النقد الذاتي وحساب النفس
سعيد أبو صالح - 22\01\2009
لقد تعبت من شتم إسرائيل والدعاوي عليها بالزوال والانهيار, ليس لأن شيئا ما تغير،
لا، بل العكس فإسرائيل تزداد وحشية وبطشا وتنكيلا، ولا من رادع ولا من مُجيب
للدعاوي والشتائم وصراخ الأطفال.
أن لنا أن نقف وقفة حساب مع النفس: لماذا أصبح العرب والمسلمون مُهمشون, مُستضعفون,
مُغيبون مُستهتر بهم وببلادهم؟ فكل من يريد أن يرفع رصيده في الانتخابات المقبلة
يوجه ضربة للعرب, وكل من أراد الشهرة السريعة يسب المسلمين، وكل زعيم يريد أن يلهي
شعبه عن مشاكل بلاده الداخلية يقصف موقعا هنا أو هناك، يكون الضحايا فيه غالبا من
العرب أو المسلمين، فتزداد شعبيته وينال فرصة أخرى لتحسين وضعه.
ربما لا يكنّ هؤلاء أي كره أو ضغينة لنا, لكنهم دائما يبحثون عن الضعيف والمهمّش
ليعرضوا عضلاتهم عليه, فلا يجدون غيرنا، لأننا لا نرد إلا بالصراخ والعويل والدعاوي
إلى الباري لينقذنا من هؤلاء المتوحشين القُساة، الذين لا يعرفون ربهم, وكأننا نحن
رمز الطهارة والبراءة.
هناك من يدعي (وربما بصدق أيضاً) أن العرب والمسلمين مستهدفون، لأن الغرب يخاف من
نهضتنا وقوتنا، لأننا نملك كل المُقومات لبناء قوة تنافس الغرب والشرق، فنحن نملك
مصادر الطاقة والأراضي والمياه والكم الهائل من الأجيال الشابة (التي يفتقد إليها
الغرب وتشكل في أوروبا وأمريكا مشكلة مستقبلية خطيرة) ولهذا يعملون على تدميرنا
وتفريقنا، وقاموا بزرع هذا الجسم الغريب بيننا ليحول حياتنا إلى دوامة فارغة تدور
حول إسرائيل وبطشها, فحُكامنا الطغاة يحكمون بحجة إسرائيل وتهديد إسرائيل, والتطرف
الديني الذي لا اله له ينمو ويتغذى من وجود إسرائيل, أما الدخلاء الجدد علينا
يريدون فرض هيمنتهم وأفكارهم الدينية بحجة أنهم الوحيدون الذين كسروا إسرائيل،
وآلاف الأطفال في فلسطين لا يتلقون التعليم الصحيح لأننا في مجابهة مع إسرائيل.
والأصعب من هذا كله أنهم أدخلونا في صراع مع أنفسنا لأننا لم نعد ندري من نجابه ومن
نقاوم, عدونا الداخلي أم عدونا الخارجي، فاخترنا حياة الذل والمهانة، وصرنا نصفق
لجلادينا ونصدق ادعاءاتهم بالانتصار على إسرائيل - أصبح هدفنا القضاء على الاحتلال
ولو تحالفنا مع الشيطان ذاته.
لن نذوق طعم النصر طالما نحن نكذب على أنفسنا وندعي أننا طاهرون من كل إثم، والشر
الوحيد يأتي من أمريكا وإسرائيل. لن نرق إلى مستوى الأمم الأخرى التي نهضت بشعوبها
وأخرجت بلادها من الفقر والتخلف إذا لم نغير ما بأنفسنا.
كلما ألمت بنا مُصيبة نبكي ونعول أمام العالم، ونصيح أين الانسانية والعدالة،
ولكننا وقفنا صم بكم عندما أباد الطاغية صدام حسين شعبه بالسلاح الكيماوي، وكأن
الإنسانية لنا فقط, أما عندما يموت الآخرون فلا ضير في ذلك. ثم توجنا هذا الطاغية
صلاح دين جديد وهرولنا خلفه لأنه وعدنا بتدمير إسرائيل. واليوم نـُذبح كل يوم من
جديد لرؤية العراق الممزق النازف، وما جلبت لنا مهاترات زعمائنا الذين لا يقوون إلا
على شعوبهم.
نحن شعب يعتبر الكذب فضيلة, نقول أنها مجاملة. نربي أبنائنا على ضرب أخواتهم،
ومستعدون لقتل فلذات أكبادنا حماية لأعراضنا وشرفنا. نكبت كل ما هو مخجل وندفنه تحت
البسط ونظهر للآخرين بمظهر النظيف النقي الطاهر, المهم صورتنا في المجتمع وماذا
سيقول الناس والجيران عنا.
ننتقد شريعة الغاب ولكننا نعيشها كل يوم ضد من هو أضعف منا. أليست المحسوبيات
والرشاوى والواسطات وغيرها من الممارسات اليومية هي كغابة وحوش مفترسة يأكل القوي
فيها الضعيف، ومن ليس محسوب على احد يداس يوميا بالنعال والجزم؟
عدونا الأول ليس من الخارج إنما من الداخل، وليس من داخل الدولة إنما من داخل
أنفسنا، وإذا لم ننجح بتغيير شيء هناك فسنضل نعيش هذا الكابوس مرارا وتكرار:
مهاترات، حرب وقصف، عويل وبكاء، احتفال بالنصر، ثم العودة لحياتنا اليومية الكفيلة
بتخدير كل جروحنا، بانتظار الواقعة المصيرية القادمة التي ستغير وجه المنطقة.