الأسماء المستعارة... ثقافة أم رذالة؟
*حسان شمس - 03\01\2009
لم يسبق أن توفّر للأسماء المستعارة أو المموّهة تربة أخصب مِن شبكة الإنترنت، حتى
تُحقّق هذا الانتشار الهائل، وتصبح مادة للاستهلاك اليومي كما في وقتنا الراهن.
الأسماء المستعارة، بضاعة لم يعد وجودها يقتصر على مواقع الإنترنت العادية، بل
أصبحت ركنا ثابتا في الكثير مِن كبرى الجرائد العالمية ومواقع الفضائيات والإدارات
والمؤسسات على اختلاف أنواعها.
انتشار وسائل الإعلام وضخامة أعداد روّادها الموزّعين في أربع جهات الأرض، جعل مِن
الصعب، إن لم نقل المستحيل ضبط إيقاعها وتنظيم ردود المتداخلين فيها. كما أنّ
اعتبارات تلك الوسائل الترويجية أو التسويقية جعلها تغضّ الطرف عن بعض القيود التي
تلزم المتداخلين على الولوج بأسمائهم الشخصية أو الالتزام بمعايير محددة، إضافة إلى
استحالة ذلك وعدم جدواه مِن الأساس، وفق حساباتها، على اعتبار أنه ليس بالضرورة أن
يكون روّاد تلك المواقع مِن ذات الحيّز الجغرافي، وبالتالي تسقط القيمة الفعلية
لذكر أسمائهم الحقيقية.
هذا بعض ما يخصّ وسائل الإعلام الكبيرة أو المواقع التي لها صفة العالمية أو
الانتشار الواسع. أما المحلّية، كمواقع الإنترنت الجولانية، فإن لها مقاما آخر.
معظم أهالي الجولان يعرفون بعضهم بعضا، إما بشكل مباشر أو بالواسطة. وفي نظرة فاحصة
للمداخلات على مواقع الإنترنت الجولانية، سواء تلك المؤيدة للمقال المطروح أو
الفكرة أم المعارضة لهما، يلحظ أي مراقب حالة الشخصنة الفاقعة في معظمها، سيّما ما
يخصّ المقالات التي تتناول الأوضاع السياسية. معنى هذا، أنّ الشخص المتداخل، في
العادة، يعرف صاحب المادة التي سيدلي تعليقه عليها، وما عدا ذلك، فإنه يكاد يندر
العثور على مداخلة تتناول الموضوع بمعزل عن شخصية صاحبه أو علاقة الودّ أو النفور
منه.
مِن هنا، فإنّ المعايير التي لم تُلزم وسائل الإعلام والمواقع ذائعة الصيت نفسها
بها، تُعتبَر بحكم الساقطة، إذا ما حاولت المواقع المحلية، محدودة الانتشار،
تقليدها في محيطها، حيث الكل يعرف الكل.
إلى أين مِن هنا؟
الاستتار أو التنكّر أو التخفّي، له حيثياته وظروفه. جميعنا نذكر أيام الإضراب
الكبير وما قبله وبعده بقليل، وقت كانت كل الأمور بأثمانها؛ فكان رفع العلم السوري
وتوزيع منشور، أو حتى حيازة "كاسيت" أغاني وطنية كفيلا بالملاحقة والاعتقال، وكانت
المناشير السرّية يومذاك تفعل فعلها. اليوم، انتفت الحاجة وانتفى معها ذلك الظرف
الموضوعي الصعب أو القاهر.
زيارة مواقع الإنترنت المحلية وقراءة التعليقات الواردة فيها، معظم الأحيان، تبعث
على الحزن والأسى؛ لكثرة ما تشوبها عبارات تكاد نسبة الحقد والشخصنة في بعضها تفيض
عن منسوب الحبر المكتوبة فيه، رغم عدم ظهورها مباشرة، ويقيني أن أصحاب المواقع
يحذفون الكثير الكثير منها، وأحيانا يمتنعون عن نشر بعضها الآخر، ورغم تذييلهم ركن
التعليقات في مواقعهم، أنهم لا يقبلون التجريح الشخصي، أو إلزامهم مَن يتناول شخصية
بعينها على الكتابة باسمه الثلاثي وإرسال رقم هاتفه؛ يبقى الكثير مِن التعليقات
الجارحة وغير اللائقة، وليس أسهل مِن إثبات ذلك.
ولوج المواقع والكتابة فيها بأسماء مستعارة في هذه الظروف، التي تنتفي فيها كل
الدوافع لفعل ذلك، ليس له شبيه إلا السير في مظاهرة ليس فيها أي تواجد لقوات
الاحتلال، ولا يترتّب عليها أي نوع مِن الملاحقة أو الاعتقال، فيما البعض يعتمرون
كوفيات لإخفاء معالمهم!! والسبب؟ الله أعلم!!
في أحاديث سابقة مع بعض أصحاب المواقع المحلية، أكدّوا استحالة تنظيم هذا الأمر أو
ضبطه. وعلى قولهم، حتى إلزام المتداخلين كتابة أسمائهم الحقيقية لم يحدّ من
المشكلة، بل فاقمها؛ وذلك عن طريق كتابة البعض أسماء مواطنين محلّيين في مداخلاتهم،
فيما الحقيقة أنها ليست أسماءهم هم! وهذا ما خلق العديد من الإرباكات والبلبلة.
نظريا، الأمر صحيح، وأصحاب المواقع محقّون في ذلك. لكن مِن جهة أخرى، هل يَفترِض
منع السرقة، على سبيل المثال، مِن أجهزة الأمن في مكان ما، وضع شرطي أمام كل منزل
أو ما شابه؟ الإجابة، قطعا لا. فوجود التشريعات الناظمة والقوانين وملاحقة المجرمين
وتنفيذ إجراءات عقاب رادعة بحقهم هو الجواب المنطقي.
وبالعودة إلى موضوعنا، فإن خبراء الإنترنت لن يعدموا الوسيلة في إيجاد حل لذلك.
فاكتشاف حالة مسيئة واحدة أو أكثر وملاحقتها قانونيا وفضحها كفيل بالحد من هذه
الظاهرة إلى درجة بعيدة، إن لم نقل بالقضاء عليها، هذا إذا كانوا هؤلاء يقيمون بين
الأهل، أما في حال تبين أنهم من خارج حدود الهضبة، فهذا معناه أن آخرين يحاولون
العبث بالساحة المحلية، وذلك تبعا للمكان المرسل منه، وهنا ينبغي وضع حد لذلك.
قد يلتمس البعض عذرا لأصحاب المداخلات المؤيّدة أحيانا، لأسباب مختلفة، إما لِحَياء
أصحابها مِن الورود بأسمائهم الحقيقية، أو أنّ البعض ينظر إلى ذلك على أنه نوع مِن
التبرّع برأي إيجابي لصاحب المادة المنشورة، وعلى هذا، فإنه لا داعي لذكر اسم
"المتبرّع"، حتى لا تفقد هذه "الحَسَنة" قيمتها!
وإذا كان لكاتب هذه السطور رأي معارض لوجهة النظر سالفة الذكر، لكن هذا مختلف تماما
عن الحالة الأخرى، والتي تنقسم إلى شريحتين:
الأولى: مَن وجدوا ضالتهم عبر الاكتفاء بكتابة الاسم الأول؛ وذلك يذكّرني بطرفة كان
يقصّها علينا المربّي الفاضل جميل فضل الله/بريك، عندما كان يسلّمه أحد الطلبة ورقة
امتحانية اكتفى صاحبها بتوقيعها باسمه وحسب؛ فكان يروي لنا أنه لم يسبق لأحد أن حاز
شهرة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومع ذلك كان الرجل، حتى يمنع أي
التباس، يوقع على هذا النحو: محمد جمال عبد الناصر!!
أما الثانية، وهي بيت القصيد: فهي الفئة التي احترفت استخدام الأسماء المستعارة،
وراحت تُعمل تجريحا وإهانة وتحقيرا وتصغيرا فيما لا يروق لها من كتابات؛ فيما
المنطق يقول، إنه، فقط، مَن يخجل باسمه وتاريخه وحاضره ويعاني مِن ضعف حجّته هو مَن
يلجأ إلى التلطّي والتخفّي على هذا النحو، في ساحة ضيّقة يعرف الناس فيها بعضهم!
مَن يكتب مقالا أو يطرح فكرة، فذلك نِتاج ما لديه مِن ثقافة أو علم أو معرفة أو حتى
تجربة. اجتهاده، قد يحتمل الصواب والخطأ في آن. ونقد هذا الطرح، هو ما يرفده
ويطوّره ويجعله ذات قيمة تنعكس إيجابا على صاحبه ومحيطه، وبغير ذلك لا سبيل إلى
التقدّم والارتقاء. وفي هذا المضمار، يستحضرني عُرف شهير في ميادين المعرفة والعلم،
مؤدّاه أنّ قيمة أي مادة تُستَمَد مِن غزارة النقد الموجّه إليها، وليس من كمّية
التأييد الأعمى لها أو التعامل معها على أنها نصّ مُنزل لا جدال فيه.
أما أن نتناسى فضيلة النقد وننحو إلى التهكم عبر مداخلات شخصانية كريهة، تنبعث منها
روائح تشبه البارود أحيانا؛ وبأسماء مستعارة وأشباح تخجل مِن الكشف عن وجوهها،
فأحرى بمواقع الإنترنت المحلّية والحالة هذه أن تستحدث ركنا جانبيا على صفحاتها تحت
عنوان: "زاوية السبّابين والشتّامين" لتفريغ فائض ما لدى هؤلاء مِن شحنات، ريثما
يتمكنوا مِن اقتناء أسلحة لتصفية حساباتهم أو خصومهم!!
*صحافي/ واشنطن