سهاد عنتير طربيه تدخل مسارب اللمسات التعبيرية الجامحة
الفنانة الجولانية سهاد عنتير- طربيه خريجة معهد غوردون في حيفا قسم رياضيات، أنهت
اللقب الأول في الفنون في كلية اورانيم وتحضر للقب الثاني في جامعة حيفا.
كان لها مشاركات عديدة في عرض لوحاتها في الآونة الأخيرة في صالات عرض ومناطق في
شمال البلاد الأمر الذي استوقف الكثير من الفنانين والنقاد المحليين والخارجيين
والتطرق لنقد أعمالها وأسلوبها في الرسم وهنا نخص بالذكر الفنان والناقد التشكيلي
الفلسطيني المعروف عبداللة أبو راشد الذي نشر عن أعمال الفنانة في مؤسسة فلسطين
للثقافة.
تجارب شابة (6) الفنانة سهاد عنتير
خاص بمؤسسة فلسطين للثقافة
عبد الله أبو راشد
الفنانة التشكيلية الفلسطينية (سهاد عنتير) المولودة في قرية "المغار" الفلسطينية
عام 1974، تخرجت في قسم الرياضيات في معهد غوردن بمدينة حيفا، وتعمل في حقل التعليم
المدرسي. خضعت لمجموعة من الدورات التخصصية في ميادين الرسم والتصوير لصقل موهبتها
الفطرية في كلية الجليل الغربي، مكنها ذلك من إتقان الرسم والعزف البصري على ملونات
الرمادي بأسلوبية خاصة، أقامت مجموعة من المعارض الفردية، ومشاركة في المعارض
الجماعية الخاصة برابطة إبداع للفنون التشكيلية والمرئية في الأراضي العربية
الفلسطينية المحتلة عام 1948 (الحزام الأخضر).
لوحاتها تدخل مسارب اللمسات التعبيرية الجامحة، والمتخندقة في دثار الاتجاهات
السريالية المحملة بالرموز والتعبيرات الوصفية المفتوحة على المحاورة البصرية،
والتخيل والاستنتاج وسعة التأمل والتبصر في مآل نصوصها المسرودة في سياق تقنية
متواترة، متوالدة ومتشابهة في وقعها البصري وعناصرها المؤتلفة كإيقاع سردي ذهني في
محتواه المعنوي، متوار خلف جدران نصوصها الحافلة بحيوية الحركة، والتداخل التقني
للمفردات المنثورة داخل كل تكوين من تكويناتها الفنية.
تستحضر في نصوصها البصرية قصصاً من التاريخ، وروح الأسطورة مسرودة على أبصارنا،
تقودنا لحكايات الجدَّات في مرحلة طفولة مارقة في حدائق أعمارنا، تُثير فينا فضولاً
مشروعاً لفهم نصوصها، وما تولده في النفس والعين والمُخيلة من مقولات وحكايات رمزية
ومعنوية مُستعارة. رسم وتصوير في مجاز الوصف والتعبير، واللعب التقني على أسوار
الأسطورة بملونات من طبيعة تقنية واحدة، ومسحة لونية متوازنة، تجد في الملونات
الرمادية فسحة مناسبة لتخصيب الرؤى، وإعطاء اللوحات مسحة من البنية الشكلية والحزن
المُقيم، والمُخيم على توليفات النصوص من أولها إلى آخرها، نصوص سردية متواترة في
البنية وخاصية الأسلوب، والمحتوى الشكلي المتصل بالحكاية الفلسطينية، من خلال
بيانها الإنساني المتواجد في جميع اللوحات عَبر الشخوص المتداخلة في رسم معالم كل
حكاية من مسرودها البصري.
لوحاتها حاشدة بمُفردة الإنسان سواء أكان ذكراً أو أنثى، مرصوفة كشخوص وأجساد
متراقصة في حركتها الدائبة فوق سطوح الخامات، كل تفصيل فيها كناية عن حالة تعبيرية
مرسومة، تعكس روح الفنانة وتلامس حساسيتها، ومناطق خصوصيتها في التفكير، والانفعال
الوجداني والجمالي بما حولها من أشياء وأفراد وذاكرة مكان، وما يشوبها من روايات
عالقة في ثنايا ذاكرتها المفتوحة على إنسانية الإنسان، ومحددات ارتباطه بأرضه
وتاريخه ومكانه، وما يُحيطها من مخاطر ومكائد وسويعات أمل وانتظار.
الكائنات الحيّة في آدميتها والمطوقة بكائنات حيّة لاحمة ومفترسة وأخرى قاتلة، تُطل
بقامتها المرعبة في كثير من اللوحات، ما هي إلا دلالة رمزية على وحشية الحالة
المعيشة، ودوام حالة القلق والخوف المرتسم في الوجوه والأجساد وتوليفات المكان،
وأشبه باستعارات مكنية لقول بصري فصيح، ونداء وجدان واستغاثة، وتكريس لوظيفية
الأنثى في حياتنا اليومية في سريالية الطرح البصري، والتي نراها سيدة المواقف في
كثير من اللوحات، متداخلة مع ذاكرة المكان الفلسطينية ومعالمها التاريخية والمقدسة.
ترسم أحلام يقظتها الكامنة في مرئيات شكلية مُختلقة، وتسبر في ركاب يوميات بيئة
سكنية واجتماعية محيطة، مندمجة بجدران المدن والبيوت، تصول في تفاصيل المعانقة
الاجتماعية للشخوص، تارة تبحر في مجاميع بشرية، وأخرى في طقوس فردية لأنثى تتلمس
مكانها ما بين النصوص، سواء أكانت متوارية في جدران طويلة وشامخة البنيان أو في
قطار عمر سابح في أتون الزمن العابر. تداعيات حلم لا تفارق مساحة الوجد والذات
ومعاركة الواقع.
مدينة القدس لها مكانة ملموسة في تجلياتها الوصفية، تُؤكد من خلالها على انحيازها
لذاتها الإنسانية والوطنية وعروبتها المستلبة، تبوح بما يجول في النفس من تداعيات
وصور،. فالقدس مدينة مقدسة تظهرها في وجوه تعبيرية متغايرة، في الأولى تغدو المدينة
بأسوارها ومآذنها وقباب مساجدها وكنائسها محاطة بكائنات حية مفترسة (الأسد) و أخرى
أليفة (الجمل) ورمزية معالم دروب الآلام المرتسمة في قصة السيد المسيح ووالدته مريم
البتول، والتي تشع أنوارها داخل متن اللوحة في هيئتها المرئية فوق لسان الأسد وفي
مقدمة جوفه.
بينما في لوحتها الثانية المعبرة عن مدينة القدس تشير بوضوح إلى حالة الانتماء،
والانحياز لكينونة القدس العربية ومكانتها الروحية في أديان التوحيد المسيحية
والإسلامية خصوصاً، والتي تغدو لعين المشاهد أشبه بحكاية منتظر سماعها، ومُتجلية في
تصويرها المشهود لقبة الصخرة المشرفة ومسجدها المُحاط بيد أنثوية حانية خارجة من
عمق الأرض الفلسطينية، تُمثل مقدمة المشهد كمحرك بصري وانفعالي بما يُطوقها من
أشكال وشخوص وعيون، وكأنها كوكب المجرة البصري التي تدور في طياتها بقية الرموز،
مُبشرة بولادة جديدة ومستقبل حافل بالأماني والأحلام، لأن اليد أنثوية في شكلها
خيرة معطاءة في مدلولها كعضو آدمي متناسل من عمق الأرض الفلسطينية الطهور،وضياء
القمر السابح في أتون الحالة الوصفية،بملونات حيادية في ماهيتها متوالدة من مخاض
اللونين الأبيض والأسود. والمصحوبة بضجيج الحركة الإيقاعية المتوازنة في جميع
العناصر والأشياء والشخوص المؤتلفة.
ــــــــــــــــــــ
•فنان وناقد تشكيلي فلسطيني
arts1a@yahoo.com