نحنُ والإنترنيت
نايف محمد إبراهيم - 03\01\2009
كلٌّ منّا كانَ وما زالَ يحلمُ في زيارةٍ لبلدٍ ما، ولو مرّةً واحدةً في حياتِهِ،
هذا إذا استطاعَ لذلكَ سبيلا.
لقدْ تحقَقَ الْحلمُ بفضلِ جهودِ الْعلماءِ الْمضنيةِ، حيثُ استطاعوا مؤخّرًا أنْ
يُجسّدوا الْكونَ: بسمائِهِ وأرضِهِ ومائِهِ بشاشةٍ صغيرةٍ ، وعلى طبقٍ منْ فضّةٍ،
ليتسنّى للصّغيرِ والْكبيرِ ، والْغنّيِّ والْفقيرِ ، أنْ يزورَ أيَّ موقعٍ يشاءُ ،
ومتى يشاءُ، وليجنيَ منهُ ما يشاءُ ،وذلكَ منْ خلالِ الشّبكةِ الْعالميّةِ
المْوجودةِ حتّى في غرفةِ نومِهِ ، وهذا دونَ أنْ يتكبّدَ مشاقَ السّفرِ، أو
معاناةَ الْفقرِ.
هذهِ الانجازاتُ الْعلميّةُ ، بوسائلِها ومراميها ، تُعتبرُ وبحقٍّ معجزةَ الْعصرِ
، الّتي جاءَتْ استجابةً لتطلّعاتِ الْبشريّةِ ، نحوَ عالمٍ صغيرٍ شفّافٍ ، وحياةٍ
سهلةٍ ممتعةٍ ، ولا يخفى على أحدٍ أنّ هذهِ الانجازاتِ سلاحٌ ذو حدّينِ ، فإذا
أحسنّا استعمالَهُ واستغلالَهُ ، أفدْنا واستفدْنا ، وإلاّ فقدْ ينقلبُ السّحرُ على
السّاحرِ ، فتصبحُ النّعمةُ نقمةً . لذا فإنَّ طموحاتِنا وأدبياتِنا على الْمحكِّ ،
فنحنُ أمامَ مهامٍ علميّةٍ أخلاقيّةٍ جسيمةٍ ، تتحدّانا صباحَ مساءَ ، لنرقى
لمستواها، ونتعاطى معَها بكلِّ جديّةٍ ومسؤوليّةٍ، وبالّتي هيَ أحسنُ.
لقد قالَ اللهُ تعالى في كتابِهِ الْعزيزِ:" يا أيّها الّذينَ آمنوا ، آتوا
الْبيوتَ منْ أبوابِها ، ولا تدخلوا بيوتًا غيرَ بيوتِكم ، حتّى تستأنسوا ،
وتسلّموا على أهلِها". صدقَ اللهُ الْعظيم .
إذًا الْواجبُ يدعونا ، بل يحتّمُ على كلٍّ منّا ، أنْ يكونَ أديبًا في كلِّ زمانٍ
ومكانٍ ، يتقيّدُ بالأنظمةِ المْرعيّةِ ، وبأصولِ الضّيافةِ المتّبعةِ ، ويحترمُ
عاداتِ ومعتقداتِ غيرِهِ ، فالنّاسُ ليسوا على رأيٍ واحدٍ ، ولا على عقيدةٍ واحدةٍ
، إذْ لكلٍّ منهمْ طريقةٌ خاصّةٌ في النّظرِ إلى الأمورِ ، وتصوّرِ الأشياءِ ،
والْحكمِ عليها ، بلْ إنَّ ما يُرضي الْواحدَ قدْ يُزعجُ الآخرَ ، وما يُستقبَحُ
الْيومَ قدْ يُستملَحُ غدًا ، وما يُحبُّ هُنا قدْ يُكرَهُ هناكَ . قالَ الإمامُ
علي:" إنَّ معروفَ زمانِنا هذا مُنكرُ زمانٍ قدْ مضى، ومُنكرُ زمانِنا هذا معروفُ
زمانٍ لمْ يأتِ بعدُ ". وقالَ لابروبير الْكاتبُ الأخلاقيُّ الشّهيرُ:" ما يُعدُّ
حقيقةً أمامَ جبالِ الْبرينه يُعدُّ خطأً وراءَها " فلا يحقُّ إذًا لأحدٍ في معظمِ
الأحوالِ أنْ يدّعيَ احتكارَ الْحقيقةِ ، وإدراكَ كُنهِ الأمورِ دونَ سواهُ .
إنّ الانترنيتَ نافذةٌ على الْعالمِ ، ومصدرًا غنيًّا وسهلاً للمعلوماتِ الْعلميّةِ
والأدبيّةِ والْفنيّةِ، ومنتدىً للجميعِ على اختلافِ مذاهبِهم ومشاربِهم . فما منْ
داخلٍ إليها إلاّ وهدفُهُ الإطّلاعُ على الرّأيِ والرّأيِ الآخرِ منْ جهةٍ،
والاستزادةُ علمًا ومعرفةً، ولباقةً في الْحوارِ الْهادئِ ، والنّقدِ الْبنّاءِ من
جهةٍ أُخرى . لذا كانَ لزامًا على الدّاخلِ إليها ، أنْ يُراعيَ حرمتَها ، ومشاعرَ
روّادِها ، ويحترمَ آراءَهم وطموحاتِهم، ويرقى باجتهاداتِهِ ومُداخلاتِهِ شكلاً
ومضمونًا ، وذلكَ لتكونَ جديّةً مُفيدةً ، بعيدةً كلَّ الْبعدِ عنْ أُسلوبِ الْهزلِ
والتّهكّمِ الّذي يشوّهُ الأدبَ، ويقزّزُ المْنافسَ ، فالمْداخلاتُ إنّما تعكسُ
نوايا أصحابِها ومستوياتِهمُ الْفكريّةَ والأخلاقيّةَ ، وكلُّ إناءٍ بمائِها تنضحُ
.
منْ هنا نهيبُ بالْجميعِ أنْ تكونَ مُداخلاتُهم جدّيّةً وموضوعيّةً مُجمّعةً لا
مُفرّقةً ،وليستْ مدعاةً لتصفيةِ حساباتٍ شخصيةٍ . وبذلكَ تتركُ أثرًا طيّبًا
وانطباعًا حسنًا في ذهنِ الْقارئِ ، فيجنيَ منها الْفائدةَ والمْتعةَ معًا .
فالانتقادُ الْبنّاءُ يَلقى آذانًا صاغيةً ، واستجابةً صادقةً، ويوفّرُ شرطَ
الاجتماعِ ، وأُسَّ الاتّحادِ ، وقوامَ التّضامنِ ،ودعامةَ الْوفاقِ والسّلامِ بينَ
الأفرادِ والْجماعاتِ ، وذلكَ لما فيهِ خيرٌ ومصلحةٌ للجميع.