ملاحظات أولية حول ديوان الشاعر ياسر خنجر
«سؤال على حافة القيامة»
فوزي أبو صالح – 09\11\2008
(قرأت في الأمسية الشعرية في مركز فاتح المدرس للشاعر ياسر خنجر حول ديوانه الجديد
"سؤال على حافة القيامة")
للفن، سواء أكان رسماً، موسيقى، سينما، أو الفنون الأدبية من مسرح وقصة، رواية
وشعر، هناك توجهان أساسيان:
1. الهدف أن أستمع، متعة حسية تعتمد العين والأذن أساساً. تنتهي المتعة مع انتهاء
السماع أو الرؤية.
2. الهدف متعة عقلية – ذهنية، بدايتها العين والأذن وصولاً للتفكير.
الفروقات بين هذين التوجهين في مجال الشعر تظهر في عدة نقاط منها:
- التوجه الأول يبرز فيه الوزن، الموسيقى والقافية كعامل أساسي ولا بد منه، بينما
في التوجه الثاني تبرز الصورة كعامل أساسي، الانطباع والأثر الذي يتركه العمل الفني
في نفس المتذوق.
- في التوجه الأول يغلب التقرير: مدح، وصف، هجاء، غزل... بينما في الثاني يغلب
السؤال، ويشتق من هذا أن الأول يقدم الحقيقة كاملة: قصة حب تنتهي بمأساة أو
بالزواج، لوحة واضحة لا نقص فيها... بينما في الثاني يبقى الأفق مفتوحاً على عدة
إجابات، وكأنه عمل مقتطع من سياق، فيه ما قبله ويليه ما بعده، مليء بالأسئلة التي
تبحث عن جواب.
- موضوع التوجه الأول خارجي أساساً، بينما الثاني داخلي: ذات الأديب أو الفنان وما
يعتريها من أحاسيس ومشاعر وما تعاني من صراعات وانفعالات. وبهذا فإن الفن في الأول
هو انعكاس للواقع شبه مطابق له، بينما في الثاني يعتمد على الواقع كخلفية بهدف
تغييره والبحث عن زوايا الجديد فيه، التخلص من النمطية والثوابت والتكرار للوصول
للإبداع والتقدم.
- أخيراً الفن الحديث يصل لهدفه بشكل غير مباشر عن طريق الرمز يومئ للجديد من بعيد
وعلينا أن نسعى لاكتشافه.
من هذا المنطلق يمكننا أن ننظر للديوان على أنه يمثل الشعر الحديث، وخصوصاً شعر
التفعيلة، وما يميز الديوان ككل هو:
1. الديوان ثلاثة أقسام: القيامة، الجسد، الحب، وما يجمع بينهم هو الحافة: المرحلة
الانتقالية قبيل الوصول للهدف (القيامة الجسد والحب). كل قسم يبدأ بمقدمة من سطرين،
مع مقدمة للديوان من أربعة أسطر، وكل قصيدة تنتهي بمقطع أخير وكأنه تكثيف موجز لها.
2. الديوان ككل مليء بالرموز، خاصة في قسمه الأول، مستقاة من الأساطير السامية
واليونانية، ولا يمكن فهم الديوان دون فهمها: الحلاج، تموز، أورفيوس، بعل، عناة،
هادس والمسيح.. وهدف الرموز هنا واضح: كلها تتعلق "بالحافة" بين عالمين: الموت
والحياة، القديم والجديد، والانتقال من الأول للثاني.
- الحلاج كمثال من الفكر الصوفي الذي يبحث عن التجدد والبحث من خلال الاستغراق في
الموت أو في ذات الله ونسيان كل ما هو دنيوي ومنه الجسد.
- تموز الذي يموت في الصيف ويتجدد مع الربيع سنوياً.
- أورفيوس الذي يحاول استرجاع حبيبته من العالم الآخر فيفشل ويقضي بقية عمره يبث
ألحانه شوقاً لها.
- المسيح الذي قام بعد أن صلب.
- مضمون الديوان الأساسي إذا هو التضاد بين عالمين:
1. عالم الواقع الساكن، اليابس، المتصحر، المحدود وما يحتويه من قيود مختلفة:
السجن، التراب، الظلام، العتمة، الصمت...
"هذا أنا
لا شأن لي بأجسادكم
سفك الوقت أحلامها
ففاضت يباساً"
2. عالم الحرية المنعتق من القيود، المليء بالحب، المرموز له بالريح والنور والغيوم
والوعي...
"مترع بشقاء الحنين
اتشظى بين حتمية السماء واحتمالات التراب"
كيف ننتقل من العالم الأول للعالم الثاني؟ عبر فتح بوابة الأمل، فتح الشبابيك على
اتساعها على الأفق اللا متناهي، على الحلم بغد أفضل.
أحياناً يكون الحلم بالحنين للطفولة، للبراءة الأولى، لحب الأم غير المشروط. ولا
يمكن ولوج بوابة الأمل إلا عبر القلق. القلق الذي يولد الأسئلة.
"اسكب وعي السؤال
لينطفئ غيب الجواب"
هذا الانتقال ليس بمستحيل يكفيه فسحة من الوقت، قبس نور، خفقة قلب، لفتح باب الأمل.
القسم الأول "على حافة القيامة" ربما هو الأهم. طابعه فلسفي مليء بمصطلحات صوفية،
ويمكننا أن نرى فيه مستويين متوازيين:
أ. مستوى الرمز الذي يمثله:
1. الكاهن الكهل "الذي يمضي للحب تحت وهج الأسئلة".
2. الصوفي الباحث عن الله في تعب الأسئلة للوصول للحرية والحب عبر التجدد، الانبعاث
في الخالق (الحلاج).
3. تموز المتواجد بالأرض يموت ويحيا معها.
ب. مستوى الواقع والتي تمثله أنا الشاعر الحاملة لهاجس الحرية، الهاربة من وجع
الأجوبة إلى حرية الأسئلة. أناه التي تشبه بذرة القمح التي تسكن عتمة التراب لكن لا
تألفها انتظاراً لخفقة القلب، سقوط المطر الذي ينبتها من جديد (القصائد الثلاث
التالية).
وهنا يتجلى التناقض بين الجسد الذي من تراب والروح \ الريح المتحركة أبداً بحثاً عن
الأسئلة القلقة دوماً.
القسم في بنائه وكأنه دائرة: أمثلة عن الكاهن والصوفي والإله وصولاً لأنا الشاعر
وتختم الدائرة بقصيدة الضوء الأخير، الوصية:
"لا تنحن للصمت
تلك مهنتك الوحيدة
ولا تحترق من حنين في انتظار الصباح"
لا للصمت والسكون، ولا أيضاً للاحتراق في دهاليز الأمل والضياع، ما الحل إذاَ؟ استمرار
القلق واستمرار الأسئلة:
"أوقد في الريح جمر السؤال
فقد يهتدي عابر ويتوب عن الأجوبة"
في هذا الديوان ، مقارنة بالديوان الأول "طائر الحرية"، نقلة نوعية في الشكل الأقل
غموضاً وفي المضمون الأكثر عمقاً. لكن ما يجمع بين الديوانين هو الحنين والشوق
للبراءة الأولى للطبيعة ممثلة بسنابل القمح والريح والشبابيك المشرعة للريح، لحضن
الأم – الطبيعة، للخلاص من ترسبات الواقع، من سجن وقيود وسكون واحتلال راكمه الزمن
على كواهلنا.