بشكل أو باخر وكلنا سنتأثر بها ،ان لم
نبدأ باحساس تأثيراتها علينا كمواطنين عاديين.
اذا، كيف سمحنا بحصول انهيار شامل في الاقتصاد العالمي؟ هنا التفسير، خطوة بعد
خطوة، خطأ بعد خطأ.
إن جذور الازمة تعود بالفعل الى عام 1998، في هذا الوقت بدأ الكثيرون بالالتفات الى
سوق العقارات (נדל"ן) نظرا للفرص الكامنة للربح في هذا المجال، فالاراضي هي المنتج
الوحيد الذي توقف تصنيعه منذ زمن بعيد.
في العاشر من مارس عام 2000 إنفجرت فقاعة* اسهم ال"دوت . كوم" (شركات التكنولوجيا
والانترنت) بعد أن وصل مؤشر ناسداك الامريكي الى مستويات قياسية عند ال – 5046
نقطة، حاملا معه الاقتصاد العالمي الى مرحلة من الانكماش.
السنة هي 2001، والبنك المركزي الامريكي مشغول في معالجة أضرار التباطئ الاقتصادي
وانهيار وول ستريت عقب تلاشي الفقاعة التكنولوجية عام 2000، وعندها يصل سبتمبر 2001
ومعه هجمات القاعدة على قلب الامبراطورية الامريكية مطلقا العنان لموجات من الذعر
وانعدام الثقة لدى المستثمرين والاسواق العالمية وتراجعا سريعا للمؤشرات الاقتصادية
والصناعات الامريكية، كالسيارات والطيران.
" ألان غرينسبان" محافظ البنك المركزي الامريكي في ذلك الوقت يعلن عن بداية سلسلة
من التخفيضات في نسبة الفائدة التي يجبيها البنك المركزي (ריבית פריים)* لتصل في ال
25 من يونيو من سنة 2003 الى اخفض نسبة لها منذ 45 عاما، 1% فقط.
إن نسبة منخفضة من الفائدة تسمح للأشخاص أن يستقرضوا نقودا بسهولة و"تمنعهم" من ان
يوفروا. عندما يكون "ثمن النقود" منخفضا، من الافضل أن تقترض وتبذر من أن توفر
للمستقبل. نسبة منخفضة للفائدة تشجع الشركات والمصالح لان تتوسع وتزيد من مصاريفها
عن طريق الاستثمار في البنى وغيرها، وتثنيها من إدخال اموالها في حسابات مصرفية غير
جذابة(بسبب الفائدة المنخفضة على الايداعات).
لقد استجاب الشعب الامريكي بسعادة مفرطة لسياسة الاستهلاك الجديدة، ففي غضون بضع
سنوات هبطت نسبة الادخار من مجمل الدخل الصافي لدى العائلة المتوسطة من 3% الى نسب
سلبية – جاعلين من البلاد "فردا مستهلكا كبيرا" ديونه أكبر من دخله. أمة ال- OVER
DRAFT* قد وُلدت.
في الفترة ذاتها يبدأ عصر جديد من النمو والازدهار الاقتصادي في الدول ذات
الاقتصاديات النامية في آسيا، أمريكا الجنوبية ودول شرق اوروبا. قام المستثمرون بضخ
أموالهم في هذه الدول مانحين عملاتها الوطنية قوة وارتفاعا لم تشهده من قبل ما أدى
الى ارتفاع سعر سندات القرض الخاصة بحكوماتهم *(אגרות חוב ממשלתיות). إن ارتفاع سعر
السندات المالية يؤدي الى انخفاض في نسبة الفائدة عليها. النتيجة – لم تنخفض نسبة
الفائدة للبنك المركزي في الولايات المتحدة فقط وانما في العالم كله. تحول الائتمان
(אשראי) لعملة مطلوبة أكثر من النقود، وأصبح للمرة الاولى ممكنا لبعض الاحلام أن
تتحقق، كشراء منزل.
بقيت نسبة الفائدة الخاصة بالبنك المركزي عند 1% لسنة كاملة. في يونيو من عام 2004
بدأ البنك المركزي الامريكي في سلسلة بطيئة من رفع الفائدة. أثناء هذه الفترة
الطويلة من النسب المنخفضة للفائدة إتسع سوق الرهن العقاري (שוק המשכנתאות)
الامريكي، خاصة لدى افراد الطبقات السفلى في السلم الاجتماعي – الاقتصادي.
كان لدى محافظ البنك المركزي آلان غرينسبان وحكومة الولايات المتحدة آمال عظيمة في
منح العائلات ذات الدخل المنخفض فرصة في تحقيق الحلم الامريكي – شراء منزل خاص.
هذه العائلات وآخذي القروض صُنفوا ضمن فئة ((مقترضين خطرين)) – סאב פריים*، أي انهم
أفضل بشكل اقل من مقترضي ال – פריים.
ان سلسلة التخفيضات في نسبة الفائدة لدى البنك المركزي مكنت من عرض قروض مرهونة
بعقارات (משכנתאות) رخيصة جدا، حتى عندما لم يكن لدى المقترضين من النقود ما يكفي
لدفعة أولية كبيرة.
هذا السوق أخذ بالكبر تدريجيا، حيث فاز بدعم شركات قروض الرهن العقاري، أكبر شركتين
في السوق كانتا "فريدي ماي وباني ماك". نظرا الى كون الشركتان تحظيان بدعم من حكومة
الولايات المتحدة (لرغبة الدولة في منح اكبر عدد من العائلات القدرة على شراء
بيوت)، ظن الجميع ان القروض والسندات المالية لهاتين الشركتين هم "استثمار مضمون".
القروض الرخيصة مكنت العديدين من شراء منزل خاص – البعض تمكن من امتلاك منزل للمرة
الاولى في حياته، البعض اشتروا بيوتا وعقارات بهدف الاستثمار والربح.
الاحلام تحولت الى حقيقة وبدا للجميع أن المكاسب والربح فعلا تتوزع على جميع
الاطراف، حكومة الولايات المتحدة، وول ستريت، ملاك المنازل، مستثمرين اجانب في
الاسواق العالمية وحتى فقراء امريكا.
مع الوقت بدأت أسعار المنازل بالارتفاع بشكل متواصل نظرا لارتفاع الطلب عليها.
عندما ترتفع اسعار المنازل تكبر قيمة الضمانات المقدمة للمصارف وشركات الرهن
العقاري (חברות המשכנתאות) وذلك لان فرصة البنوك في استرجاع القرض الذي اخذوه اصحاب
المنازل اصبحت اكبر، بسبب ارتفاع قيمة املاكهم.
من ينظر الى سوق البيوت الامريكية في ذلك الوقت قد يعتقد بان ارتفاع الاسعار سيستمر
للابد، فكيف تصرف الشعب الامريكي وخبراء وول ستريت حيال هذه الفرصة الثمينة؟
*فقاعة اسهم التكنولوجيا : في منتصف التسعينيات بدأت الصناعات التكنولوجية
كالانترنت والاتصالات تاخذ منحنى جديدا من التطويرات والاختراعات لتجذب اهتمام
المستثمرين، آملين في تحقيق مكاسب كبيرة في هذا المجال، ضخوا مليارات من الدولارات
لشراء اسهم الشركات القيادية والثانوية في قطاع التكنولوجيا مما دفع باسعار الاسهم
الى الارتفاع بشكل هائل،. لكن مع بداية الالفية الجديدة تبين للبعض بان الوعود
والامال التي بنيت على هذا القطاع كانت ابعد بكثير من حدود الواقع. فادى ذلك الى
بدء بعض المستثمرين العدول عن هذا القطاع وبسرعة تبدأ سلسلة من بيع لاسهم الشركات
لتهوي اسعارها الى الحضيض ومعها قيمة هذه الشركات.
*ריבית פריים – نسبة الفائدة التي يجبيها البنك المركزي على القروض التي تأخذها
البنوك التجارية في الدولة، تتحدد النسبة بشكل شهري بقرار من البنك المركزي. تؤثر
نسبة الفائدة على الاقتصاد والمصالح ذلك ان نسبة فائدة عالية تمنع الشركات
والمستثمرين من اخذ قروض عالية بهدف الاستثمار نظرا لارتفاع كلفة ارجاعها، والعكس
صحيح.
*over draft- משיכת יתר.
* אגרות חוב ממשלתיות – سندات قرض تطبعها الدولة وتعرضها للبيع على سكان الدولة
والاجانب بهدف جمع المزيد من النقود(وسائل اخرى هي طبع النقد وجمع الضرائب)لتمويل
نشاطاتها . لهذه السندات انواع عديدة تفرقها عن بعضها بنسبة الفائدة التي تعطي
لحاملها وطول الفترة التي تمضي حتى ارجاع الدولة للقرض. تعد هذه السندات منتوجا
تقليديا يتأثر سعره ايجابيا أو سلبيا بالطلب عليه، اما الفائدة التي تعطيها فتقل
عند ارتفاع سعر السند وبالعكس.
* סאב פריים – اسم اطلقته المصارف وشركات القرض العقاري على فئة المقترضين ذوي
تاريخ "مقلق" في الاقتراض (לווים בעיתיים).
إقرأ أيضاً: