العالم يسير إلى الأمام والعرب إلى الوراء !
لماذا..؟؟؟..
ابن زاهدي - 01\03\2009
كثيرون ممن لم يدرسوا علم الفيزياء لا يوافقونني على ذلك, وحجتهم هي أن مستوى
التطور في العالم العربي يوحي بتحرك إيجابي لا يمكن إنكاره, شوارع عريضة, وبنايات
شاهقة, وسيارات يابانية وألمانية, وأسلحة أمريكية وروسية, وثياب وموضة فرنسية,
وبكيني من ريو دي جانيرو, وعقال مصنوع في لندن،
وحجاب مصمم في باريس, وطحين من مطاحن أسترالية, والكثير الكثير من مظاهر الحضارة
المستوردة.
أود أن أصطحب هؤلاء المتفائلين برحلة قصيرة عل متن قطار
سريع. وعلى الجانب الآخر لسكة القطار يمتد طريق سريع للسيارات. وهنا سأطرح عليهم
سؤالاً وجيهاً:
- هل أنتم تتحركون, وفي أي اتجاه؟
- الجواب بسيط , نحن جالسون على مقاعدنا ولا يمكننا القول بأننا نتحرك بأي اتجاه .
- سأطرح عليكم سؤالأ
آخر: انظروا إلى السيارات على الطريق إلى جانبكم, هل هي
تتحرك, وفي أي اتجاه؟
- الجواب, نعم إنها تتحرك إلى الأمام.
- تلك السيارات تتحرك, لا
خلاف على ذلك, ولكن, إذا كنتم أنتم جالسون على مقاعدكم لا تتحركون وهذه السيارات
تتراجع عنكم وتختفي وراء الأفق خلفكم, فكيف لكم أن تجيبوا بأنها تتحرك إلى الأمام؟
- نعم إنها تسير إلى الأمام ولكن القطار الذي يحملنا يسير بسرعة تفوق سرعتها , لذا
فهي تتخلف وراءنا.
- إذاً بالنسبة لكم هي تتراجع إلى الوراء ولا يمكنكم القول بأنها تتحرك إلى الأمام,
ولو كان سؤالي موجهاً للأحجار والأعمدة الموجودة على
جوانب الطريق لكان لها الحق بأن تجيب بأن هذه السيارات تسير حقاً إلى الأمام.
هذا هو حال الأمم المتخلفة وعلى رأسها الأمة العربية, قطار التطور في عالمنا يسير
إلى الأمام بسرعة هائلة وهي تظن بأنها تسير معه, ولكنها يوماً بعد يوم تكتشف بأن
القطار يبتعد عنها ولا يمكنها اللحاق به، فتسلم أمرها
لله, وتتغنى ببعض الأناشيد والآيات من تاريخ عريق بائد, وتغرق في الجوع والفقر
والبطالة والصراع فيما بينها على لقمة العيش, وكلما اتسعت الفجوة اتسعت معاناة
الشعوب واتسع التذمر واتسعت معه قوانين الطوارئ وأجهزة القمع وسلب الحريات وتكميم
الأفواه.
إذاً, ما هي الأسباب وراء عجز هذه الشعوب عن اللحاق بقطار الحضارة؟ وهنا أريد أن
أركز على المنطقة العربية، لأنها تختلف عن الأمم
المتخلفة الأخرى، كونها كانت على مدى التاريخ
مهد للحضارة الإنسانية، وفي فترات عدة كانت تقود قطار
التطور والإبداع في العالم.
البعض يعزو هذا التأخر إلى أن المنطقة كانت مستعمرة حتى منتصف القرن الماضي, وستون
عاماً من الاستقلال ليست بكافية للحاق بقطار الحضارة،
ولكن الدول العربية حصلت على استقلالها في نفس العام الذي تحررت فيه الصين, وفي نفس
العام الذي أعلنت فيه إسرائيل قيام دولتها. إسرائيل منذ زمن بعيد تجلس في مقدمة
القطار, والصين قاربت على استلام زمام القيادة في نفس القطار. إذاً, الاستعمار ليس
سبباً في تأخر العرب. هل هو الفقر؟ لا, فجميع الدول العربية تملك ما يكفيها ويزيد
عن حاجتها إذا استغلت مواردها البشرية والطبيعية كما يجب. وحقائب الأموال العربية
تملأ البنوك والمؤسسات المالية في أوروبا وأمريكا. هل هو الجهل؟ لا, فالجامعات
العربية تخرّج عشرات الآلاف من الاختصاصيين في كل عام, والعلماء العرب منتشرون في
معظم دول أوروبا وأمريكا, يدرّسون في جامعاتها ويبدعون في مختبراتها. فلماذا إذاً
لا يبدع علماء العرب على أرض العرب؟ ولماذا لا تستثمر أموال العرب على أرض العرب؟
ولماذا يتحتم على العقل العربي والمال العربي بأن يهجر أرضه لكي تتفتح براعمه و
يثمر؟ لا بد أن يكون المناخ العربي غير ملائم لزراعة الفكر ونمو العقل واستثمار
المال.
مقومات الحضارة والتقدم لأي مجتمع هي العقل البشري، ورأس
المال، واليد العاملة،
والموارد الطبيعية، والاستقرار السياسي والاجتماعي،
ولو تفحصنا جميع هذه المقومات لوجدناها موجودة بوفرة في وطننا العربي،
ما عدا واحدة منها، وهي الاستقرار السياسي والاجتماعي,
الذي هو بعينه المناخ المطلوب لنمو وبقاء وتطور جميع المقومات الأخرى, أو محاربتها
وتخويفها ودفعها على الرحيل إلى بلاد أخرى تحترمها وترعاها وتؤمن لها المناخ
الضروري لكي تزهر وتثمر.
- المناخ الاجتماعي يبدأ في البيت والمدرسة وأماكن العمل, واحترام حقوق و واجبات
المواطن, وضمان الرعاية الاجتماعية والصحية له, والتقيد بالدستور, وتفعيل القانون,
واستقلالية القضاء ونزاهته.
- المناخ السياسي يتطلب أولاً فصل المؤسسات العسكرية عن المؤسسات السياسة والمدنية،
وخضوع الجميع لسيادة القانون, والفصل بين السلطة التنفيذية (الحكومة) والسلطة
التشريعية (البرلمان)، وخضوع الأولى للثانية. والفصل بين
الجيش والشرطة بحيث يختص الجيش بالأمن الخارجي والشرطة بالأمن الداخلي،
وتطبيق القانون وخضوع الاثنين للسلطة التنفيذية وسيادة القانون.
- المناخ الاقتصادي يبدأ أولاً بخلق استقرار سياسي, وهذا لا يتم إلا بإبعاد الجيش
عن السلطة, وبوجود قوانين اقتصادية مشجعة للاستثمار وواضحة وصريحة ولا يمكن لأحد
تجاوزها, ومؤسسات مالية تتمتع بالكفاءة والنزاهة والمصداقية. ومكافحة الفساد
والرشوة لأنها وباء خطير يخيف الشركات والمستثمرين الآتين من الخارج،
ويرعب الرأسمال المحلي ويدفعه إلى مغادرة البلاد والبحث عن أماكن أخرى أكثر أماناً.
والفساد له صور عديدة, منها تقاضي الرشوة لتسهيل المعاملات, وسرقة الأموال العامة,
وتزكية ودعم الأصدقاء والأقارب للمناصب العامة والخاصة, والاحتيال على الناس
والقانون للوصول إلى مكاسب شخصية أو فئوية, واستغلال مركز أو منصب لتحقيق مكاسب
خاصة..الخ... وللقضاء على الفساد بجميع أشكاله يجب وجود
إعلام حر ومسؤول، يتمتع بحصانة قانونية،
لكي يستطيع تقصي الحقائق وفضح الفساد والمفسدين على جميع المستويات،
دون الخوف من أصحاب النفوذ أينما كانوا، وفتح أرشيف
الدولة المدني أمام الصحافة والباحثين والقانونيين، وكل
هذا يتطلب جهازا قضائيا نزيها
ومستقلا عن جهاز السلطة، كما
هو الحال في جميع الدول المتطورة.
هذا هو الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية لأي مجتمع يريد التطور واللحاق بقطار
الحضارة. و لو نظرنا إلى العالم العربي بأكمله لوجدنا بأن جميع دوله تفتقر لهذه
المتطلبات بشكل جزئي أو كلي. وأهم ثلاثة من هذه المتطلبات الضرورية لتطور أي مجتمع
نجدها معدومة تماماً, وهي: استقلال القضاء, وإبعاد
العسكر عن السياسة, والقضاء على الفساد المالي والإداري.
في مثل هكذا مناخ موبوء بالفساد وقوانين الطوارئ وقمع الحريات وتسلط العسكر
واستبداد الحكام، لا يمكن لأي مجتمع بأن يتطور. وفي هذا
السياق سنأخذ العناصر الضرورية لتطور المجتمع ونعالجها بشكل مختصر كلٌ على حدة.
العقول
وهنا أقصد الشريحة المتعلمة والاختصاصيين والكتاب والعلماء والشعراء والفنانين..
الخ… لكي يستطيع هؤلاء أن يبدعوا
ويأتوا بما هو جديد يدفع بالتطور إلى الأمام، يجب أن
تتوفر لهم عدة عوامل, أهمها حرية التفكير, والتفرغ لبلورة أفكارهم, وإمكانية النقاش
والجدل لتبادل الخبرات وصقل تلك الأفكار, وتوفر المختبرات والمراجع والخبراء في
محيطهم, وتوفر الشركات والأسواق القادرة على تحويل أفكارهم ونظرياتهم إلى إنتاج
فكري أو تقني يستفيد منه المفكر والمنتج والمستهلك والمجتمع, يضاف إلى ذلك الدخل
المالي المعقول لكي يستطيع المفكر أو التقني إعالة نفسه وعائلته والتفرغ لما يقوم
به.
و لا يمكن لأي نوع من الفكر التطور دون التفاعل مع أنواع أخرى من الفكر حوله.
فالكيميائي مثلاً بحاجة إلى الموسيقى والأدب والطب والصحافة والطبيعة لكي تتبلور
وتولد أفكاره. وكذلك الأديب والشاعر والمهندس،
كلهم يكملون ويغذون بعضهم البعض في الخلق والإبداع ورسم خطوط المستقبل.
ماذا سيحدث عندما نضع قيود على حرية الكلام والتفكير والإبداع؟…
ستهاجر النخبة من المفكرين والمبدعين ويخسرهم المجتمع, ومن بقي
منهم يلجأ إلى الصمت والانطواء على الذات, وعدم الاكتراث لمشاكل المجتمع, والاكتفاء
بالأفق الضيق المسموح به. وهنا يخسر المجتمع نخبة عقوله بين مهاجر ومُلجم،
وربما معتقل أو مفقود. والنتيجة الطبيعية لذلك هي انتقال مسؤولية بناء المجتمع
وإدارته من الأيدي البنّاءة إلى الأيدي الهدامة من المرتزقة والمنافقين والبلهاء،
القادرين على بيع ضمائرهم والتلون بلون الزمان والمكان. ويتحول المجتمع إلى قطيع
يتحكم بمصيره سلطان أو حزب مستبد همه الأول الحفاظ على السلطة. وللحفاظ على السلطة
في مجتمع مظلوم وجائع يتوجب مزيد من القمع وقوانين الطوارئ ومصادرة الحريات, ومن ثم
مزيد من العساكر وأجهزة الأمن للقيام بذلك, مما يؤدي إلى مزيد من الفساد ومزيد من
الخوف, ومن ثم مزيد من الانحطاط وهجرة العقول والأموال .
رأس المال
أصحاب الأموال يهمهم بالدرجة الأولى الحفاظ على أموالهم وزيادة أرباحهم, فإذا توفر
لهم ذلك في بلادهم استثمروها في تلك البلاد, وإذا لم يتوفر ذلك هربوا بها إلى
المكان الذي يوفر ذلك, أو اتجهوا بها لشراء العقارات واحتكار الأرض والبيوت لرفع
الأسعار وجني الأرباح. وفي الحالتين يكون المجتمع وتطوره هو الخاسر،
لأن الأموال الهاربة كان يمكن لها أن تستثمر في مشاريع صناعية أو خدمية تعطي فرص
عمل وخبرة للمواطنين، وضرائب للدولة،
وتدفع بالتطور إلى الأمام. وانحراف الجزء الآخر من رأس المال إلى القطاع العقاري
يؤدي إلى رفع أسعار البيوت والأرض, وزيادة أرباح التجار, وإفقار الطبقة العاملة دون
أن يدر بأي منفعة لدفع عجلة التطور إلى الأمام. وكلما
ازدادت أرباح تجار العقارات ازدادت أموالهم, وارتفعت تكاليف السكن على المواطنين,
وتفاقم الفقر من حولهم, وأزداد خوفهم على أموالهم, وازداد هروب الأموال إلى الخارج.
أما بالنسبة للاستثمار الآتي من الخارج فهو يراقب بدقة الوضع الداخلي, وعندما يرى
بأن رؤوس الأموال الداخلية تهرب إلى الخارج يفضل التريث والبحث عن مكان آخر.
إذاً, ما هي الظروف التي يحتاجها رأس المال المحلي للبقاء في البلد, وما هي الظروف
التي يحتاجها رأس المال الأجنبي للدخول إلى نفس البلد؟
الاستقرار السياسي والاجتماعي, وتوفر الكفاءات والخبرات الضرورية واليد العاملة في
البلد, ووجود بنية تحتية جيدة, وانعدام الفساد المالي
والإداري, وتسهيل المعاملات المالية والتجارية, وسيادة القانون, ووجود قوانين واضحة
ومشجعة للاستثمار والتبادل التجاري.
ولو قارنا هذه المتطلبات مع ما أوردناه سابقاً في سياق الحديث عن المناخ الاقتصادي،
لوجدنا بأن هذه الظروف لا يمكن لها أن تتوفر مجتمعة في أي بلد عربي،
لسبب بسيط وهو غياب الديموقراطية, واستئثار أشخاص أو فئات صغيرة بالسلطة،
معتمدة على الجيش ومشتقاته من قوى القمع المختلفة.
وبما أن الجيش يستمد شرعيته من السلاح، والحاكم يستمد
شرعيته من الجيش، يصبح الاثنان
فوق القانون, وتسود شريعة السلاح والمصالح الفردية الضيقة،
و يصبح مالك الشرعية الحقيقي -الشعب-
مصدر خطر بالنسبة لهم وعدوهم الرئيسي, ويتحول القانون الذي وُضع
لتنظيم حياة المواطن وحمايته، إلى سلاح بيد الحاكم
والعسكر ومن معهم لإستبزاز هذا المواطن والتنكيل به. عندها تتنحى الضمائر الحية أو
تُبعد جانباً وتبرز الصعاليك إلى الواجهة، وتستلم دفة
القيادة والإدارة, وينتشر الفساد والظلم والخوف, وتهرب العقول والأموال, وتتوقف
عجلة النمو والتطور.
لقد حاولنا تشخيص المرض, و تشخيص مسبباته, وجميعها مرتبطة بنقطة مركزية واحدة،
وهي دخول العسكر إلى المؤسسات المدنية وتحويلها إلى مؤسسات عسكرية،
تتعامل مع المجتمع المدني بلغة العسكر المبنية على تجريد الفرد من إرادته, وتلقي
وإملاء الأوامر, والطاعة المطلقة, والعصا إذا لزم الأمر.
وطريق الشفاء من هذا المرض يبدأ برجوع العسكر إلى ثكناتهم, وترك المجتمع المدني
يختار مؤسساته ويديرها بنفسه، بما في ذلك المؤسسة
العسكرية.
سؤال أخير يبقى, وهو كيف وصل هذا المرض العضال، وكيف
انتشر في جسد الأمة من محيطها إلى خليجها، وما هو الدواء؟
استبداد الحكام واعتمادهم على العسكر ليس بشيء جديد،
وليس من اختصاص العرب فقط, فهو قديم قدم التاريخ، بدءاً
بفراعنة مصر ومروراً بقياصرة روما وبني أمية والعباس،
إلى ممالك أوروبا وسلاطين بني عثمان، وانتهاءً بأدولف
هتلر وموسوليني، والحكام العرب, ولكن الصورة تغيرت بعد
قيام الثورة الفرنسية, وشعوب العالم رفضت الديكتاتورية والاستبداد وقررت استلام
زمام أمورها بنفسها, وأجبرت الحكام على الخضوع لإرادة الشعوب, وحررت طاقاتها لبناء
ما نراه اليوم من التقدم التكنولوجي والحضاري.
ولو نظرنا إلى ما يسمى الآن بالمنطقة العربية، منذ العهد
الفينيقي حتى نهاية العصر العثماني، لوجدنا بأنها كانت
على مدى التاريخ المنافس الرئيسي لأوروبا وباب أوروبا نحو العالم, وزادت أهميتها
بعد بدء الثورة الصناعية واكتشاف النفط واعتماد الصناعة الأوروبية عليه.
في حديث لوزير المستعمرات البريطاني أمام مجلس اللوردات في بداية القرن الماضي،
بعد زيارة للمنطقة العربية، وضع أمام المجلس تقريراً
مفاده: لقد قلصنا الإمبراطورية العثمانية إلى دولة تركية،
وفتحنا القمقم أمام شعب يعد بالملايين ويتكاثر كالجراد, يتكلم لغة واحدة ويدين بدين
واحد، ويملك ثقافة واحدة،
ويعيش على أرض واحدة تمتد من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي, تفصل بريطانيا عن
مستعمراتها في أفريقيا وآسيا, وفوق كل هذا يمتلك احتياطي هائل من النفط الذي تحتاجه
الصناعة الأوروبية. لا يجوز لأوروبا بأن تترك تلك المنطقة خارج سيطرتها, لأنها تملك
جميع مقومات الأمة الواحدة, وإذا توحدت واستغلت طاقاتها البشرية والمادية فستصبح
خطرا فعلياً على بريطانيا
وأوروبا، يفوق بمرات عديدة الخطر العثماني.
ولحق ذلك مباشرة معاهدة سايكس بيكو لتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة،
تبعاً لما تملكه من احتياطي نفطي آنذاك, فكلما زاد حجم
الاحتياطي كلما صغرت رقعة الدويلة وعدد سكانها, وباتت عرضة لمطامع جيرانها من العرب
الآخرين الذين لا يملكون نفط بسبب وجودهم على الجانب الآخر من الحدود الجديدة التي
وضعها سايكس و بيكو. وبما أن هذه الدويلات صغيرة وضعيفة ولا تريد تقاسم حصتها مع من
لا حصة له على الجانب الآخر من الحدود, فهي بحاجة لحماية خارجية دائمة من بريطانيا
أو غيرها من الدول الصناعية الكبرى, وبهذه الطريقة يتم ربط أمن وبقاء هذه الدويلات
بالحماية الأجنبية التي ستؤمنها بريطانيا وحلفاؤها.
ولم يمض وقت طويل حتى جاء وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين،
لفصل الشق الآسيوي من الأرض العربية عن الشق الإفريقي منها, وخلق بؤرة توتر ساخنة
ومستمرة في المنطقة، تستحوذ على تفكير وانتباه وعواطف
شعوبها, وتستنزف قدراتها المادية والبشرية, وبذلك يتم توجيه أنظار شعوب المنطقة
بعيداً عن آبار النفط وبعيداً عن الحدود التي وضعها سايكس و بيكو, وتؤدي إلى
استنزاف قدراتها العقلية والمادية والبشرية، في صراع
مخطط له سلفاً بأن لا يتوقف قبل أن تتوقف مضخات النفط على الأقل.
هذا هو المخطط الأنغلوفرنسي للمنطقة, ولكن ما هو المخطط الصهيوني العربي في هذه
اللعبة؟
الصهيونية تطمح لبناء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين،
قبل وصول بريطانيا وفرنسا إليها بزمن بعيد. إذاً! بريطانيا وفرنسا بحاجة لبؤرة توتر
ساخنة ودائمة في المنطقة, والحركة الصهيونية بحاجة لبناء وطن قومي لليهود يمتد من
الفرات إلى النيل. هذا سيؤدي إلى حرب دائمة في المنطقة لا تنتهي إلا بانتهاء العرب
أو اليهود. وبما أن اليهود لا يمكنهم إنهاء العرب، فيجب
على بريطانيا وحلفاؤها حماية ودعم الدولة اليهودية كي لا يتمكن العرب من إنهائها
والتوجه بعد ذلك نحو آبار النفط.
ولكن ماذا سيحدث فيما لو اتحد العرب من جديد؟ عندها سوف لن تقدر بريطانيا ولا فرنسا
ولا الدولة اليهودية على السيطرة عليهم وعلى مواردهم,
لذا يجب وضع خطة محكمة للمحافظة على حدود سايكس- بيكو. وهنا جاء دور الحليف العربي
في المؤامرة.
بعض المخاتير والخواجات وزعماء العشائر لطالما راودتهم الأحلام بأن يصبحوا ملوكاً
وأمراء وأصحاب فخامة, وهذه الأحلام تتطابق مع الأحلام الأنغلوفرنسية والصهيونية،
بتنصيب حراس لحماية حدود سايكس و بيكو وتثبيتها. ولكن الصهيونية تخشى من أن يتفقوا
فيما بينهم رغم الحدود التي تفصلهم, لذا يجب توزيعهم في تيارات واتجاهات سياسية
مختلفة ومتناقضة بحيث يصبحون مبعث خوف وتهديد بعضهم لبعض. وأكثر من خشيتها من
الزعماء العرب والشعوب العربية، فالصهيونية تخشى من شيء
آخر أهم وهو دخول التطور العلمي والتكنولوجي إلى المنطقة العربية, وهذا ورد في
كتابات ثيودور هرتسل محذراً الشعب اليهودي "إذا أريد لدولة يهودية بأن تقوم وتستمر
فيجب عليها العمل على إيقاف التطور العلمي والثقافي عند جيرانها لكي تتمكن من
الحياة والاستمرار". وهنا يأتي دور حليف رابع وهو الأخ التوأم أو الوجه الآخر
للحركة الصهيونية "الماسونية العالمية".
الماسونية العالمية تقوم على نظرية "من الفوضى يأتي النظام", والنظام الجديد الذي
تصبو إليه الماسونية هو نظام عالمي يدار من قبل حكومة مركزية وهي الأمم المتحدة
الخاضعة كلية للمحفل الماسوني الأعلى Illuminai. الماسونية وصلت إلى الوطن العربي
مع دخول نابليون إلى مصر وتسليم الجنرال كليبر الماسوني ولاية وادي النيل. ثم شيئاً
فشيئاً بدأت المحافل الماسونية تظهر في مدن مصر والسودان والساحل السوري اللبناني
وتجذب إليها النخبة المثقفة وأصحاب النفوذ في المجتمع المحلي. وبما أن طريقة العمل
الماسوني تعتمد على التغلغل والسيطرة على جميع التيارات والاتجاهات الفكرية
والسياسية في المجتمع , إذاً , عليها أن تبرز بوجهين مختلفين على الساحة العربية.
الوجه الأول كان المحفل الفرنسي Grand Orient de France بوجهه الثوري اللبرالي ,
والوجه الثاني تمثل بالمحفل الإسكتلندي (سكوتش رايت) بوجهه التقليدي المحافظ , بحيث
يتم استيعاب جميع الاتجاهات الفكرية والسياسية في المنطقة. الأسماء غير مهمة لأن
جميع المحافل الماسونية تخضع لمحفل أعلى يدعى Illuminati وإلى جانبه , يوجد فرع خاص
مفتوح فقط لليهود يدعى B`nai B`rith , وجميع أعضاء المحفل اليهودي من درجة 33 هم
أعضاء قياديون في Illuminati و في هيئة عليا ثالثة تدعى Committee of 300 فيها
يلتقي رجال المال والأعمال من الوزن الثقيل مع قادة المحافل ومنها تخرج التعليمات
إلى الدرجات الأدنى من الهرم وعنها تصدر القرارات الحاسمة بما في ذلك الفضائح
والاغتيالات.
الحديث عن الماسونية طويل ويحتاج إلى بحث خاص , وما يهمنا هنا هو دور الماسونية في
تعطيل وإيقاف عجلة التطور في العالم العربي والإسلامي, ومن يريد مزيد من المعلومات
عن الماسونية يمكنه الدخول إلىhttp://100777.com/myron ,
http://100777.com/node/1269.
وإذا تعقبنا تاريخ غالبية الزعماء وأصحاب النفوذ ومؤسسي الأحزاب والمنظمات في
العالم العربي خلال النصف الأول من القرن الماضي لوجدنا بأنهم كانوا على علاقة
بالماسونية . وبعضهم ممن أصبحوا معروفين بعد موتهم وانتهاء مهمتهم كالملك حسين
وجمال عبد الناصر وأنور السادات وياسر عرفات كانوا قد وصلوا إلى درجات عالية جداً
في الماسونية . وعندما يتم اختيار شخص للوصول إلى مركز قيادي مهم, تتشكل لجنة خاصة
لدعمه وحمايته وتسهيل مهمته بالتخطيط والإرشاد والإعلام وكل ما يحتاجه لتنفيذ
المهمة الموكلة إليه. وليس غريباً, بل من الطبيعي في العمل الماسوني بأن نرى شخصين
يقودان تيارين متناقضين وعدوين لبعضهم البعض في سبيل الوصول إلى هدف معين كأدولف
هتلر ويوسف ستالين أو جورج بوش وبن لادن أو شمعون بيرز وعرفات على سبيل المثال.
وعودة إلى موضوع حديثنا, وهو أسباب تأخر العالم العربي , وجدنا سابقاً بأن السبب
الرئيسي لهذا التأخر هو المناخ السياسي والاجتماعي القائم على الديكتاتورية وحكم
العسكر. فمن هو إذاً المسؤول عن قيام هذا المناخ؟…. هذا المناخ يمكن إدخاله إلى أي
مجتمع بطريقتين , الأولى عن طريق إدخال العسكر على المؤسسات المدنية , والثانية عن
طريق خلق خطر خارجي يزيد من أهمية الاعتماد على العسكر ويسهل تدخلهم في عمل
المؤسسات المدنية ومع مرور الوقت مصادرتها.
هذه هي المهمة الرئيسية التي أوكلت للمرحوم جمال عبد الناصر ( درجة 33 في المحفل
الماسوني ) ورفاقه, ليس فقط في مصر, بل في جميع الدول العربية التي تملك إمكانية
التطور والتقدم و يمكن أن تشكل خطر في المستقبل على خطة سايكس- بيكو ومنابع النفط ,
فهو الذي أوصل البعث إلى الحكم في سوريا والعراق ونصّب عرفات على رأس منظمة التحرير
الفلسطينية لإبقاء القضية الفلسطينية مشتعلة دون إحراز أي منجزات للشعب الفلسطيني,
ووضع القذافي في ليبيا ليكون سداً ايديولوجياً "بأفكاره الغريبة" بين المغرب العربي
والمشرق العربي, والنميري وحزبه في السودان , وفشل في تمكين بن بيلا من إقامة نظام
عسكري ديكتاتوري في الجزائر (ولو أنه أقيم بعد ذلك بمساعدة بن لادن والسلفيين). كما
أُوكلت لماسونيين آخرين بينهم كمال أتاتورك وميشيل عفلق وأنطون سعاده وعبد الناصر
نفسه مهمة أخرى وهي بناء الأحزاب القومية المختلفة لشق العالم الإسلامي إلى تركي
وكردي وعربي وفارسي , والعربي إلى قومي سوري وقومي عربي وقبائلي وأمازيغي….الخ ,
وهنا تتحول الأمة الإسلامية التي كانت المنافس الأكبر لأوروبا منذ انهيار بيزنطا
وروما إلى دويلات وتيارات وأحزاب قومية وطائفية مختلفة ومتنازعة فيما بينها, وتصبح
الفئات الضعيفة منها تستجدي المساعدة الأجنبية وحليف محتمل للصهيونية والماسونية
يمكن استخدامه عند الحاجة.
الماسونية ومعها الصهيونية في الوطن العربي ليست مقتصرة على بضع أشخاص معدودين, بل
هي منتشرة انتشار واسع في الطبقات العليا من المجتمع بين الحكام والسياسيين ورجال
المال والأعمال وضباط الجيش وحتى في المرجعيات الدينية, وعندما يصل أحدهم إلى مؤسسة
أو دائرة يملأ الدائرة أو المؤسسة بماسونيين آخرين. وبهذه الطريقة يمكنهم التحكم
بكل صغيرة وكبيرة , وأهم مناطق تحظى باهتمامهم في الدول المتخلفة هي الجيش
والمؤسسات المالية وقصور الحكام . أما في المجتمعات الديموقراطية المتقدمة فالصورة
تختلف حيث يتوجه اهتمامهم بالدرجة الأولى نحو الصحافة والإعلام, القضاة والمؤسسات
القانونية, المؤسسات المالية والشركات الكبرى, منظمات المجتمع المدني, وأخيراً
مراكز صنع القرار السياسي حيث يفضلون البقاء في الظل كمستشارين وموظفين كبار.
وعندما يدور الحديث مثلاً عن اللوبي الصهيوني ونفوذه في الولايات المتحدة , يتبادر
فوراً إلى أذهان الجميع الجالية اليهودية هناك. هذا ليس بصحيح , اللوبي الصهيوني
يستمد قوته ونفوذه من المصالح المشتركة للدول الكبرى والشركات ورؤوس الأموال
العالمية التي تدار بدقة متناهية من قبل Committee of 300 حيث يتواجد الرأسمال
والرأسماليين العرب جنباً إلى جنب مع الرأسمال الصهيوني والعالمي .
وبما أن الماسونية والصهيونية هما وجهان لعملة واحدة , والماسونية تتربع مبجلة
مكرمة محترمة في قصور الملوك والرؤساء العرب , والجماهير العربية تصفق وتهلل لهم ,
إذاً , لا غرابة في أن تصل الأمة العربية إلى ما هي عليه من التأخر والهوان , لأن
الصهيونية تريد بناء دولة إسرائيل والحفاظ على أمنها, والاستحواذ بالمال العربي ,
وهذا لا يتم إلا بإبقاء العرب ممزقين ومتخلفين, وهذه المهمة يقوم بها بكل أمانة
وإخلاص أخوتهم الماسونيون العرب مشكورين , ليس فقط من الصهيونية وحلفاؤها , بل من
الشعوب العربية نفسها , التي تصفق وتهلل لهم , والأفدح من ذلك تقدسهم وتزور قبورهم
بعد موتهم. ..لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...