اذا كنتم لا تفهمون ما المقصود بالأزمة المالية العالمية
فانتم لستم الوحيدين
(الجزء الثاني)
أسامة العجمي - 21\11\2008
Excellence & Caliber a.e.s.
Osam.klkla@gmail.com
"من يجب أن يقرر قوانين اللعبة؟ من المسؤول عن اتخاذ القرارات ومصير المجتمعات؟ أهم
رجال السياسة، رجال الاقتصاد ربما؟ الاجهزة القضائية، رجال الدين أو ربما الاقرب
الى العامة.. العاملين الاجتماعيين!
على من يصنع القرار الا يكون ابيضا او اسودا، فقيرا او غنيا، سيدا او عاملا – بل
طفل ابن صفر من الاعوام، خال من الجشع ،الرغبة والكسل. فقط عندها يمكن ان نرى العدل
الحقيقي ولكن للاسف، انتم تطلبون المستحيل.." (جون رولز- العدل والمجتمعات الصادقة
1971).
حتى الآن، مر على بداية الازمة المالية أكثر من السنة، هل هناك احد قادر على إعطاء
إجابات لهذه الأزمة؟ ربما كبار المستثمرين ومتتبعي الأخبار الاقتصادية سيجيبونكم
بالنفي، رغم ان البعض يظن بأنه مدرك لكل الغموض الذي يلف واحدة من أسوا الفترات
التي تمر على الاسواق العالمية والمالية خصوصا منذ ايام الكساد الكبير في ثلاثينيات
القرن الماضي.
لقد ساعد استمرار "الاحتفالات" في سوق المنازل الامريكي في جذب انتباه الصناديق
الاستثمارية بمختلف انواعها في وول ستريت. فوجود منتج (القرض المرهون عقاريا) قادر
على توفير دخل شهري دائم (الفوائد التي يدفعها المقترضين)، يمكننا ان نحوله الى سند
قرض (איגרת חוב) والعملية تتم بالشكل التالي:
نأخذ مجموعة من القروض (תיק) التابعة لبنك او شركة قروض ونبيع للمستثمرين سندات قرض
مبنية عليه (אג"ח מגובי משכנתאות)، على فرض بأن الفوائد المستحقة على المقترضين
ستُحول الان الى هؤلاء المستثمرين عن طريق سندات القرض هذه.
الصناديق الاستثمارية (בתי השקעות) إشترت مجموعات من القروض المرهونة عقاريا،
دمجوها مع بعض، وزعوها الى رزم، قاموا بتسعير كل رزمة على حدة وصنفوها حسب خطورتها
ومن ثم قاموا بتركيبها مجددا بشكل معقد وذكي للغاية، لكي يتمكنوا من الحصول على
أكبر ارباح لهم وللمستثمرين.
في غضون وقت قصير انتشر جهاز استثمار جديد* وهو عبارة عن سندات قرض مدعمة بقروض
مرهونة عقاريا والتي سميت بِ *CDO- Collateralized Debt Obligation، سموها مناجم
الذهب التي ولدتها العبقرية الامريكية. سوق السندات المالية الجديدة هذه نما بشكل
مخيف، المشكلة تكمن بكون أن أحدا من المستثمرين او مدراء المؤسسات المالية لم يفهم
كيفية عمل هذه المشتقات الغريبة )מוצרים פיננסיים מורכבים)، خطورتها او مما هي
مصنوعة بالضبط. الكثير من هذه السندات صنفت على يد كبريات شركات التصنيف الائتماني*
(חברות דירוג אשראי) على انها استثمار عالي الضمان – AAA . السبب في الدفع بلقب
"سندات مالية عالية الضمانة" الى هذه المشتقات كون الخطر فيها موزعا على مئات بل
الاف المستثمرين، في حال سقوط بضع الرزم أو انهيار لاسعار المنازل في احدى المناطق
فان الخطر الاجمالي على كل مستثمر سيكون ضئيلا (لا مشكلة في تواجد بعض التفاحات
العفنة ان كان الصندوق ممتلئا بالثمر الجيد) وذلك نظرا الى قدرة خبراء وول ستريت في
استخدام براعتهم الرياضية في توزيع الخطر (عن طريق استخدام نماذج وقوانين مركبة في
الاحصاء والرياضيات أُوجدت في بداية الستينيات وطوُرت مع الوقت يمكن تخفيض نسب
الخطر في الاستثمار باسواق الاسهم بشكل جذري).
المشكلة بان لا احد توقع هبوطا شاملا لاسعار المنازل في البلاد والذي سيزعزع البنية
التحتية للبرج الورقي الذي بنته وول ستريت.
الصناديق الاستثمارية قامت بالضغط على شركات الرهن العقاري التي بدأت بالظهور
والانتشار كالفطر ليعطوا المزيد من القروض كي يزيدوا انتاجية "ماكينة النقد" التي
اخترعوها. بدورها قامت هذه الصناديق بخلق المزيد من المستندات المالية الغريبة
والاصول المتعددة والتي تعتمد جميعها في الاساس على مصدر واحد – الفوائد التي تُجبى
من المقترضين.
المستثمرين ذُهلوا من الارباح، الرغبة والاندفاع سيطروا على المصارف، بنوك
الاستثمار، شركات التامين والصناديق الاستثمارية من كل العالم. التطور التكنولوجي
في مجالي الاتصالات والمعلومات جعل من الاسواق العالمية الموزعة "سوقا صغيرة" – في
هذه السوق جميع البائعين يعرفون بعضهم وجميع المشترين مدركين لكل ما هو جديد في
السوق، الغيرة تملأ قلوب اللاعبين (بنوك الاستثمار) والافضل هو من يحصل على كل شيء
جديد . في هذه السوق ايضا البائعون وايضا المشترون "سعداء".
في هذا الوقت ظهر مجال جديد – شراء تأمين على سندات القرض.
سندات التأمين هذه سُميت بCDS * - Credit Default Swaps . ضمن فترة قصيرة، نمت
السوق بسرعة وحتى أولئك المستثمرين الذين لم يستثمروا في سندات مالية خطيرة
ومشتقاتها الغريبة، اشتروا لانفسهم CDS على السندات والاصول.
لا تتعجبوا ! الشركة الرائدة في اصدار هذا السند كانت عملاقة التأمين الامريكية
AIG.
على الرغم من كون هذه السندات ومشتقاتها قد أُوجدت على يد نخبة من عباقرة
الرياضيات، الاحصاء والاقتصاد فهي لم تدل فقط على وصول الذكاء البشري الى قدرة
تمكنه من ارضاء رغباته عن طريق تسخير عبقريته بل الى صنع ادوات دمار شامل مخيفة..
النهاية قد بدأت.
شركات الرهن العقاري أهملوا مبادىء الحذر والاحتراس وأقرضوا النقود لكل من طلب. في
بعض الحالات المتطرفة وليست بالقليلة، أقرضوا النقود لأفراد بدون عمل أو دخل دائم
او أية أملاك أخرى وقد أطلق عليهم الاسم – Ninja-(No Income, No Job, and no
Assets) . لقد عرضت هذه الشركات قروضا مرهونة بعقارات ذات نسب منخفضة للفائدة في
البداية، فقط ليجذبوا الاشخاص والعائلات. هؤلاء لم يدركوا بانه عند القيام
بالعمليات الحسابية اللازمة، قد تصل قيمة المبلغ الذي سيرجعونه الى عدة أضعاف بعد
أن تزيد الفائدة بشكل دائم طوال فترة الارجاع (في حال وجود تأخر في الدفع فقد تصل
قيمة القرض مع حساب الغرامات والفوائد الى عشرات الاضعاف).
في شهر مايو من عام 2005 يعلن الان غرينسبان محافظ البنك المركزي الامريكي بأن
الارقام العالية التي وصلت اليها اسعار المنازل في الولايات المتحدة لا تعكس القيمة
الحقيقية لهذه العقارات وان هناك فقاعة في السوق – حقا صدق! لكن الرد كان متأخرا
جدا.
في بداية عام 2006 وبعد ان وصلت نسبة الفائدة الفدرالية الى 4.5% بدأت أسعار
المنازل بالهبوط. أحد المؤسسات الوحيدة التي أدركت بوجود خطر قادم كان بنك
الاستثمارات الامريكي "جولدمان ساكس"، ففي غضون اقل من سنة، قام البنك ببيع جميع
مخزونه من سندات ال CDO ووسط تعجب منافسيه الذين كانوا مشغولين في جرف الارباح.
السوق يستمر بالعمل، الدول تزدهر بشكل رائع وفي هذه السنة – 07' يشهد الاقتصاد
العالمي افضل فتراته منذ بدء تدوين المعطيات الاقتصادية العالمية قبل اكثر من قرن -
وداعا للربيع، لقد جاء الشتاء...
• اجهزة استثمار (אפיקי השקעה) : تعد الايداعات المصرفية (פיקדון בנקאי) من اقدم
اجهزة الاستثمار التقليدية. تعتبر سندات القرض، الاسهم بأنواعها، العقارات
والاستثمار بالعملات، النفط والسلع (שוק הסחורות) اجهزة استثمار ذات نسبة خطر معين
،ففي حال قيام مستثمر بشراء سندات قرض لشركة جنرال موتورز (GM) على سبيل المثال فان
هناك احتمالا بان الشركة قد لا تتمكن من ارجاع القرض للمستثمر. نسبة الفائدة التي
يعطيها السند المالي الذي اصدرته الشركة X تتحدد حسب نسبة الخطر الكامن في قدرة
الشركة على ارجاع القرض، كلما زاد الشك في قدرة المقترض (الشركة) على رد القرض
تزداد نسبة الفائدة التي يعرضها السند وذلك تماشيا مع ميكانيكا السوق الحر (ملائمة
الثمن للخطر).
• CDO - Collateralized Debt Obligation – אג"ח מגובי משכנתאות : هي عبارة عن اجهزة
استثمار متطورة وليدة الهندسة المالية العصرية والمعروفة باسم المشتقات.تتمثل وظيفة
هذه السندات بخفض الخطر في الاستثمارات. قيمة هذه السندات تشتق من أملاك أساسية
كالقروض المرهونة بعقارات، اسهم، سندات قرض أو بضائع والتي تعود "للعالم الحقيقي".
سندات الCDO أُوجدوا عام 97' على يد طاقم من نخبة المصرفيين التابعين لبنك
الاستثمارات "جي.بي.مورغان تشايس" بهدف خفض الخسائر المستقبلية الممكنة على قروض
اعطاها البنك لشركات عملاقة مثل IBM , GM, .P&G سندات ال CDO تضم مئات أو الاف
القروض أو سندات قرض حقيقية . نظرا الى تعقيد جهاز الاستثمار هذا(بسبب صعوبة تحديد
قيمته وخطورته) فانه يصنع على يد أنظمة حاسوب متقدمة جدا.
• Credit Default Swaps – CDS – ביטוח אג"ח : مستند مالي الذي يحمي شراة سندات
القرض. من يشتري سند قرض لشركة معينة يمكنه ان يشتري من مؤسسة اخرى ك AIG- تأمينا
على السند وبذلك يتمكن من الحصول على تعويض من شركة التأمين في حال افلاس الشركة.
اداة الاستثمار هذه ساعدت شركة AIG الامريكية من الحصول على ارباح هائلة في فترة
الازدهار الاقتصادي ولكن انهيار اسعار المنازل وتوقف اصحاب المنازل من دفع الفوائد
كبد الشركة خسائر فادحة كادت ان تتسبب في افلاسها.
• شركات التصنيف الائتماني (חברות דירוג אשראי) : أشهر شركتين في العالم في هذا
المجال هما "اس أند بي" و "موديس" الأمريكيتين. اهمية الشركتين تتمثل في تحديد
الخطر الكامن في المستندات المالية (اسهم، سندات قرض ومشتقات اخرى) التي تعرضها
الشركات المختلفة للبيع للمستثمرين والمساهمين وذلك لتحديد نسبة الفائدة التي
تعرضها سنداتهم المالية. تحديد الخطر يأتي بعد مراجعة اوراق الشركة المالية
وميزانها من أصول، سيولة نقدية، أملاك، ديون وغيرها. مثلا، في حالة حصول سند القرض
الخاص ببنك هبوعليم على تصنيف AAA وهو اعلى تصنيف ممكن، فهذا يعني بان الاحتمال بان
البنك لن يتمكن من ارجاع القرض هو ضئيل جدا وفي حالة حصوله على اقل تصنيف وهو DDD
فهذا يعني بان احتمال افلاس البنك وعدم تمكنه من وفاء ديونه هي عالية جدا .
إقرا أيضاً: