التفاح الوطني
نبيه حلبي – 14\03\2009
زيد أبو فلان يلعن الساعة التي باع فيها تفاحه للتاجر الإسرائيلي. ها هو جاره قد
صبر ونال. فقد أرسل محصوله إلى أسواق الوطن سورية، وقالوا له أن سعر الكيلو بدأ
بدولار ونصف وهو غير ثابت وبأن المسؤولين هنا وهناك قرروا رفع السعر إلى دولارين..
هذا الخبر الذي نزل على مسامع أهل الجولان أثلج صدور الجميع، وأثبت للمغرضين
والمشككين والذين يصطادون بالماء العكر، بان الوطن لم ينسانا ولن يهملنا، وبأنه
أصبح يقدر تعب الفلاح ومعاناته وصبره على جور الاحتلال ومحاصرته لمصدر الرزق
الرئيسي لأهل الجولان الصامدين تحت أغصان تفاحهم...
ها قد أصبحت حبة التفاح أخيرا شريكا أساسيا في المقاومة والصمود مع أصحابها الذين
أنصفوها أخيرا وأعطوها السعر التي تستحق.
وصار الناس جميعهم وبعد سماع خبر رفع سعر الكيلو إلى دولارين يتراكضون فرحا
وابتهاجا، غير مصدقين بان الفرج قادم مع أول شوال من الدولارات.. ثمن التفاح.
أبو معتز قفز فورا إلى محل جاره الذي يبيع أدوية رش التفاح ليطمئنه بأنه أصبح قادرا
على سداد دينه المتراكم ثمن رشوش...
وصاحب المحل أيضا تنفس الصعداء لأنه سيخرج من محنته ويأتي الناس بأموال التفاح
الوطني ليوافوه دينه وصبره عليهم...
أبو راضي قام بجولة على كل الدكاكين التي استدان منها منذ شهور وطمأنهم بان نقودهم
قادمة في الطريق، لا بل سيدفع لهم بالأخضر نكاية بمطالبتهم له بديونهم..
حمد اطمأن بان البنك لن يسحب منه السيارة التي اشتراها بالتقسيط...
أم فوزي قررت أنها وفور حصولها على نقود تفاحاتها ستذهب إلى المجلس المحلي لتدفع
ثمن الكهرباء قبل أن يقطعوها عنها وعن أولادها..
فرحت كل الدكاكين في الهضبة المنسية. فرحت محلات الخضرة.. والملابس والأحذية.. لا
بل الصرافين، وتجار مواد البناء، وطلاب الجامعات، والمرضى والعجزة.. وقرر أبو فرحان
التراجع عن اقتلاع شجراته لأنهم أصبحوا عبئا عليه بدل مساعدته في عيالة أطفاله.. لا
بل قرر انه سيزرع قطعة ارض جديدة بالتفاح نكاية بالإسرائيليين.
ولم يحزن إلا تجار التفاح وحدهم.. فكيف لم ندرك حتى الآن، بان لهذه الثمرة في
بلادنا تأثير السحر على فرحنا وحزننا ومالنا وعيالنا.. وعلى انتمائنا وحبنا للوطن..
ووفاءً منا للمسؤولين عن انجاز هذا العمل الوطني الكبير، قررنا الخروج بمظاهرة
صاخبة وفي كل القرى. سنرفع فيها كل صور القيمين على هذا المشروع من هنا وهناك...
وبدأت أرى الحشود تتجمع بساحة مجدل شمس.
..
وإذ بي أسمع طرقا على الباب، فقفزت من نومي لأرى الطارق، وأدركت فورا باني كنت أحلم،
وهذا كان جاري قد أتاني باكرا؟ فحدثته عن حلمي، فضحك
كثيرا وطلب مني أن أسرع بتحضير القهوة ليخرج من راسي الحلم الغريب، وليخبرني بأنه
قد تقرر إنزال السعر الغير ثابت من دولار ونصف إلى دولار واحد فقط.. وليصبح ثابتاً،
وذلك بعد أن أرسل معظم الناس تفاحهم لأيدي المسئولين القيمين على المشروع، وليصبح
من غير الممكن تغيير رأيهم وإرجاع التفاح من الوطن لبيعة للتاجر الإسرائيلي...
شربنا القهوة.. وغيرنا الموضوع.. وبدأنا نتحدث عن المعونات والتسهيلات الضريبية
المقدمة للمستوطنين اليهود في هضبة الجولان الصامدة تحت أغصان التفاح اليابسة...