... والقمر بعيد
فاضل فخرالدين - 22\06\2009
صوت ام كلثوم يبعث بالابيض والاسود من الكمبيوتر بكل بهائه ورونقه ، فيملأ الغرفة
بالوان ثلاثية الأبعاد وأنا أقرأ الخبر على صفحة احد المواقع الاخبارية على
الانترنت:
"ناسا تطلق صاروخا إلى الفضاء من نوع أطلس وعليه مسبار للبحث عن الجليد على سطح
القمر ولمسح أماكن الهبوط بهدف إعادة الرواد إلى القمر بحلول عام 2020".
الانسان سيعود إلى القمر اذن. وسوف تستهلك هذه العودة أكثر من عشر سنوات اخرى من
البحث "والسبر".
"ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بي ومليت" تغني أم كلثوم في اليوتيوب، وتنطلق الكاميرا
إلى الجمهور الصاخب ثم تعود إلى خشبة المسرح . وسط هذا الضجيج تقف الست شامخة على
بعد مترين ونصف من ميكرفون مدلى من السقف حجمه أكبر من كف اليد ، ويقطع صوتها كل
هذا البعد عابرا مسافة 50 سنة على الأقل قبل اختراع شريط الكاسيت ونظام الستيريو
وقبل الكمبيوتر والسي دي واليوتيوب.
لا بد ان التكنولوجيا كانت متطورة أكثر قبل 40 سنة، ألم يهبط الانسان على سطح
القمرعدة مرات؟ فهل ضيع درب العودة؟ مؤكد أن الفطنة خانت أرمسترونغ ورفيقيه مايكل
كولينز و باز الدرين. ليته جمع رجمة من بضعة أحجار قمرية رش عليها اسمه بالطلاء
الاحمر، بحيث يراها الأولاد بالتلسكوب عن الارض فيطير أحفاده إلى أرض جدهم ، وكفى
الوكالة الفضائية تكاليف الأطالس والمسابرعلى مدى عشر سنوات قادمة في هذه الايام
العصيبة من شد الأحزمة الاقتصادية.
كيف تكون تكنولوجيا الصوت متطورة قبل عشرات السنين؟ وكيف يعقل في القرن الواحد
وعشرين أن تقف "مانا" وراء الزجاج العازل السميك في استوديوهات حانا وتدخل
الميكرفون اللاسلكي الصغير أعماق بلعومها وأمامها يجلس مهندس الصوت يداعب بخفة مئات
المفاتيح والاضواء بينما تتلوى عظام ام كلثوم في قبرها من هول الزعيق؟ يبدو أن عظمة
الصوت إذن تكمن في الميكروفون؟ ليت العلماء تركوا حنجرة أم كلثوم إذن وشرّحوا
الميكروفون.
التكنولوجيا نفسها قطعا لم تكن متطورة اكثرمن اليوم , أي كمبيوتر HP-Superdomeفي
الشركة التي أعمل بها الان عليه على الاقل 128 جيجا بايت من الذاكرة الداخلية، اكبر
بمليوني ضعف ذاكرة أول كمبيوتر منزلي عرفته. الكومودور ذو ال64 كيلو بايت من
الذاكرة في منتصف الثمانينات.
سعة ذاكرة كمبيوترات ناسا قبل الثمانينات بعشرين سنة كانت بدون شك بهذا الحجم بل لا
بد أنها كانت أكبر من ذاكرة كمبيوتر الثمانينات المنزلي بمئات أو ألاف المرات كي
تقوم بالمهام المعقدة ، إذ من المستحيل ان يتساوى ما عند الناس وما عند ناسا ولوبعد
حين.
هل هي التكنولوجيا فعلا أو التمويل أم ان هناك شيئا اخر؟ هل فعلا كسر ارمسترونغ
قطعة أرض على سطح القمر ثم ضاعت الطاسة في ساعة غفلة وما زالوا في ناسا يفتشون
عنها؟ ام هي مجرد خدعة كما يقول بعض المشككين؟ خدعة من الحجم الكبير؟
إذا أبحرت إلى المواقع التي تتحدث عن أكبر خدعة او"Hoax" في التاريخ حسب رأيهم.
سترى أن هبوط الانسان على سطح القمر حسب هؤلاء المشككين هو مؤامرة بإخراج هوليودي
وضعت الروس امام الامر الواقع.
فاجأ الاتحاد السوفييتي العالم باطلاق سبوتنك الى الفضاء عام 1957. جون كندي تعهد
عام 1961 في خطاب حالة الاتحاد أمام الكونجرس بإرسال أول انسان إلى القمر قبل
انتهاء عقد الستين، معلنا بداية سباق الفضاء على غرار سباق التسلح . وقبل أن تنتهي
هذه المهلة بثت ناسا للعالم عام 1969 الرسالة المرئية لابولو 11 ولأصغر خطوة لانسان
وأكبر خطوة للبشرية. قفزات ارمسترونغ البطيئة نظرا لجاذبية القمر القليلة قياسا
بالارض حسمت السباق الفضائي وحفرت في ذاكرة العالم ، وما زالت ناسا تعرضها للسواح
عدة مرات يوميا في مركز المراقبة بمدينة هيوستن في ولاية تكساس.
ليت كندي كان رئيس أمريكا اليوم فربما رأينا صور الخطوة الثانية على سطح القمر
بالالوان غداً أو بعد شهرين بدل ان نأكل أضافرنا لأكثر من عشر سنوات قادمة بانتظار
ما سيقوله المسبار.
في مواقع المؤامرة يتساءل الكاتب كيف لا تشوي اشعاعات الشمس المرئية واللا مرئية
ارمسترونغ ورفاقه في بدلاتهم المنفوخة بدون وجود غلاف جوي يصفي الاشعة؟ وسترى صورة
الرواد يغرزون العلم الأمريكي والكاتب يتساءل كيف يمكن أن يرفرف العلم وكأنه على
سطح الكونجرس بدون وجود هواء يحركه على سطح القمر؟
وانظر إلى كعب بوط ارمسترونغ محفورا على غبار القمر بينما هم يشككون كيف يمكن لدعسة
قدم أن تترك بصمتها على تراب ناعم كالرماد دون وجود أي رطوبة تحافظ على تماسك اثار
الدعسة.
ثم اقرأ عن أحزمة "فان ألين" الإشعاعية التي تحيط الارض على ارتفاعات بعيدة مختلفة
والتي اكتشفت بعد ان انتهت الرحلات المأهولة إلى القمر وهم يقولون أنه يمكن
للصواريخ بما عليها من أجهزة أن تخترقها بأمان وقد تهبط على القمردون خلل ولكن لا
يمكن لإنسان أن يعبرها ويبقى برأسه ذرة عقل غير مطبوخ دون ان تحيطه من كل الجهات
صفائح بسمك قدم من الرصاص لامتصاص الأشعة.
ويقولون : كيف يمكن اليوم بعد الاف القفزات النوعية من التقدم والغنى أن يحلق رواد
المحطة الفضائية الدولية على مرمى حجر، على ارتفاع 350 كم فقط عن كوكب الارض، أقل
من المسافة بين دالاس وهيوستن في تكساس؟ وكم يستغرق إطلاقهم كل مرة من السنوات
والمال والتدريب والفشل والتأجيل. بينما القمر أبعد من المحطة الدولية بـأكثر من أ
لــــف (1000) مرة أي ما يعادل عشر دورات حول الأرض ومع هذا كانوا "رايحين جايين ،
طالعين نازلين" على 12 رحلة ابولو ، نصفها حطت بروادها على القمر ما بين المرة
الاولى عام 1969 والاخيرة عام 1972؟
سامح الله المؤمنين بنظرية المؤامرة. كيف تثق باقوالهم وهم ما زالوا يصرون أن "الفيس
بريسلي" حي يرزق ويؤكدون لك بالصور ان الأطباق الطائرة تغط وتطير فوق سطوح منازلهم
كل صباح .ثم إنهم قلة فاستطلاع معهد غالوب لعام 1999 كشف ان 6 بالمئة فقط من الشعب
الأمريكي يشككون بالهبوط القمري و5 بالمئة لا رأي لهم.
كتب كثيرة لخيرة علماء ناسا ومواقع عديدة - اذا اردت الاطلاع - تفند ادعاءات
المؤامرة تلك بالتفسير العلمي الدقيق لكل نقطة يطرحها المشككون. فهل تكذّب العلماء
و 89 بالمئة من العالم وتصدقهم أن رواد ناسا هبطوا في استوديوهات هوليوود وليس على
سطح القمر؟
أنا شخصيا أعتقد ان تقنية الصوت كانت أفضل أيام زمان بدليل اني ما زلت استمع لام
كلثوم .
جالت بخاطري هذه الفكرة عندما انتبهت على "طقة" خفيفة تشبه كسرالزجاج، نظرت حولي
فرايت ابني الصغير يعبث بسي دي جديد دون أن يقرأ عليه انه يجب أن يبقى لمئة سنة كما
تقول تعليمات الشركة على باطن الغلاف المرفق. مئة سنة عمر السي دي الافتراضي أي
عشـــرة أضعاف العمر الافتراضي لشريط الكاسيت.
وجدت قرص السي دي مشقوقا عند تنورة مانا ولن ينفع معه الصمغ السريع. شرخ صغير يكفي
للقضاء على كل المحتويات بغض النظر عن عبقرية المطرب أو الميكروفون.
بسبب كثرة تكرار الرقم عشرة أعلاه تذكرت أن الأخوين رحباني أكدا أن القمر بحاجة
لعشر ليالي من السهروليس لعشر سنين. فتركت كرسي الكمبيوتر لأبني كي يدخل الى الفايس
بوك فيتواصل مع اصدقاء لاصدقاء اصدقائة ثم يطلقون معا النار الافتراضية من بنادقهم
الالكترونية على الارهابيين الالكترونيين اعداء الانسانية ، وذهبت الى الكراج.
اخرجت سطل البلاستيك الازرق من تحت الرف وعبثت بقاعه باحثا عن اشرطة الكاسيت التي
اقتناها صاحبي قبل عشرين سنة وتركها عندي قبل أن يترك البلد، اخرجت شريط فيروز
ونفخت عنه الغبار ثم أدخلته في المسجل القديم وأصغيت إلى الصوت الملائكي:
حبيبي بده القمر والقمر بعيد والســـما عالية ما بتطالها الايـــد.
ورحت افكر وانا اغمض عيني... هل يعقل أن الأرض جذابة أكثر من القمر ؟
دالاس 22/6/2009