كانا صديقين...<br>مسعود الجولاني - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


كانا صديقين...
مسعود الجولاني - 23\06\2009
في بلدة جبلية نائيةعاش صديقان جنبا الى جنب منذ سنوات الطفولة، وكانا يتقاسمان معا الجوع والفرحة وحتى حبل الغسيل فقد كان مشتركا، فهما جاران وكانت والدتاهما متفقتان على كل المواضيع والتفاصيل وحتى إشكاليات التاريخ ومآزق الجفرافيا.
كان الصديقان لا يعرفان أية حدود بينهما، ولا أظن أنهما كانا يفهمان معنى لحدود الصداقة فقد حسبا أن كل شيء كامتداد الفضاء وكتطاول الرياح.
مرت الأيام وتساقطت السنوات وها هما فتيان صلب عودهما واشتد زندهما، وفجأة صار النشاط يقطر كحبات الندى من ساعديهما، ولأنهما مدفوعان بطموح الشباب، اتفقا دون طول جدال على مشروع العمر– صفوة الأفكار ومقبرة الفقر وسود الليالي - لقد قررا غرس شجرة جوز هند على الحد الفاصل بين بيتيهما وهما أصلا يجهلان موقعه، ولكنهما اعتقدا أن هذا المشروع أيضا فيه تحد لرسم الحدود وإقامة الحواجز، وهل بفاصل بين كأس النبيذ وخجل الشفق؟.
تثاقلت الغيوم وحن المطر لسمرة الأرض، وكبر الرفيقان بظل شجرتهما الشامخة المعطاءة وكانت تعطيهما أكثر بكثير مما يقدمان لها رغم كل جدهما ونشاطهما.
وهلت المواسم وأقبلت أيام الرخاء والثراء فذاع صيت هذه الشجرة الغريبة العجيبة واشتهر صاحباها، فحج إليهما الأقارب من كل زوايا القرية وأركانها. كبر شأنهما وصار وراء كل منهما جيشا من رجالات وشباب ومعاول ونساء عائلته. نسيا أيام الصبا وعهود الأمس ولم يعد لديهما وقت ليلتقيا، فقد صار بيد كل منهما الحل والربط والعقد والفك والسحب والشك في أوكار العائلة ودهاليزها.
وفي يوم من أيام فصل الصداقات هبت رياح قوية على تلك البلدة وكانت تحمل معها غبارا ورمادا، و كل عائلة كانت مجتمعة في بيت مختارها، وكان القرار الحكيم على حد قولهم: "لا بد من تقسيم الشجرة في هذه المرحلة، ولاحقا سنتفرغ لقسمة الشمس وحصحصة ألوان قوس قزح".
اجتمعت العائلتان حول الشجرة كل من جانب وبدأ مشروع التقسيم بين شد ولوي وهز وصياح، وكانت الشجرة حينئذ لا تحمل سوى حبتين من جوز الهند. وفي أثناء هذه المعمعة سقطت الحبتان على رأس كل من الصديقين المختارين، وكانت الإصابة قاتلة استطاع بعدها كل منهما أن يقول جملة واحدة قبل أن يحتضر، وقد كانتا متشابهتين:
"حمدا لله أن من يرث نصف شجرتي هو من لحمي ودمي، ولا خوف على أبنائي وحولهم أبناء عائلتي الكريمة يجسدون اللحمة بأرقى صورها..."