وطنيون بامتياز
داوود الجولاني - 15\04\2000
موت أم:
في الساعة العاشرة صباحا من أيام شهر نيسان جلس رجل أمام باب من الحديد وكان
الدمع في مقلتيه يغزل من نور الشمس قولا.
قال: "كم كنت غبيا,غشيما, وبليدا عندما استلمت الجنسية الاسرائيلية".
ثم أكمل وهو يمسح العرق عن جبينه:
"لماذا، وهو مثلي يحمل الجنسية، يسمحون له لبضع دقائق أن يحضر جنازة أمي فيترحم
عليها، وأنا ابنها يمنعونني ولو لدقيقة من مرافقتها إلي حيث يثوى جثمانها في القبر".
ثوري ثوري:
إني أقدم جزيل الشكر والامتنان لكل المؤسسات الوطنية من رياضية وزراعية
وطبية, وكما لا أنسى من المدح
حلقات الرقص على الخشب، ودورات السباحة والتزلج على الجليد، ولجان تسويق التفاح
ولجان دعم الأسرى
في تعدادها وتنوعها على أنها لم تقم بدعوة الفرق الفنية الملتزمة للاحتفال باستقلال
سوريا.
فيكفينا لجنة العمل الرياضي لطلائع الجولان فقد كانت السباقة، ويكفينا التجمع
الوطني أنه حجز لنا تذاكر دون مقابل في قرية عين قينيا وفي مجدل شمس، وترك لقاسيون
أن يحتفل في بقعاثا. أما الرابطة فقد اختارت
بعد أن احتارت مكانا محايدا في المغاريق وقدمت لنا فنا ملتزما من نوع مغاير، هو فن
الرقص على الحبال
وكأنها جاءت لنا بالجديد ونسيت أننا كلنا نجيد المشي على الحبال.
فشكرا لكل من استراح من الغناء في هذا الشهر، وأتاح لنا الوقت لنسهر في بيوتنا وليس
في الساحات.
بائع الورد:
بائع الورد الذي يبش فاتحا حنكيه كلما دخل شاب أو فتاة دكانه لشراء باقة من
الورد. جن جنونه حين
لمح ابنته تأخذ باقة من الزهور من زميل لها في عيد ميلادها، فقام بصفعها على خدها
بعد أن داس بقدميه
الورد وهو يلتفت شمالا ويمينا حتى لا يراه أحد.
فارس مراد:
وقف مثقفان يساريان قبالة بعض، بعد أن خرجا من اجتماع مهم لإحياء يوم الأسير
العربي في سجون الاحتلال.
قال الأول: "قد مات وهو يناضل من أجل حقنا في الدردشة والثرثرة وتداول السلطة وملح
الأرض".
فرد الأعسر الآخر: "لقد قضى زهرة عمره في سجن الوطن ولكننا لا نستطيع الكلام عنه
لاعتبارات أنت مثلي تعرفها". ثم استقل سيارته الفخمة وانطلق متجاوزا المرأة المسنة
الواقفة فوق الرصيف، رغم أنه ببداهة وذكاء
قل نظيرهما عرف أنها أم لسجين جولاني، ولكنه كان مسرعا لكتابة بيان يلقيه في يوم
الأسير لذلك لم يقف ويقلها إلى حيث تريد.
نحتاج لبطل:
صياد السمك شاهد بعد أن رمى شباكه في بحيرة رام قاربا يغرق، فقفز إلى الماء
دون أن ينزع أسماله البالية
وأنقذ من الموت فتاة وشاباً. ولما اجتمع الناس والفضائيات انبرى للكلام رجل ذو هيبة
ووقار وصاحب أملاك
وأطيان وعقارات وقال: "أنا من أنقذت القارب". فهلل حشد الناس ودعوا له بالعمر
المديد، وقالوا: "نريد بطلا غنيا لا نريد الصياد". فانصرف الصياد مبتسما إلى اقرب
شجرة تفاح ظللته فنزع أسماله لينشفها فوق صخرة تطل على البحيرة.
تلة الصراخ
قال اليساري جميل الملامح وأشعة الشمس تنساب بين شعره المصبوغ: "اسمع كم هو
رجل الميكرفون متملقا يمدح ويشهر امتنانه للوالي". فرد صاحبه وهو يسعل مثل عجوز خرف
بعد أن رمى عقب سيجارته فوق أول وردة صادفتها عيناه:"اسمع كم هو خطيبهم متبجحا
وكأنهم حرروا الجولان".
فسألهما مزارع استرق، بالصدفة، ما دار بينهما من حوار:
"إذا كان الأمر هكذا فلماذا هنا تقفان؟".