العدل وتوزيع الثروة – قانون باريتو - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


العدل وتوزيع الثروة – قانون باريتو
Excellence & Caliber A.E.S.
Osam.klkla@gmail.com
أسامة العجمي - 22\06\2009
"كل فرد يساهم في زيادة أرباح المجتمع بقدر استطاعته. هو لم ينوي ابدا أن يقدم خدمة للجمهور، على الرغم من أنه غير مدرك لأي درجة هو يقوم بالعكس. بتفضيله دعم الصناعة المحلية على تلك الغريبة، فإنه يسعى فقط الى زيادة أمانه الشخصي ; وعبر توجيه هذه الصناعة لتصبح منتوجاتها صاحبة القيمة الاعلى والافضل، فإنه يحاول زيادة ارباحه الشخصية فقط، وهكذا، ومثل حالات اخرى كثيرة، فإنه موجه بواسطة يد خفية لدعم هدف لا ينويه وليس بالضرورة يعنيه. وهذا الامر ليس بالضرورة ضررا على المجتمع في حال عدم نية الفرد إلحاق ضرر، فبواسطة ملاحقة الفرد لمصلحته الخاصة، فهو في حالات كثيرة يساعد بشكل ايجابي مصالح المجتمع ككل، بطرق اسرع واذكى مما نوى او اعتقد في نقطة الاصل. وانا شخصيا، يمكنني القول وبكل تاكيد، بأنني لن ارى شيئا اكثر افادة من أولئك الذين حاولوا استخدام عنصر التجارة لرفع فائدة المجتمع..المبادئ والقيم...القوانين التي توجه الارادة الحرة للإنسان واعماله...توصله بالتأكيد، إلى الطريقة الافضل لرفع الربح الشامل للإنسانية وتقدمها." (( آدم سميث- عن كتاب ثراء الامم، ج3 – 1776)).
قبل 100 عام تقريبا واعتمادا على نظريات المفكر والباحث آدم سميث في علم الاجتماع، تمكن رجل اقتصاد ايطالي باسم ((ويلفريدو باريتو)) من اكتشاف قانون مذهل والذي عُرف منذ ذلك الوقت باسم – قانون باريتو(חוק פארטו) او قانون 20/80.
القانون يقول وبشكل لا يقبل الشك، بأنه في كل عصر وبكل مجتمع، %20 من الافراد – يملكون %80 من الثروة (النقد والاملاك). في حالات معينة، قد يصل الفرق الى نسب أعلى بكثير ك- 5/95 او حتى 1/99 (كالبرازيل مثلا)، رغم هذا فإن الاسم المتعارف عليه للقانون هو 20/80.
كما يُستدل من اسمه، فإن القانون يدعي وجود "نقص" عدل عميق في العالم، فهل يمكننا ان نسارع الى اتهام "الرأسمالية" في الجريمة وبدء البحث عن "حلول" يوفرها الموديل الماركسي؟ فلنتوقف قبل ذلك للحظه ونحاول فهم أسباب تكون هذه الحالة.
الجواب يتجلى بشكل واضح عند فحص المجالات التي أُكتشف بها حضور قوي لقانون باريتو، على سبيل المثال: الناتج القومي في الدوله (תוצר לאומי) – حيث نرى انه في كل مجالات الناتج القومي (الصناعة، التجارة والخدمات) هنالك %20 من الاشخاص مسؤولون عن صنع %80 من الناتج.
تذكروا بأن ميكانيكا السوق الحر تصنع احد المعادلات الاساسية في علم الاقتصاد – معادلة "الربح والقيمة". أي ان كمية النقود التي يربحها الفرد هي بالضرورة مساوية أو أقل من القيمة التي يوفرها للمستهلك (الذي اشترى المنتوج او الخدمة). إذا نظرنا الى هذا من جهة المستهلك – فأنا لن أدفع سعرا يفوق قيمة المنتوج الذي سأحصل عليه بالمقابل.
هذه المعادلة تصلح للأفراد والشركات، للأجيرين والمستقلين، وعندما نوصل جميع الاطراف مع قانون 20/80 في مجال النتائج، فإننا سنصل بشكل طبيعي الى قانون 20/80 في مجال الارباح (سأوسع شرحي بهذا المجال في المقال القادم).
بكلمات أخرى "المجموعة الصغيرة ذاتها تربح أكثر من السبب البسيط – إنها تصنع قيمة أكثر للعالم"،إنه قانون السبب والسببية، مؤلم كم أنه بسيط.
انظروا حولكم وستتأكدون من كلامي – المحاماة، الطب، التسويق، التكنولوجيا العالية (הי-טק)، العقارات، البنوك وغيرها – إننا نرى الصورة ذاتها: مجموعة صغيرة من المختصين القياديين التي تربح أكثر بكثير من الاكثرية "المتوسطة"، لماذا؟ لأنهم يوفرون قيمة أعلى بكثير بالمقابل لاجورهم.
وهكذا، فإن الافراد عندما ينظرون إلى هذه الصورة، يختارون أن يجيبوا بواحدة من الطريقتين:
1- قسم صغير من الاشخاص يقولون لأنفسهم "أنا أريد أكثر، ولهذا سأبحث عن طرق جديدة لأقدم أكثر للعالم، لكي أصبح أفضل بما أقدمه، ولكي أصل لل%20 أو %5 أو %1 الاعلى في المجال الذي إخترته".
2- من الجهة الاخرى، معظم الاشخاص الغير راضين عن وضعهم، يستصعبون مسألة الإعتراف بالقانون البسيط – "النتائج الخاصة بي هي متوسطة/دون المتوسط، لأنني أقدم عملا متوسطا/دون المتوسط". وبدلا من البحث عن طرق للتطور والتقدم، فإنهم لا يتوقفون عن القاء اللوم على السياسيين و"انعدام وجود العدل في العالم" (لن أتطرق لمسألة القيم والاخلاق الانسانية في الانظمة هنا) والبحث عن "عطل ما" في أولئك الذين وصلوا للقمة.
الإختيار بين الطريقتين هو الذي يفرق ال%20 الموجودين في القمة عن "القطيع" – "الأغلبية الوسطى" – وهذا الإختيار لم يكن ولن يكون لمرة واحدة في الحياة، بل أنه يتم بشكل يومي. إختيار الذين تتعامل معهم في اللحظات العصيبة والانهيارات، وهو نفسه الاختيار الذي يضعنا أمام السؤال "هل أريد أن أكون ناجحا أو ان أبحث عن مبررات؟"
إذا، هل يوجد عدل في العالم؟
أنا أعتقد أنه من المهم أن نفرق بين المصطلحين: "عدم مساواة" و"إنعدام العدل".
تجربتنا الخاصة في الحياة بشكل عام وقانون باريتو بشكل خاص لا يتركون لدينا أدنى شك بأنه يوجد في العالم "عدم مساواة" – فللأفراد المختلفين يوجد مواهب مختلفة، قدرات مختلفة، مستويات مختلفة من المسؤولية، متطلبات مختلفة من الحياة ومن أنفسهم، ونتائج هذا التنوع (والذي يشمل مستوى الدخل الخاص بهم) ستكون بشكل بديهي، مختلفة.
إنعدام المساواة هذا هو نتيجة مباشرة وحتمية لأحد أساسيات القوانين الطبيعية – قانون "العطاء والاخذ" – وهو الاكثر عدلا من بين الجميع القوانين الأخرى التي تشرح كيفية توزيع الثروات في العالم، إذا فالاحاديث عن عدم وجود عدل، ليست أكثر من من تلاعبات سطحية، التي تهدف الى إعطاء شرعية للمتوسطين في تبرير حالتهم للاخرين، وذلك بدلا من السعي وراء الانفتاح والاستمرارية.
هذه المقالة ليست معدة لأولئك الذين يبحثون عن مبررات، بل لهؤلاء الذين يستيقظون في كل صباح، مدفوعين بالرغبة للتجديد والعطاء لكي يحصلوا في النهاية على المزيد..

أسامة العجمي
مستشار اقتصادي للمصالح الصغيرة – مركز المبادرة للاعمال
وشريك في مكتب "بيست سولوشينز" للخدمات المالية
B.A. Economics & business management
Haifa University