هكذا انمحيت – اقتصاد العائلة(الجزء الاول)
أسامة العجمي - 13\02\2009
Excellence & Caliber a.e.s.
Osam.klkla@gmail.com
أتدركون أن..
47% من السكان في البلاد لا يوفرون أي شيء لتقاعدهم. مليون شخص آخرين ليس لديهم
تأمين مكمل في صناديق المرضى. ثلثي أصحاب الحسابات البنكية مصابين بمرض ال- Over
draft وعقدة "أنا غير قادر على انهاء الشهر".
من يلقي نظرة على المعطيات ويقارنها مع الواقع "المرير" في البلاد بشكل عام وفي
منطقتنا بشكل خاص، سيظن بأننا نعيش في إحدى دول العالم الثالث، في هذه الدولة جميع
السكان منهمكين في الصراع على حياتهم ومعيشتهم، لكنني نسيت ان اذكر امرا واحدا، في
هذه الدولة لدى كل شخص أكثر من هاتف نقال بالمعدل، على الرغم من كون الجهاز "القديم"
(ابن عام على الاغلب) لا يزال في حالة ممتازة.
سياسة الاستهلاك الغير مسؤولة هي صناعة مزدهرة اليوم. الكل يريد الحصول على جنته
الخاصة من بيت حديث، سيارة جديدة وأدوات تكنولوجية مرتفعة الثمن، السعر غير مهم ،
المهم هو الحصول عليها بأسرع شكل. اذا سالتموني عن رأيي بهذه السياسة سأجيبكم بلا
شك يأنه يمكن للجنة أن تنتظر قليلا.
لكي تكونوا لاعبين رابحين وتجعلوا من اقتصاد عائلتكم مزدهرا فعليكم التقيد بقانون
ذهبي واحد وبسيط:
لا يمكنكم أن تستهلكوا اكثر مما تجنون.
أسامة العجمي |
المشكلة تكمن في اولئك
الاشخاص الذين يظنون بأنهم قادرون على كسر القاعدة، لا يوجد دولة في العالم تسمح
لكم باستهلاك اكثر مما تجنونه للابد، ببساطة شديدة لا توجد هكذا "קומבינה" ولن تكون
هناك ابدا.
قواعد اللعبة بسيطة جدا، الموارد الاقتصادية لكل عائلة هي محدودة. اتخاذ القرار
باستهلاك هذه الموارد في الحاضر على حساب المستقبل تؤثر سلبا في قدرة بيتكم على
البقاء متماسكا، تؤدي الى صعوبات في تصرف الأزواج وأبنائهم، تساعد في نمو الثغرات
الاجتماعية وزعزعة الاستقرار على المستوى القطري في الدولة.
كم من زوج أو زوجة نهضوا في صباح احد الايام وفكروا بشيء واحد فقط – "هكذا انمحينا"..
سياسة الادارة السيئة في منطقتنا، سياسة "יהיה בסדר" قد بدأت عوارضها بالظهور في
العائلات، عائلات كثيرة. في السنوات الاخيرة دخلت العديد من العائلات في ضائقة
مالية ولم تعد هذه الظاهرة حصرا على الطبقة الضعيفة في المجتمع، وإنما ايضا الطبقات
الوسطى وحتى انها تغلغلت الى الطبقات اصحاب الدخل الاعلى.
في معظم الحالات من المفترض ان يكون دخل العائلة كافيا، لكنها تدخل في مشاكل
اقتصادية بسبب الادارة الفاشلة التي تعود جذورها الى نقص بالمعرفة، عادات ادارة
فاشلة وإلى تقاليد اجتماعية غير عقلانية.
الظاهرة لا تقتصر كما قلت على الطبقات الدنيا في السلم الاجتماعي – الاقتصادي، ولا
يمكن إيجاد اي علاقة احصائية (מתאם סטטיסטי) بين الادارة الاقتصادية الفاشلة
للعائلة ومستوى الدخل أو سنوات تعليم رب البيت.
عائلات كثيرة من الدرجات العليا للسلم الاقتصادي تتداعى وتنهار تحت عبء القروض
العقارية (משכנתאות)، قروض مصرفية، سحب زائد في الحساب (משיכת יתר) و بطاقات
الائتمان. بالمقابل يتم اهمال أمور اقتصادية اهم كالتقاعد، التوفير لادخال الاولاد
في الجامعه، تأمين صحي شامل وغيره.
عادات الادارة الخاطئة لاقتصاد العائلة تتمثل في استهلاك مستمر في الحاضر على حساب
المستقبل وذلك عن طريق أخذ ائتمان غير مراقب، عدم السيطرة على المصاريف، فائض سلبي
في حساب البنك الجاري (מינוס/אוברדראפט)، استخدام صناديق التوفير المختلفة لتمويل
مشتريات حالية وأحيانا كسر صناديق التوفير المخصصة للأولاد أو التقاعد.
الثمن الذي ندفعه على الادارة الخاطئة لاقتصاد العائلة لا يتمثل فقط بالقيمة
الاقتصادية، بل يؤدي ايضا الى نزاعات وتوترات في العائلة، الى زعزعة الاستقرار
بالمستقبل، الشعور بفقدان السيطرة، ضغط نفسي وفي حالات متطرفة هناك امكانية حدوث
مضاعفات صحية. الابحاث تدل على ان النزاعات التي تنجم بداخل العائلة والتي مصدرها
هو الوضع الاقتصادي تؤدي الى حدوث خلل في الحياة الزوجية وتضاعف من امكانية الطلاق
(ما يؤدي الى انهيار اكبر في الوضع المالي لهذه العائلة).
مصلحة واسمها "العائلة"
العائلة المتوسطة تجابه معضلات اقتصادية معظم الوقت. بدءا من الاسئلة اليومية
المتعلقة بالادارة الجارية للبيت، وعبر مشاكل مركزه اكثر كشراء منتوجات ثمينه، اخذ
قروض واجراء استثمارات، وصولا الى محاولات للخروج من الفائض السلبي الخانق في البنك
او قرارات اقتصادية صعبة كشراء شقة، اختيار تامين تقاعدي، تغيير مكان العمل وغيره.
جميع هذه المجالات من وجهة نظر العائلة تمثل في الواقع المجال الذي يدعى اقتصاد
العائلة.
على الرغم من كون جميع العائلات في مواجهة دائمة مع هذه المشاكل الاقتصادية،
الانظمة التدريسية لا تؤهلنا لهذا. حتى في التعليم الجامعي لا يوجد تطرق الى اقتصاد
العائلة بمفهومها الواسع. من جهة اخرى نجد علوم الاقتصاد في مجالات مثل: اقتصاد
الماكرو، اقتصاد الشركات، اقتصاد المواصلات، اقتصاد العمل، ادارة الاعمال وغيرها.
للاسف، الجانب الأكاديمي في اقتصاد العائلة ناقص.
في السنوات الاخيرة بدأ الجانب العملي الذي يشمل تطوير نماذج وادوات لتقديم
الاستشارة الاقتصادية للعائلة بالنمو. احد الاسباب هو ان القرارات الاقتصادية
المهمة أصبحت في مسؤولية الفرد. مثال على ذلك مجال التأمين التقاعدي والتوفير للمدى
الطويل.
العائلة الموجودة امام مشاكل اقتصادية يمكنها ايجاد خبراء في مجالات مختلفة:
مستشاري قروض عقارية، مستشاري تأمينات تقاعدية، مستشاري استثمارات، مستشاري تأمين
وغيرهم.. على النقيض من هؤلاء، مستشار لاقتصاد العائلة يحلل سلوك العائلة من منظار
كلي ويوفر لها حلا مبنيا على كل حاجاتها الاقتصادية.
تحليل سلوك العائلة يتطرق الى ميزان المدخولات والمصاريف الجارية، للتصرف الاقتصادي،
لميزان الاملاك والديون الخاص بالعائلة، جهوزية العائلة للمخاطر المختلفة (تأمينات
مختلفة) وللاستعداد للتقاعد. وكل ذلك بدون اهمال حاجات العائلة الاقتصادية في المدى
القصير واهدافها للسنين القادمة.
في الواقع، ادارة العائلة هي بمثابة ادارة مصلحة. الزوج يديرون موازنة المصاريف
والمدخولات وسيل النقد، يجرون مشتريات جارية بجانب استثمارات كبيرة، يخططون للمدى
البعيد (تقاعد، تعليم عالي للاولاد..) وايضا يديرون قوى بشرية (ابناء العائلة). كما
في المصلحة، ادارة صحيحة تلزمنا باستثمار الوقت، الجهد والمعرفة. المطلوب في هذا
المجال استخدام طرق ادارة من عالم الادارة العملية، وتطبيقها في العائلة بعد اجراء
التعديلات.
من المهم ان تدركوا ان بعضا من القرارات الاقتصادية التي نصنعها لها تأثيرات عظيمة
على مستقبلنا الاقتصادي، بدءاً من خسارة عشرات أو مئات الاف الشواقل، ووصولا الى
انهيار اقتصادي تام للعائلة.
اذا كيف يمكن ان ندير اقتصاد البيت في احدى اصعب الفترات الاقتصادية التي يشهدها
العالم؟ ما هي الطرق والاستراتيجيات التي يمكن اتباعها للنجاح في مهمة الادارة
الصعبة؟ سوف اقدم لكم الكثير من الحلول في الجزء الثاني من المقال.
أسامة العجمي
مستشار اقتصادي واداري
B.A. Economics & business management
Haifa University