هذا حبري فأقرَؤوه
داوود الجولاني - 09\05\2009
ارتجف الدُجى من فرط الدهشة، مثل عاقرٍ جولاني جلس الحب فوق شفتيه، لما رأى قبل
الفجر كيف خرج الجولانيون الطيبون أَفراداً مشتتين، ومشوا نحو مرج مقام اليعفوري.
هناك وقفوا ينتظرون والخصام يفرك عيونهم أكثر من النعاس، كأن دعوة وُجّهت لهم، حتى
رأوا آدمياً طويل القامة أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفاً، يقف بينهم يرتدي
عباءة بيضاء وأمامه على الأرض شاهدوا صندوقين: صندوق فيه ريشة وقرطاسية حبر، وصندوق
فيه سيف.
بادرهم الفارس الخارج من حيث لا يدرون القول: "أنا كنت من حلفاء الليل والظلام،
قاطع طرق أحمل سيفا بتّارا، أقتُل ابن عمي، وحتى أخي، إن خالفني ولو بالكلام. ولكني
ذات يوم أبصرت نورا بلع الدجى، فأدركت الحق ونشرت حبري بين الأنام، فكان كلامي أشد
فتكا من السهام".
ثم سكت، فصاح جميع الجولانيون وقد لكز أجسادهم برد الليل، فاقتربوا من بعضهم مثل
خيول لم تروض بعد.
قالوا متسائلين: "قل لنا من تكون أيها الشيخ"؟
فرد وقال: "أنا من صحت في قريش، وقرعت أسماعها بالحق حتى كادوا أن يصرعوني. وأنا من
شردني معاوية بن أبي سفيان فالتجأت وحللت بينكم، فوجدت في أرضكم زرعا طيبا وأناسا
تُطيّب السقيم، فسكنت مرجكم وعهدي بكم جماعة واحدة لا فرق".
فانبرى من حشد الجولانيين رجل وقال: "لقد عرفناك.. ففيك قيل: "ما أقلّت الغبراء،
ولا أظلّت الصحراء أصدق لهجة من أبي ذر"، ولكن يا سيد السيف والكلام، نحن لا حول
لنا ولا قوة عليهم، فقد شرذمونا حتى صرنا نقدس الموت أكثر من الحياة".
فأجابهم أبو ذر الغفاري والفجر يورق من عباءته:
"هي وقفة واحدة لا أكثر، فاتبعوا ظلال الصدق وانجوا مثلما أنا نجوت، وهذا حبري
فأضربوا خصومكم فيه، وهذا سيفي فأضربوا عدوكم فيه"، ثم حمله الفجر من حيث جاء ففرك
الكذابون والفتانون وتجار الكلام عيونهم وقالوا: "نشكرك يا نبي اليعفوري إن ما
رأيناه لم يكن سوى كابوساً".
وعادوا لطيب المنام.