أنا والليل
اياد مداح - 27\11\2008
لن تصدقوا، فهذه هي ثالث مقدمة أكتبها لهذه الخاطرة، ربما، ولدواعي الخصوصية، يجب
ألا أقول هذا لكن، حجم خوفي ساقني الى حالة من الارتباك بالكتابة، المهم، بالنهاية
هذا ما حدث معي في تلك الليلة... أول البارحة، البارحة من أي يوم مضى دون رجعة.
ففي تلك الليلة الشتائية، الكالحة وبينما كنت أهم بالعودة من العمل، وبدون استفاضة
بالشرح، سمعت، مع خروجي من باب زنزانتي، مواء قط، ليس قطة انما قط. كيف عرفت أنه قط
ذكر؟ هي قصة أخرى، قديمة، لن أتي على ذكرها الان. المهم، كان المواء هو الصوت
الوحيد في ذلك المكان، والمواء هو صوت القطط، كما تعرفون، فلا الكلب يموء ولا الذئب
ولا الانسان. كان القط، بالنسبة لي، مجرد صوت، وبالطبع في الشتاء تدور رحى الخيال،
فتخيلت أن هذا القط يتربص بي، رغم أن حجمي يفوق حجمه مرات ومرات، لكن، كما هي
عادتي، أو قل عادتنا المتوارثة، قمعت خيالي وبقيت أنتظر كشف مصدر المواء. لم يخطر
ببالي، بل لم أتذكر أبدا أن هناك شجرة قربي، هي أقدم وأعتق مني في ذلك المكان، وأن
القط متسلق جيد، لكنه متسلق عن حق وليس كغيره. المهم أن القط كان هناك، وكان يموء
قبل خروجي، اذا، فهو لم يكن يموء علي. نظرت حولي، أمامي، ولم أجد شيئا، خطفت نظرة
باتجاه القط فوجدته يحدق أمامه. نظرت حيث كان ينظر ويا للهول، وجدت هناك شيئا
متكتلا أمام ناظري. بداية حدث أنني لم أر ذلك الشيء، رغم أنه لا زال مكانه، ربما
لأنني كنت منشغلا بتتبع صوت المواء، لكن، نظرتي الجريئة، الخاطفة نحو الشجرة،
جعلتني أرى القط ويراني. خفنا حينها من بعضنا البعض، لكن، تأكدت أنا الآن أنه قط
عادي وليس كالقط الذي رأيته في خيالي، ولا بد أنه هو أيضا رآني على حقيقتي وزال
خوفه مني، ان كان قد خاف مني أساسا. الآن زال خوفي من القط، والآن رأيت تلك الكتلة
الجامدة الماثلة بكل جبروتها، بوضوح، وصرت أنا والقط خائفان منها. صارت الأسئلة
كالسياط، تجلدني في كل أنحاء رأسي. الغريب منذ أول المشهد الشتائي الليلي ذاك هو أن
القط لم يعر اهتماما لوجودي ولتحركاتي أساسا، على ما يبدو، فكل ما كان يشغل تفكيره
هو ذلك الشيء المخيف المرعب. ترى هل كان يدور في خيال القط ما كان يدور بخيالي، بأن
ذلك الشيء الرهيب، والذي حجمه أقل من حجم القط، وبالتالي أنا أكبر منهما مجتمعين
بمرات، هو مخلوق مخيف غريب يمكنه ابتلاعي في لحظة، أم أن خياله كان أوسع من خيالي.
الأمر المؤكد هو أننا وقفنا على مسافة واحدة من ذلك الشيء الداكن، إنما أنا كنت
أسفل الشجرة والقط فوقها.
مرت اللحظات بصمت وخوف وكأن كل مدافع العالم موجهة الى تلك المساحة الضيقة. كان
الليل يسرع أكثر فأكثر، وها أنا أقف هنا منذ ساعة وليس في رأسي الا أسئلة الندم:
لماذا تأخرت في العمل؟ لماذا لا أحمل معي مصباحا؟ لماذا ولماذا ولماذا؟؟؟ ولا بد أن
تلك كانت حالة القط، فقد كان يسكت بين الحين والآخر، ولا بد أنه كان يسأل نفسه
الأسئلة ذاتها، انما من وجهة نظر مختلفة. الغريب أن القط يمكنه أن يقفز على السطح
المجاور وينزل من الجهة الأخرى وينجو، انما أنا ليس لدي الا هذه الطريق لأسلكها.
لماذا يا ترى لا يهرب؟! ربما كان يستعد اذا لمواجهة ذلك الشيء. لم يخطر ذلك ببالي
الا الآن! صحيح، وأنا أيضا ما عاد بامكاني الانتظار، نظرت الى القط وكأنه شريكي في
معركة دقت ساعة بدايتها، حملت بيدي حجرا وحملت ساقي وقلبي وعقلي وتقدمت دفعة واحدة،
وأصبحت أمام ذلك الشيء الداكن، يا للهول، انه مجرد حجر!!! حجر!!! حجر!!! حجر حولته
العتمة الى وحش بحجم راحة اليد. نظرت خلفي لأجد القط لا يزال مكانه وكان يموء، لكن،
الآن اتضح لي المشهد أكثر. رأيت قطة الى جانبه، وكانا معا يترقبان القمر حين يطل
تارة ويختفي تارة بين الغيوم، وكلما كان يظهر كان القط يموء، وحين يختفي كان يسكت
ويحدق أمامه وكأنه خجول أمام حبيبته من غياب القمر. لعله لا يحسن كلام العشق الا
بظهور القمر... لم أعرف ماذا أفعل هل أغضب من نفسي أم من القط، أم... لا أعرف...
نظرت حولي، لأتأكد أن أحدا لم يرني، وحين اطمأن قلبي "نفخت" صدري ومشيت بعزم الى
سيارتي. لم أنظر خلفي، فقد شعرت أن كل من خلفي يهزأون بي، لكن، صدري بقي "منفوخا"،
ولم أتذكر أن القط والقطة كانا في مكان وأنا في مكان، ولم أدرك أن الحجر كان يتساءل
عن وقوفي كل تلك الفترة أمامه دون حراك. ما الذي كان غريبا في كل ذلك المشهد، أنا
أم القط والقطة، أم الحجر؟