مقدمة لا بد منها...
الحق أقول أنه، ولأعوام كثيرة، بقي موضوع الباب، أي باب، من أكثر الأشياء التي
تحيرني لكثرة ما للباب من دلائل، رغم أنه من صنع يدي الانسان. حقيقة لا أعرف متى
كان تاريخ أول باب في التاريخ لذلك رأيت أن أشارككم همي مع الأبواب وفرحي أيضا مع
الأبواب. بعد أن انتهيت من كتابة هذه السطور أدركت، أكثر من ذي قبل، كم قد تنبض
الأشياء حولنا بالحياة، وربما أحيانا أكثر من مليون جيل من الأجيال المتعاقبة لأمم
مثل أمتنا التي لا زالت تقيم الحد على كل شيء الا التخلف، الذي يجلدنا ليل نهار،
مهما كان عدد الأبواب التي نختفي خلفها. أكثر ما أثار استغرابي خلال الأيام
الأخيرة، ليس فقط حذاء منتظر الزيدي والحاجة لمثل هذه البطولات، مهما كان حجمها أو
الأداة المستخدمة لتحقيقها، انما أنني قرأت لامرأة تحرض على النساء وتعتذر منهن
قائلة، أعتذر لأنني أقول هذا لكن، هذه هي الحقيقة، لن نستطيع يوما أن نجاري الرجال.
ذكرني ذلك بصديق لي، أشتاق اليه كثيرا، كان يقول لي دائما "هنالك أناس يطلقون النار
على أرجلهم ويتعجبون كيف لا يمكنهم السير" (آسف يا صديقي فأنا لا أستطيع الا أن
أحرف بالنص)، أما الآن شاركوني رحلتي مع الأبواب.
"أنا والأبواب"
إياد مداح - 25\12\2008
الباب بين زنزانتين يفتحهما شرطي ويخرج يصبح طاقة للحرية انفتحت لجهتين كل واحدة
منهما نهايتها جدار وسجن آخر، غريب أمر الأبواب...
...
باب الصف في مدرسة بنات في قِطْرٍ شقيقٍ أو صديق هو آخر مكعب اسمنتي توضع خلفه نصف
أمة ان لم يكن أكثر، ولن أتحدث عن كل الأبواب في مدارس البنات في الأقطار، يا لها
من أبواب...
...
باب زريبة الأبقار يدخله مخلوقان مختلفان أو أكثر، ينام المخلوق الأول في الزريبة،
ونصف الباب مفتوح، ويحلم بالسهول والمراعي بينما يدخل المخلوق الثاني من باب ويوصده
خلفه وينام فوق سريره، ولا تخرج الزريبة من رأسه.
...
كان باب الحديد يقف هادئا كعادته يتأمل الباب الزجاجي أمامه ويتحسر على حاله، بينما
يرمقه الباب الزجاجي بنظرات الاشمئزاز، وكأنه سلطان عليه، كيف لا، وقد تم تعيين
الباب الحديدي ليحرس الباب الزجاجي، ورغم أنه لا حياة للباب الزجاجي بغياب الباب
الحديدي لم يكن يمضي يوم واحد دون أن يهزأ الباب الزجاجي من باب الحديد. وفي يوم ما
نسي ابن مالك البابين باب الحديد مفتوحا فهبت ريح قوية عصفت بالباب الزجاجي ليصطدم
بالجدار ويتساقط شظايا، الباب الحديدي خاف، رغم ذلك نظرت الشظايا للباب الحديدي
وقالت له "ألم تمل مكانك بعد؟"، أليس غريب أمر هذا الباب؟
...
كان صديقي حين يدعوني لزيارته في جامعة القدس يملأ رأسي بالحديث عن الأبواب لدرجة
أنني كنت أشعر أنه لا يوجد بشر في القدس، بل ان كل القدس مجرد أبواب. زرت صديقي في
القدس ودخلنا من كل الأبواب، أو البوابات، لكن، أدركت ان الأبواب أو البوابات هناك
مختلفة، لماذا؟ لا أعرف، حتى أصوات صريرها مختلف، لكن، كلها أبواب، والغريب أنني لم
أشعر أنها أبواب فالباب يقفل ويفتح أو يفتح ويقفل لكن، تلك البوابات ظلت مفتوحة رغم
أنك تشعر أنها مغلقة وأنك تخترقها بقدرة خارقة للطبيعة دون أن تراك الأبواب لكن،
بقدرة خارقة للطبيعة الخارقة يراك الحراس... كانت الرحلة جميلة...
...
كان لأحد الملوك ابنا بارا أراد تخليد ذكرى والده الذي مات غرقا بعد أن تحطمت
سفينته أو سفنه أو أسطوله، أي أقصد لم يجد من ينقذه حينها، رغم أنه ملك، المهم لم
يجد الابن فكرة لتخليد ذكرى والده الا أن ينتقم من البحر لذا، فرض حصارا عليه وأنشأ
حوله سورا عاليا لا تقوى الطيور على تجاوزه. وكم كان سعيدا حين انتهى من بنائه حتى
أن دموعه انهمرت بغزارة لأن والده الآن سينام مرتاح البال ولأنه أصبح متأكدا أنه
حتى لو أراد أن يهدم هو هذا السور فلن يستطع الى ذلك سبيلا، وبهذا يخلد اسم والده
الى الأبد. سكان المملكة كانوا مسرورين لأن ملكهم سعيد، لقد ساعدوه جميعا وتركوا
أعمالهم لكي يحققوا حلمهم، وجميعا وبما فيهم الملك نسوا أن يفتحوا بابا في السور
وبقيت قوارب الصيادين خلف السور، والمملكة بقيت خلف السور، ولم يكن أي طعام يشبع
أهل هذه المملكة الا الأسماك، والأسماك خلف السور فمات الجميع وحتى الملك وبقي
السور وذكرى الملك المعظم.
...
هل الباب كلمة سيئة؟
أليست صفات كثيرة من صفات الانسان تجدها في الباب؟ مثلا: مزعج، بليد، أسود، أبيض،
باب أحمق، باب قوي، باب شفاف، باب جميل، باب بشع، ألسنا نشبه الأبواب؟ لكن، تتفوق
علينا الأبواب بصفة أو نحن ربما نتفوق عليها بصفة، وهذا متعلق باستعمال الصفة. هل
سمعتم أن هنالك باب جبان يخاف من الوحوش أو القبور أو، الخ...
أليست الأبواب أحيانا أكثر جدوى منا كبشر، ولكن، من جهة أخرى أيمكننا أن نصبح
أبوابا؟... أنا أقول نعم، يمكننا أن نصبح أبوابا بسهولة، أو الأصح أن بيننا من هم
أبواب حقا لكن، أبواب أقفلت على نفسها ولم تنفتح ثانية...