نحو نهضة وطنية جديدة
(في صراع الأرض والهوية)
د. منير فخر الدين - 13\02\2009
1. مقدمة:
في الوثيقة الوطنية صوت لمجتمع مستضعف واجه حملةً خطيرة كادت تخضعه لرغبات عدو،
وتوصم كرامته بنقطة سوء مستديمة. الصوت يحكي قصة صمود مجتمع أعزل ويبين إيمانه
بوحدته وحقه في تقرير المصير والانتماء. إلى هذه القصة ننتمي جميعا، حتى أولئك
الذين ولدوا وسيولدون بعدنا. ما من أحد خارج القصة، حتى أولئك الذين يبغون قلب
مسارها. فهي أكبر من الجميع ولن تقف عندهم. صوت الوثيقة يظلُّ حيّاً فيها، يرسم لنا
أفق التحول والنمو في الحياة والمقاومة معا.
لكنه صوت مجبول بإرثٍ صعب!
بات كثيرون ينظرون إليه كمادة قديمة لا تصح في مواجهة التحديات الراهنة للمجتمع، أو
كطقوس وشعائر منفصلة عن الواقع: مظاهرات، مهرجانات، خطابات، بيانات، زيارات، إلخ.
وتبلورت أنماط كلامية ساخرة، وتعمقت في نفوسنا.
لكنها ليست مصيرنا البائس. بل أمامنا الآن مهمة. مهمتنا هي أن نبحث، فرديا وحزبيا
وجماعيا، عن الأشكال الاجتماعية والثقافية للحداثة الوطنية في واقع استعمار
استيطاني يهاجم أرضنا وهويتنا ولغتنا وإحساسنا بالتضامن الأهلي والقومي، ويخضعنا
لاقتصاد سوقه.
ولنا دوما مرجع. مرجعنا هي الوثيقة الوطنية، حيث الصياغة المؤسسة لحقيقتنا
الاجتماعية والثقافية والسياسية، والتي تزداد عمقا كلما تقدمنا في العمل الوطني.
وبما أنها (أي الوثيقة) كذلك، وجب إخضاعها للتحليل النقدي، لا إبقائها في دائرة
الرمز والأمان العاطفي.
2. إستراتيجية الوثيقة: الجمع بين التقاليد الأهلية والحداثة الوطنية
ترجمت الوثيقة الوطنية موقف الأهالي إلى الضمير العالمي وكذلك الرأي العام
الإسرائيلي. وجمعت بين لغتين: أولا، لغة الجماعة المتأصلة في تقاليد ما قبل الحداثة
وما قبل الرأسمالية، والتي تقوم على المفهوم القبلي للجماعة كسلالة متحدّرة من
أصلاب أجداد قدماء (كقولها: "أجدادنا الكرام الذين تحدّرنا من أصلابهم")؛ وثانيا،
لغة المواطنة والانتماء القومي الخاصة بعصر الحداثة (كقولها بأخذنا عن أجدادنا
أولئك "الجنسية العربية السورية [...] ولغتنا العربية التي نتكلمها بكل فخر واعتزاز
وليس لنا لغة قومية سواها").
وكان في هذا الجمع سر نجاح الموقف الأهلي، إذ وحّد صفوف المتدينين والعلمانيين،
وواجه السياسة الإسرائيلية التي راهنت على انعدام الوعي السياسي بالتاريخ لدينا،
زعامةً وشعباً. رهانهم كان وما زال، هو أن القومية العربية ليست إلا لاصقة واهنة
على قطع فسيفساء لطوائف وقبائل وعائلات منغلقة على ذاتها، تقودها زعامات تقليدية
آنية الرغبات، ذاتية المصالح، يمكن إخضاعها إلى وصاية شعب مستعمر قوي.
في مواجهة هذا الرهان، أكدت الوثيقة على انتمائنا الجمعي إلى التاريخ العربي لهذه
الرقعة من الأرض، بقولها: "أراضينا العزيزة على قلوبنا [...] ورثناها أباً عن جد
منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين – أراضينا المجبولة بعرقنا
وبدماء أهلنا وأسلافنا [الذين] لم يقصّروا يوماً في الذّود عنها وتحريرها من كل
الغزاة والغاصبين على مر التاريخ".
وإذا كان مفهوم الأصلاب يفضي في تقاليدنا السياسية إلى تقسيم البشر إلى مراتب
سياسية بموجب النسب والجاه، وهي تقاليد مازال كثيرون عندنا يحترمونها بشكل أو بآخر،
فقد أكدت الوثيقة على مبدأ المساواة بين جميع أبناء المجتمع في مسألة تمثيل الموقف
الوطني. فكشرط لتمثيل الموقف الوطني لم تفرق الوثيقة إلا بين العميل والوطني، دون
تحديد لأصل أو جاه أو نوع اجتماعي: "إن الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم
الملموسة، والذين هم من كافة قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهلون للإفصاح
عما يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم."
على هذه المساواة والروح الطوعية قام التضامن الشعبي في الثمانينات، وهو ذات
التضامن الشعبي الذي ما لبث يقاوم الاستعمار والرأسمالية في العصر الحديث في كل
مكان. في هذه الروح ليس لأحد فضل إلا بالأعمال الملموسة ومدى القرب من المصلحة
والضمير الشعبي. لكن والوضع كذلك، لا تخلو هذه الروح من تحديات التمايز الداخلي
والحياة الحديثة والرأسمالية والاستعمار ذاته.
3. الحرم، المشاركة الشعبية، والتحول الاجتماعي
الحرم هو أداة اجتماعية حيوية لتشكيل الضمير الفردي والشعبي، تقع بيد الهيئة
الروحانية بوصفها الأقرب إلى مصدر التشريع السماوي، لكن له بعد ديمقراطي وتجريبي –
أي يمكن للناس أن يشاركوا في إقراره وتشكيل نتائجه وآثاره في النسيج الاجتماعي
قابلة للتشكيل.
الحرم هو فعل إقصاء من دائرة المعاملة، يقع على أنواع وأشكال ومواضيع مختلفة. من
ناحية النوع يوجد اثنان: الحرم الاجتماعي (الإقصاء من النسيج الاجتماعي) والحرم
الديني (الإقصاء عن الطقوس الدينية). ومن ناحية المواضيع، يقع الحرم على ثلاثة:
الأفعال (كالقتل مثلا) والأشياء (الأرض العمومية المستلبة من قبل أفراد، على سبيل
المثال) والأشخاص (كحال حاملي الجنسية). وأما من ناحية الشكل، فللحرم بعد زمني (فإمّا
أن تكون مدته مطلقة أو محدودة) ونطاق (فإما أن يكون شاملا أو عينيا).
القتل والزنا، على سبيل المثال، هما من الأفعال التي تقع في نطاق الحرم الديني
المطلق (مع وجود هامش رمادي، أو ما يسمّى بـ"استلام الشرح"). والقتل والزنا محرمة
اجتماعيا أيضا، وكان لها عقاب تقليدي قد يصل إلى الطرد من النسيج الاجتماعي، لكن مع
وجود شروط (كدفع الديّة أو عقد الراية وما شابه) يمكن تلبيتها ومن ثم العودة إلى
النسيج الاجتماعي عودة كاملة. وليس كل حرم ديني هو دائم ومطلق، بل هناك أشكال ظرفية
له، مثل "البعدة" المحددة بمدة معينة، أو الأشياء والأفعال المحرمة أصلا لكن
القابلة لـ"التحليل" من خلال طقوس معينة (كالفارق بين الذبح الحلال والذبح الحرام
للأنعام، على سبيل المثال).
ويمكن للحرم الديني والاجتماعي أن يجتمعا في حرم واحد ، مثل الحرم الذي أقرته
الوثيقة الوطنية على المتجنّسين بالجنسية الإسرائيلية، وصدر عن وحدة وطنية بين رجال
الدين والعلمانيين الوطنيين. وفي هذا الصدد تقول الوثيقة: "قررنا قراراً لا رجعة
فيه وهو: كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون
منبوذاً ومطروداً من ديننا ومن نسيجنا الاجتماعي ويحرَّم التعامل معه، أو مشاركته
أفراحه وأتراحه أو التزاوج معه، إلى أن يقرّ بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من
مجتمعه، ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية" .
إنّ فضل حرم الجنسية لم يكن فقط في إرشاد الناس إلى ما هو أخلاقي ونهيهم عمّا هو
خطأ، أي في تشكيل الضمير الفردي والجمعي فحسب، بل أيضا في تمكين نشوء تجربة شيّقة
للغاية في صنع إحساس بهوية وطنية حديثة ومستقلة، شكلت بديلا تاريخيا حاسما لمشروع
الهوية الطائفية الإسرائيلي. ولذا فإن الحرم ليس أداة منع فحسب، بل له تأثيرات
تحويلية، بتوليده لطاقة جديدة ولممكن اجتماعي جديد. فقيام الحرم والحفاظ عليه يوجب
العمل، وهكذا فإننا ندخل إلى عالم أوسع من الحرم ذاته، هو عالم التاريخ، عالم صناعة
وتشكيل مسيرة وصيرورة المجتمع.
بحسب دفتر ملاحظات لأحد الشخصيات المرموقة والمخلصة للعمل الوطني من زمن الإضراب،
دونت فيه محطات أساسية من تلك المواجهة، فإننا نستطيع القول إن موضوع الصراع مع
السلطة المحتلة تحول بعد حصار آذار 1982، من سؤال هل نقبل بالهوية الإسرائيلية أم
لا (فهذا حُسم بلا)، إلى سؤال ما هي الخصائص المميزة لبطاقة الهوية التي سوف
نستلمها من الإدارة المدنية الجديدة. وهكذا قرر الأهل الاستمرار بالإضراب، في
محاولة منهم لتحصيل موافقة إسرائيلية على مطلب "الهوية المميزة" تعرف جنسيتنا
بالعربية السورية. وكانت تلك الفترة قد شهدت مساعي وساطة مكثفة من قبل شخصيات درزية
من الجليل والكرمل، بعضها بتكليف من السلطة وبعضها بتكليف ذاتي، من أجل إقناعنا
بالعدول عن ذلك المطلب.
والحقيقة هي أننا قد خسرنا هذه المعركة أمام رفض إسرائيلي قاطع لمطلب الهوية
المميزة. لكن المواجهة لم تتوقف عند ذلك الحد، بل استمرت إسرائيل في محاولات حثيثة
لكسر موقفنا وعكس مسيرتنا الوطنية. وهذا ما تشهد عليه زيارة شمعون بيريس لمجلس محلي
مجدل شمس في أواسط الثمانينات (التي ووجهت بمظاهرة بطولية آنذاك)، هذا كمثال على
عديد من السياسات الاستفزازية والعقابية المستمرة التي صبت في الماضي ومازالت تصب
في الحاضر في ذات المأرب. وفي مواجهة هذه السياسات أنجزت خطوات تصعيد للعمل الوطني
(وليس مجرد رد فعل)، هدفت إلى تحقيق تحولات نوعية وعميقة على صعيد الوعي والحياة
الاجتماعية. اذكر منها مثالين هامين في سياق الثمانينات فقط:
أولا، تدشين تمثال المسيرة عام 1987. هذا العمل هو رمز للحداثة الوطنية ونموذج عملي
لها في آن واحد. فهو وإن كان يوحي بانسجام المفهوم التقليدي للجماعة مع مفهوم الأمة
(وكأنّه يعيد إنتاج خطاب الوثيقة الوطنية)، إلا أنه يؤكد على الوعي التاريخي الوطني،
على ولادة الاستقلال من مقاومة الاستعمار، وعلى كون الاستقلال صيرورة اجتماعية يولد
فيها مستقبل عدل ورخاء ومساواة اجتماعية – وهي الرواية المثالية لولادة الأمم
الحديثة في عالم ما بعد الاستعمار. في هذه الرواية، غاية الإنسان تكمن في تغيير
الموروث من العلاقات الاجتماعية، ولذا تجد العمل يؤكد على موضوعة العلم والتنوير
ومستقبل المساواة بين الرجل والمرأة الكامن في الأطفال-التلاميذ، كمكمل ونتاج
لموضوعة البطولة والاستشهاد في مواجهة الاستعمار.
ثانيا، الارتباط بمشروع الاتحاد السوفيتي سابقا لنشر الحداثة والعلم في العالم
الثالث عبر تقديم المنح التعليمية لأبناء "الشعوب والدول الصديقة". وكان لهذا
الارتباط دور حاسم في تعزيز الموقف الوطني وفي تغيير بنية المجتمع – أي بدء نشوء
طبقة وسطى مهنية ذات ميول ثقافية علمانية.
هذه التحولات في الوعي والمجتمع وضعت معادلة الموقف الوطني وجمعه بين التقاليد
والحداثة على محك جديد، اجتماعي داخلي، لم تتوقعه الوثيقة الوطنية بطبيعة الحال.
ولذا أقول بأنّ فهم الحرم الاجتماعي كأداة إقصاء هو شيء وفهم نتائجه التحويلية هو
شيء آخر. ولذا جاز القول بأن الحرم ليس أداة محافظة على النسيج الاجتماعي فحسب، بل
قد يفتح مجالا للتحول النوعي في المجتمع والوعي، وذلك متعلق إلى درجة كبيرة بنشاط
الناس وخياراتهم، أي أن ليس له اتجاهات وديناميكيات محسومة سلفا بالكلية، بل لها
طبيعة تجريبية. إن الوعي بهذا الطبيعة التجريبية للحرم ضروري ولا بد من قيامه (ولو
بدرجات متفاوتة) لدى أصحاب السلطة على إصدار الحرم، كما لدى الناس الذين يقعون تحته
بالإمكان أو يشاركون مباشرة أو غير مباشرة في صنعه. مثل هذا الوعي لا يقود إلى
تدمير منطق الحرم بالضرورة، بل إلى تعزيز بعده الديمقراطي وإخراجه من نطاق المسكوت
عنه في خطابنا السياسي.
مما يساعد على ستر هذه الأبعاد للحرم (الديمقراطي والتجريبي) هو فهمنا لسلطة الحرم،
نظريا أو أيديولوجيا، على أنها وصاية الخاصة (النخب الروحانية والعائلية) على
العامة، وبالتالي تبدو القاعدة الشعبية وكأنّها مجرد مستقبل ومتلقي لقرار علوي.
وثمة عامل آخر هو الوقوع في الخلط المفاهيمي بين الحرم الديني والحرم الاجتماعي (فالآخر
يحتاج إلى مشاركة اجتماعية واسعة). لكن السبب الأهم برأينا هو أن الناس يختارون
أحيانا هذا الفهم أو الخلط المفاهيمي لإعفاء أنفسهم عناء النشاط. وقد يكون هذا
بمثابة خيار عزوف تكتيكي مبرر أحيانا، لكنه قد يتحول أيضا إلى عادة بليدة يصعب
الخروج منها.
وعلى وجه العموم، فإن مفاهيم المجتمع حول الحرم تتغير بتغير الواقع الاجتماعي
والثقافي، بتأثير الحداثة الرأسمالية والسلطة القضائية التي نعيش فيها، وبتأثير
الخيارات المختلفة التي يتخذها الناس لمواجهة أو مواكبة الواقع، حتى وإن لم يعترفوا
بذلك. وهذه التغيرات لا تحدث بسلاسة، بل تنتج صراعات أو توترات داخل المجتمع. خذ
مثالا المحاولات المتكررة للهيئة الدينية في مواجهة تبلور نزعة مساواة المرأة في
العمل والتعليم وقيادة السيارة والسفر – فهذه كلها تعبّر عن خيارات مواكبة الحداثة
والرأسمالية وسلطة القانون لدى شريحة آخذة بالاتساع، من شابات وشبان وعائلات مصغرة
جديدة. لكن هذه المواجهات الداخلية حول معنى الأخلاق وماهية العلاقات الاجتماعية،
وإن كانت تعكس تأثرنا العميق بالاحتلال، إلا أنّها لا تلغي الصراع مع هذا الاحتلال
ولا تضعفه، بل العكس تماما. وأسوق على ذلك مثال الأرض.
4. الخطر على الأرض والحاجة إلى نهضة وطنية جديدة
لا يظنن مضلّل أن إخراج البعد الديمقراطي للحرم من نطاق المسكوت عنه يعني الانخراط
في الديمقراطية الرسمية الإسرائيلية! فالديمقراطية الشعبية عندنا تقوم على مقاومة
الديمقراطية الرسمية لسلطة الاحتلال كخيار وطني استراتيجي أعلى. لكن لا بد أن نميّز
بين الديمقراطية الرسمية وبين القانون. فالأولى تقوم على المشاركة الطوعية
ومقاومتها سهلة نسبيا، وهي مقاومة ثقافية في جوهرها كما هو حاصل لدينا، أما القانون
فهو سلطة تفرض نفسها بالقوة البوليسية، ومقاومتها بطبيعة الحال أصعب وتوجب وحدة
شعبية عالية وتكتل حول السلطة الأهلية. ولذا تجدنا أحيانا نتصرف أمام خطر منهجي
وداهم يشكله قانون المحتل علينا، كخطر السطو الرسمي على أراضينا من أجل تهويدها،
كأنه خطر موضعي وعابر.
جميعنا يدرك أن ما من بلدة محتلة بمأمن من هذا الخطر، بدء بقرية الغجر ذات الوضع
المأساوي بشكل خاص، انتقالاً إلى عين قنية، ومسعدة، وبقعاثا، ومجدل شمس. لكننا لم
نجد بعد الصيغة المناسبة لمواجهة هذا الخطر المبرمج والمديد.
المطلوب إزاء هذا الخطر الآن هو أعلى درجات الوحدة الأهلية الوطنية. ولا بد من
البدء بخطوة أولية حاسمة، تحتاج إلى درجات عالية من التكاتف والتضحية، ولعلها تشكل
اليوم الامتحان الأهم للعمل الوطني في الجولان المحتل ولإرث الإضراب الجليل.
الخطوة هي تشكيل لجنة أوقاف وطنية شعبية عليا للدفاع عن أراضي المواطنين العرب
السوريين في الجولان المحتل، تضم رجال دين ووجهاء وناشطين وخبراء من كافة القرى،
وتشكل مرجعية وطنية عليا للتعامل الرسمي والشعبي في كافة قضايا الأرض.
وتشمل مهماتها على ما يلي:
1. تشكيل صندوق وطني لتمويل الدفاع القانوني والتوثيق لكافة قضايا الأرض، وإذا أمكن
أيضا توفير الدعم المالي لتطوير الزراعة الوطنية؛
2. حث جمعيات حقوق الإنسان، خاصة المحلية منها، للنشاط الصاخب في هذه القضية، ومن
أجل تفعيل قنوات القانون الدولي؛
3. العمل القانوني المنظم من خلال جمعيات حقوق إنسان ومحامين مبدئيين ناشطين وذوي
خبرة؛
4. التواصل التضامني مع المؤسسات والفعاليات الفلسطينية التي تعنى بالدفاع عن الأرض
على جانبي الخط الأخضر؛
5. رفع تقرير مفصل إلى رئاسة الجمهورية وكافة الجهات الحكومية الوطنية ذات الصلة
بالموضوع، منها السفارات السورية في العالم؛
6. رفع تقرير مفصل إلى هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإلى جهات عالمية أخرى ذات
صلة؛
7. مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي؛
8. التمسك الفعلي بالأرض.
نطرح هذا مقتدين بإرث الإضراب وبآلية العمل الشعبي التي طورت ووصلت إلى أعلى درجات
الرقي آنذاك. وإن كانت هذه الآلية قد تآكلت بعد أعوام طويلة، إلا أن الروح التي
أولدتها ما زالت حية. والروح قادرة على إعادة الآلية.
5. مقارنة وكلمة أخيرة في صراع الأرض والهوية
في الخميس الرابع من شهر أكتوبر كل عام، يحتفل الأمريكيون بعيد "الشكر"
Thanksgiving، ويأكلون طير الحبش (أو ما يسمونه بالتركي). وتحكى أساطير عديدة عن
أصل هذا العيد، أشهرها قصة السكان الأصليين الذين قدموا الطعام لمجموعة من
المهاجرين-الحجاج (إذ كان المستعمرون الأوروبيين يصفون استعمارهم لبلاد الغير
بالحجيج إلى أرض نالوها من وعد الله!) وأنقذوهم من المجاعة والبرد المهلكين! ثم قدم
"الحجاج" بالمقابل شيئا ما، لا يحبون الإفصاح عنه، لكنهم "يشكرون"!
وفي الخميس الرابع من شهر أكتوبر كل عام، يعقد الأمريكيون الأصلانيون الفعاليات
البديلة للتذكير بما أصابهم على مدار القرون الخمسة الماضية، من أكبر الإبادات
العرقية وتدمير للانسان وسرقة مستمرة للأرض في العصر الحديث.
يصومون. يحدون. يقيمون الاحتفالات التراثية. ويؤازرون بعضهم البعض لكي لا تنكسر
نفوسهم الطيبة.
راديو WBAI النيويوركي اليساري يخصص بثه كاملا لإسماع أصواتهم وموسيقاهم وقصصهم
والمخاطر التي تواجههم.
قال ناشط أصلاني:
"شعارنا الوحيد هو الأرض. حماية الأرض. حماية العائلات والفقراء. لا نرفع شعار حقوق
الإنسان. لا نتحدث عن الاقتصاد. هم يتحدثون هم الاقتصاد. نحن نتحدث عن الأرض وحقوق
الشعوب الأصلانية. نتكلم بأنفسنا. لا نعتمد على رجال المؤتمرات."
فهل حالنا مختلف؟
رغم الحداثة التي مضينا فيها، ما زلنا – من منظور الأرض كما من مناظير الواقع
الإنساني في الأرض المحتلة عامة، كما تخبرنا النساء المحرومات من لقاء أمهاتهن على
الطرف الآخر لشريط الاحتلال العنصري، على سبيل المثال، لا الحصر – ذات المجتمع
المستضعف والمستهدف من قبل غزو استعماري استيطاني يريد العبث بوعينا ولغتنا
ومشاعرنا الإنسانية، مثلما يريد السطو على أراضينا ومواردنا ومناظرنا الطبيعية.
إن الحداثة التي أنجزت في ظل هذا الاحتلال ومن خلال مقاومته، هي وقفٌ لهذه المقاومة.
علينا تفعيلها من أجل الاستمرار بالمقاومة وتعزيز الموقف الشعبي، وهي لا تنمو إلا
بهذا التفعيل.
والحداثة ليست أساليب عمل وتنظيم فحسب، بل هي الجيل القادم برمته ووعيه بانتمائه
إلى قصة الحياة والمقاومة والمستقبل على هذه الأرض.
هوامش:
1. المفهوم العرقي للأمة والمواطنة المدمج في الوثيقة هو مفهوم حداثي من بين مفاهيم
حداثية أخرى للمواطنة، كالانتماء إلى الأرض أو مسقط الرأس دون اعتبار للغة أو العرق.
2. التشديد مضاف.