لماذا يُسمح لإسرائيل بالخروج على الشرعية
الدولية؟
ابن زاهدي - 27\01\2009
منذ عشرات السنين والإعلام العربي يغسل أدمغتنا بالخبراء والمفكرين والمحللين من
شتى الألوان والمذاهب السياسية والفكرية, والمُشاهد العربي المسكين لا يعلم بأن
وراء هذا الإعلام والفضائيات مصالح وأموال لا يملكها إلا القليلين في العالم ولا
يصرفها أصحابها لو لم تكن ستعود عليهم بالمصلحة والربح. ومما لفت نظري أنه في بلد
منكوب ومحتل كالعراق يوجد فضائيات أكثر مما يوجد منها في الصين أكبر بلد وثالث أكبر
اقتصاد في العالم.
ولو تتبعنا بحرص المحاور التي تدور حولها تحليلات ومناقشات هؤلاء الخبراء والمفكرين
لوجدنا بأنها تتأرجح بين لبنان وإيران والعراق والسودان وواشنطن وبروكسل ولندن
وباريس لتصب جميعها أخيراً في نقطة مركزية واحدة وهي فلسطين وإسرائيل وما وراءهما
من مصالح غربية في السيطرة على منابع النفط وعائداته, التي تستقر أخيراً في البنوك
الصهيونية وتستثمر في الاقتصاد الغربي ومعه الإسرائيلي, ولا يعود منها إلا النزر
اليسير إلى الأرض التي خرجت منها.
الحكام وصناع القرار العرب, بطرق مباشرة أو غير مباشرة, يساهمون في تزويد الكيان
الإسرائيلي بالمال والطاقة والمساعدات والأسلحة, وفي نفس الوقت يتراكضون إلى واشنطن
ونيويورك وباقي عواصم الغرب يتسولون ويستجدون أسيادهم وأعداء شعوبهم للجم هذا
الكيان الصغير ودفعه إلى الانصياع للشرعية الدولية والقيم الإنسانية وكأنهم لا
يمسكون باللجام هم بأنفسهم, ثم يعودون كعادتهم بخفي حنين, وينطلق الخبراء والمحللون
من بعدهم في التمحيص والتحليل حول ما يمكن انتظاره من مجلس أمن فقد مصداقيته أو من
رئيس أمريكي أو أوروبي جديد وكأنهم في غيبوبة عما أمكن انتظاره سابقاً من هذا
المجلس أومن رؤساء أوروبا وأمريكا السابقين.
لا أظن بأنهم أغبياء إلى هذا الحد, فهم من خريجي أشهر الجامعات في العالم وتعفنهم
الطويل الأمد على كراسي الحكم يعطيهم من الخبرة وبُعد النظر ما يفتقر إليه أسيادهم
الذين يتوسلون إليهم في البيت الأبيض والعواصم الأوروبية, ومن الأرجح بأنهم
منافقون, يريدون الظهور لشعوبهم وكأنهم حريصون على مصلحة الأمة وفي نفس الوقت
يدخلون في اجتماعات فردية مغلقة للتآمر على هذه الأمة.
ولكي نفهم هذا التناقض البشع في مواقف وأداء قادتنا وقادة الغرب على السواء, يجب
علينا أن نفهم بعض الثوابت الرئيسية والهامة التي تدير مسرح الأحداث في منطقة الشرق
الأوسط ومنها:
النفط وعائداته, وأهميتهما في الاقتصاد العالمي, فبدون النفط تتوقف الحركة
والمصانع, ويخسر الملايين أعمالهم, والدول عائداتها من الضرائب, وينهار الاقتصاد
العالمي. وعائدات النفط الضخمة لا تقل أهمية عن النفط نفسه, فهي تشكل جزء كبيرا من
الأموال التي تتحرك بأيدي صهيونية في المؤسسات المالية اليوروأمريكية وتُستثمر في
الصناعة والزراعة والبناء وجميع مرافق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية, و
بدون الحقائب الاستثمارية النفطية وبالتحديد العربية منها ينشل الاستثمار وتنشل
الحياة الاقتصادية في أمريكا وأوروبا وإسرائيل كذلك. إذاً, النفط يذهب إليهم,
وأموال النفط تبقى عندهم وأصحاب النفط يتضورون جوعاً أو يموتون غرقاً طلباً للقمة
العيش في بلاد الغرب.
في وقت مبكر من عمر الثورة الصناعية, استطاعت بريطانيا أن ترى أهمية النفط على
مستقبل العالم, ومن هذا المنطلق, نشأت عند بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين فكرة
إقامة كيان غريب وعدواني في منطقة الشرق الأوسط للسيطرة عليه بطريقة غير مباشرة
والتحكم بمستقبله وقدراته الاقتصادية والبشرية. هذه الفكرة وجدت مرادف لها عند
الحركة الصهيونية التي عملت وتعمل منذ زمن بعيد على بناء وطن قومي لليهود على أرض
فلسطين.
تمازجت الفكرتان وقام التحالف البريطاني الفرنسي الصهيوني إبان الحرب العالمية
الأولى وبدأت التحركات الغربية في المنطقة لطرد الدولة العثمانية والحلول محلها.
هذا التحرك بدأ بإرسال خبراء أمنيين أمثال لورنس العرب وغيره وخبراء سياسيين تحت
ستار بعثات دينية وثقافية أو أثرية. الأمنيون منهم بدؤوا بتحريض العرب على الثورة
ضد الدولة العثمانية, والسياسيون منهم بدءوا ببناء الجمعيات والمراكز الثقافية
والتعليمية, وكان من أهم تلك المراكز وأخطرها المحافل الماسونية التي جذبت إليها
النخبة الثقافية والطبقات الأرستقراطية المقربة من مراكز النفوذ في المجتمع العربي,
وفي تلك المحافل تم اختيار وتهيئة الشخصيات والعملاء الذين ستُترك لهم إدارة أمور
المنطقة مستقبلاً, ومن أهم تلك المحافل كان محفل القاهرة الذي كان يترأسه خال
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومحفل الإسكندرية الذي مازال قائماً حتى الآن ومحافل
أخرى في الخرطوم وبيروت واللاذقية ومدن عربية أخرى, ويكفي أن نتقصى تاريخ الشخصيات
التي تعاقبت وتتعاقب على كراسي الحكم, والشخصيات التي قامت بتأسيس الحركات والأحزاب
السياسية في الوطن العربي لنجد بأن غالبيتهم إن لم يكن جميعهم كانوا من رواد تلك
المحافل.
الحديث عن الماسونية طويل ومعقد ولا مجال للدخول فيه, وسأكتفي هنا بوصفه بكلمات
مختصرة, فهم يخلقون تياراً معيناً ويخلقون التيار المضاد له ويجلسون على رأس
التيارين معاً, يقتلون القتيل ويصلون ويترحمون عليه ويفتحون التحقيقات ويقيمون
المحاكم للبحث عن المجرم, ويتسللون داخل الأحزاب والعقائد والمنظمات بحماس منقطع
النظير لمبادئ تلك المجموعات إلى أن يصلوا إلى القمة ويسيطروا على صنع القرار فيها,
والماسونية العالمية حليف مخلص وقوي للصهيونية العالمية, وجميع قراراتها مركزية,
وما على الأعضاء إلا التنفيذ بدون أي تساؤل أو تردد بغض النظر عن منصب العضو ملكاً
كان أم رئيساً أم موظفاً بسيطاً. وباختصار, فهم مع أم العريس ومع أم العروس في آن
واحد في سبيل الوصول إلى هدفهم, بارعون في تقمص المواقف, وفي استقطاب الجماهير
وحشدها, وبالتلون بلون المكان والزمان, لا مجال للتنافس فيما بينهم لأن الأدوار يتم
توزيعها من قمة الهرم, لذا, فهم واثقون ومطمئنون على أنفسهم, عندما يصل أحدهم إلى
القمة يعلم بأن تحته وفوقه جيش سري من الجواسيس والمراقبين لحمايته أو تصفيته إذا
لزم الأمر. وهنا يكمن سر زعماؤنا واستئثارهم بالسلطة واستخفافهم بالشعب.
فكرة قيام دولة يهودية على أرض فلسطين ولدت من أب صهيوني وأم بريطانية (حلف
أطلسية), وعندما اكتمل المخاض دُفع بأدولف هتلر (الذي نشأ وترعرع في كنف جده
الحاخام الصهيوني) إلى سدة الحكم في ألمانيا لطرد اليهود من أوروبا والإسراع ببناء
الدولة المخطط لها أن تقوم مقام الممالك الصليبية التي فشلت قبل سبعة قرون.
إذاً! إسرائيل هي جزء مهم جداً من أمن أوروبا والحلف الأطلسي للحفاظ على التقسيم
الاستعماري للمنطقة وتكريس ضعفها وتبعيتها له, وجزء لا يقل أهمية من أمن أغلبية
الزعماء العرب الذين سيقومون بحراسة الحدود المصطنعة التي وضعها الاستعمار
البريطاني والفرنسي. فالقضية الفلسطينية يستخدمها هؤلاء الزعماء كرضاعة في فم
الشعوب العربية تلهي هذه الشعوب عن تحرير نفسها وحشد طاقاتها وتوحيد أرضها حيث
سيخسرون عروشهم وكراسيهم , وكقناع يلبسونه لتغطية عمالتهم وتبرير الظلم وكبت
الحريات وقوانين الطوارئ وتجييش الجيوش وأجهزة القمع بحجة فلسطين لقمع شعوبهم
وحماية كراسيهم وعروشهم. أي بمعنى آخر, فأن بقاءهم مرتبط ببقاء إسرائيل عدوانية.
أن إسرائيل, ومنذ البداية, لا تريد سلام ولا تريد إقامة دولة فلسطينية مستقلة, ولم
تذهب إلى مدريد وأوسلو من أجل السلام, بل ذهبت لتأتي بمنظمة التحرير إلى الضفة
والقطاع لتجريدها من السلاح والقضاء عليها, وعرفات كان يعلم ذلك جيدا.
أما حماس التي ترفض الاعتراف بدولة إسرائيل فقد اقترفت خطأ فادح عندما دخلت في
انتخابات لحكومة تحت الاحتلال بدون سلاح وبدون سلطة حقيقية, كان يجب عليها أن تبقى
حركة مقاومة ضد الاحتلال وضد كل من يحاول التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني.
وأن الحقوق الفلسطينية لا يمكن الحصول عليها بالمفاوضات السلمية فقط, لأن إسرائيل
لا ولن تسمح بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة بأي ثمن كان, وهنا يأتي دور
المقاومة في إجبار إسرائيل على البحث عن السلام بدل التهرب منه كما هو الحال الآن.
فإسرائيل ومن يدعمها من الدول الغربية سيبدؤون بالبحث عن السلام فقط عندما يشعرون
بأن أمن إسرائيل ومستقبلها قد أصبح في خطر, وهذا ما بدأ يحدث بالفعل بعد حرب ٢٠٠٦
وحرب غزة الأخيرة, لأن إسرائيل لا يمكنها التعامل مع حرب العصابات, وأمريكا وقوتها
وجميع حلفاؤها فشلت في فيتنام والعراق وأفغانستان.
إذاً! الطريق الوحيد لإجبار إسرائيل وحلفائها الغربيين على الاعتراف ببعض الحقوق
الشرعية الفلسطينية والبحث عن السلام بدل التهرب منه, هو تطوير المقاومة وتقويتها
وتسليحها بحيث تصبح خطرا فعليا على مستقبل ووجود إسرائيل, وكل من يحاول إضعاف
المقاومة ونزع سلاحها أو إلغاء شرعيتها فهو عدو لمشروع سلام حقيقي وعدو للشعب
الفلسطيني ومتآمر على حقوقه, لأنه فقط بحرب العصابات والأسلحة الرادعة يمكن إجبار
إسرائيل على قبول حل سلمي من النوع الذي يريده عباس ومبارك وكل من يسير على نهجهم.
وإذا كانت حركة فتح تريد سلام مع إسرائيل بالشروط التي هي تعلن عنها, يجب عليها فصل
العمل السياسي عن العسكري والبدء بالضغط عسكرياً إلى جانب حماس.
أما الحل الذي تصبو إليه حماس باستعادة كل فلسطين فهو صعب المنال وطويل الأمد ومكلف
جداً, ولربما عليه أن يمر عبر العواصم العربية, ولكنه ليس بمستحيل إذا اقترن ببعض
المرونة والحنكة السياسية, لأنه كما أسلفت سابقا, إسرائيل ليست وحدها, فهي جزء مهم
جداً من أمن أوروبا والحلف الأطلسي الاقتصادي والعسكري, وجزء لا يقل أهمية من أمن
الزعماء العرب الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويرون فيها رضاعة في فم شعوبهم, و
يعلمون كل العلم بأن بقاءهم اللاشرعي على كراسي الحكم مرتبط ببقاء إسرائيل, ولا
يمكننا أن ننتظر منهم إلا المزيد من الذل والتآمر, لأنهم عبيد مأمورون من قمة الهرم
الماسوني المعني بأمنهم وأمن إسرائيل.