هكذا انمحيت – اقتصاد العائلة(الجزء الثاني
والاخير)
أسامة العجمي
Excellence & Caliber a.e.s.
Osam.klkla@gmail.com
"إننا موجودون في فترة يحكمها ركود اقتصادي عميق، أسوأ احتمال هو أن ننزلق الى عصر
مظلم لم يكن له مثيل من التراجع في الاقتصاد العالمي. تمسكوا بأثمن ما تملكون –
النقود، ففي هذه العاصفة الضبابية تصبح النقود هي الملكة بلا منازع. ((وورن بافت
2009)).
في الاشهر الاخيرة بدأنا نستشعر تأثيرات الازمة المالية علينا، إن كان بشكل مباشر
أو غير مباشر. ففي هذه الايام العصيبة تأخذ النظريات الاقتصادية بعدا واقعيا كئيبا
معظمها تقول بأن العالم كما عرفناه قد انتهى..
إذا، كيف ستتأثر البلاد والمنطقة المحلية بحسب هذه النظريات؟
كون الازمة الحالية قد انبثقت من اسواق المال والاسواق العقارية (שוקי הנדל"ן) فإن
اول ضحاياها كان قطاع البنوك والشركات القابضة (חברות אחזקות) كشركة אפריקה ישראל,
דלק נדל"ן.. مع تفاقم الازمة جفت اسواق التمويل الغير بنكية (سوق سندات القرض
والاسهم ) واختفت تحركات النقد فيها ما ادى الى اختناق الاقتصاد الحقيقي – الصناعة،
الزراعة وفرع البناء. انخفاض الطلب على هذه الفروع يجبر الشركات والمصانع على فصل
العمل بهدف تخفيض التكاليف ومنع الافلاس، هذا ما يفسر موجات الفصل الشاملة التي
شهدها شمال البلاد في الفترة الاخيرة (في شهر كانون الثاني من السنة الجارية انضم
اكثر من 20 الف شخص الى دائرة البطالة ما يعد سابقة تاريخية). بلا شك، ستشهد الفترة
المقبلة المزيد من فصل العمال و انخفاض في الاجور في فرعي البناء والزراعة بشكل خاص.
معاناة العاملين في القطاع الخاص (النحيف) ستكون اصعب بكثير من معاناة زملائهم في
القطاع العام (السمين).
ان الخطر الاكبر الذي يتربص بالعائلة هو الفصل من العمل وكل رب عائلة موجود ضمن
دائرة الخطر هذه. في البداية سيتوقف الراتب عن التدفق ولاحقا ستبدأ الرفاهيات
بالاختفاء كالسيارة، الخليوي، الوجبات الفاخرة، الملبس..
قصة العائلتين
عائلة "أميركا" وعائلة "اوروبا" تعيشان في المبنى ذاته، في احد المدن الكبرى في
البلاد. كلا العائلتين في الجيل ذاته، في اواخر سنوات العشرين من عمرهم ولكلا
العائلتين طفل ابن 4 اعوام. الدخل الشهري للعائلتين متشابه ويساوي 12 الف شيكل.
للوهلة الاولى يبدو لنا بان العائلتان متطابقتان ولكن:
عائلة "اميركا" تحب الحياة الرغدة، يخرجون كل اسبوع لمطعم المأكولات البحرية، يقضون
اجازة خارج البلاد مرة على الاقل في السنة وإجازة اخرى مع الطفل في البلاد في موسم
العطلات. هم يعرفون كيفية اختيار الالبسة التي تتبع الموضة العالمية وامينين
للماركات (מותגים) المشهورة العالمية. الطفل رغم سنه لديه اشتراك في 4 دورات مكلفة
والعائلة مشهورة بإحياء الحفلات المنزلية للاصحاب والاقرباء. كون الزوج في العائلة
ذوي وظائف ذات اجرة متوسطة فان اصدقائهم مندهشون لقدرتهم على تحمل تكاليف حياة كهذه،
باختصار هذه العائلة قد تمكنت من صنع "جنتها" الخاصة. فعدا وجود مشكلة صغيرة تتمثل
في مصروفاتها الشهرية – 14 الف شيكل في الشهر، كل شيء يبدو رائعا.
بالمقابل، عائلة "اوروبا" لا تدرك حقيقية الحياة "الرائعة" كجيرانهم. هم لا يخرجون
الى اجازة خارج البلاد كل سنة، حتى في البلاد، وعندما يفعلون ذلك فهم لا يذهبون
ابدا في وسط موسم العطلات بل بعده بقليل. هم لا يخرجون الكثير من المال على اقتناء
ماركات مشهورة وثمينة وهم قرروا ادخال ابنهم في دورة واحدة والاستثمار بتعليمه في
البيت بانفسهم.
عائلة "اوروبا" تحسب كل مصاريفها الجارية وتنجح بتوفير 2500 شيكل كل شهر من الدخل،
بدون القيام بجهد كبير.
اذا دققنا بحالة كل من العائلتين، ندرك بأن شعار عائلة "اميركا" هو "نحن نعيش مرة
واحدة والزوجة تكمله بجملة من يعرف ماذا سيحصل غدا؟ انا اريد ان اعيش اليوم".
بالمقابل، عائلة "اوروبا" ايضا تريد ان تجرب معظم المتع التي يملكها جيرانهم، لكنهم
يدركون جيدا بأن الوقت غير ملائم وذلك لأنهم يريدون أن يبدأوا ببناء بيتهم الخاص
وإضافة فرد اخر للعائلة.
إذا تمعنا في حسابات عائلة "اميركا" التي تدخل 12 الف شيكل في الشهر وتصرف 14 الف
شيكل فإن هذه العائلة قد استقرضت كل شهر 2000 شيكل من مصادر مختلفة مثل توسيع
قدرتها الاعتمادية في البنك (הגדלת מסגרת אשראי) للزوجين، اخذ قروض صغيرة من مكان
العمل، مدفوعات مقسمة الى مبالغ شهرية تدفع ببطاقات الاعتماد بواسطة 10 دفعات وحتى
24 دفعة. الاحتفالات الائتمانية تستمر طالما إذن شركة الائتمان موجود.
في الوقت ذاته، تقوم عائلة "اوروبا" بإدخال المبلغ التي توفره شهريا في صناديق
استثمارية مختلفة منخفضة الخطر (השקעה בסיכון נמוך).
إذا سافرنا بالزمن مدة خمس سنوات في المستقبل سنجد ان عائلة "اميركا" التي استخدمت
كل شهر 2000 شيكل ليسوا لها، قد تراكم عليها دين كبير يعادل 180 الف شيكل في البنك.
ال2000 شيكل ذاتهم ضرب 60 شهر وبإضافة الفائدة وحساب الفروقات في في سلم الاسعار
للمستهلك (ריבית והצמדה למדד) اصبحوا الان تهديدا حقيقيا لاستقرار العائلة.
القرض الاخير الذي اخذوه لتخفيض دين البنك يكلفهم 3000 شيكل في الشهر، الان هم
مضطرون لان يعيشوا بدون أي اعتماد بنكي (אשראי) ومع اضطرارهم لدفع المبلغ الشهري
انخفض دخلهم الشهري من 14 الف الى 9 الاف شيكل. نسيت ان اذكر انه قبل سنة بالضبط،
ولدت لهم طفلة جميلة ما ادى الى زيادة في المصاريف.
الوضع في عائلة "اميركا" لا يحتمل، الصراعات الزوجية ازدادت حدتها ويبدو ان النهاية
اصبحت شديدة الوضوح.
بالنسبة لعائلة "اوروبا" الوضع ممتاز. ايضا ولدت لهم طفلة قبل سنة، في حساب البنك
لديهم استثمارات تصل قيمتها الى 200 الف شيكل وقرر الزوج البدء ببناء البيت وتحقيق
حلمهم في امتلاك منزل خاص بعائلتهم.
"انا لا افهم كيف وصلت لوضع سيء كهذا" ، يمكنك ان تقول لنفسك "انا لا ابذر أي شيء،
كل ما اشتريه هو حاجات ضرورية". من وجهة نظرك، انت لم تقم باي شيء خاطىء لكن وجهة
نظرك ستتلقى ضربة موجعة اذا لم تلائم ما يجري في حسابك المصرفي.
إذن كيف تكونون اداريين محترفين لاقتصاد عائلتكم
1- تخطيط مصاريف العائلة للمدى القصير (تخطيط اسبوعي):
في نهاية كل اسبوع اصنعوا لكم قائمة بكل المصاريف المخططة للاسبوع القادم اجمعوا
جميع المصاريف وتوجهوا للبنك/ ماكينة السحب (כספומט) وخذوا المبلغ المطلوب. خلال
الاسبوع الجاري ادفعوا فقط نقدا ومن المهم ان تأخذوا وصلا على كل مبلغ دفعتموه. في
نهاية الاسبوع اجمعوا جميع الوصول وقارنوها مع الموازنة التي حددتموها سابقا.
2- تخطيط شهري:
بعض من المصاريف تدفع مرة واحدة في الشهر كالقرض العقاري (משכנתא)، اجرة الشقة،
انترنت وغيرها.. من السهل تتبع هذه المصاريف كونها تدفع عادة ببطاقات الاعتماد او
عن طريق حساب البنك (הוראת קבע). يجب ان توجهوا 5% من دخلكم للمصاريف الغير
المتوقعه ومع الوقت سترون ان هذا المبلغ سيصغر عندما تصبحون اكثر تنظيما. بالنسبة
للتقاعد فيجب عليكم ان توجهوا 10%من دخلكم الى صناديق استثمارية . لا تتنازلوا عن
الهدايا والترفيه، حسب الدراسات، يمكن ان توفروا حتى 30% في مصروفات العائلة بدون
ان تتراجع مستوى معيشتكم.
3- تخطيط سنوي:
هنالك مصاريف ندفعها مرة واحدة في السنة كتأمين السيارة، تأمين الحياة وغيرها.
احسبوا المبلغ الذي انتم بحاجة لدفعه، اقسموه على 12 ووفروا كل شهر المبلغ النسبي
حتى موعد الدفع (يمكنكم ان تسألوا المصرفي الخاص بكم عن صناديق التوفير والاستثمار
الذي يلائمكم وبهذا تربحون المزيد على شكل فوائد يدفعها لكم البنك نفسه).
4- تخطيط مصاريف العائلة للمدى البعيد:
هنالك بعض المشاريع المهمة في الحياة كزواج الابن، ادخال الابناء في الجامعة او حتى
شراء بيت. من اين ستحضرون المبلغ المطلوب من المال؟ فقط عن طريق التوفير. تلك
النقود التي ستوفروها للاولاد فليحضروها بانفسهم.
في البلاد وحسب قانون مخصصات التأمين الوطني، تدفع الدولة على كل ولد حتى جيل ال18
مبلغا شهريا قدره 152 شيكل(صحيح حتى 2008)، خذوا النقود وضعوها في في صندوق توفير (תוכנית
חיסכון). حسب معدلات الفائدة المتوسطة في البنوك، سيلزمكم 21 سنة من تحويل 70 شيكل
كل شهر لتوفروا 30 الف شيكل لدخول ابنكم للجامعة. انظروا لروعة الرياضيات! لكم
سيكون الضعف.
الازمة المالية لن ترافقنا للابد وايضا هي سوف تمر. تعلموا ان تخرجوا من هذه الفترة
الصعبة اكثر قوة وتماسكا وليس مع ديون اكثر والتي ستحتاجون الى سنين لتمحوها.
شاركوا ابناء عائلتكم في الوضع الاقتصادي للعائلة، اذا كان هناك داع لتقديم تضحيات
فكونوا عادلين في توزيع العبء على كل الافراد. واخيرا اقول لكم
تعلموا من الماضي، حسنوا الحاضر وخططوا للمستقبل وعندها لن تنمحون..
إقرأ أيضاً:
هكذا انمحيت – اقتصاد العائلة(الجزء الاول)
أسامة العجمي
مستشار اقتصادي واداري
B.A. Economics & business management
Haifa University