الجولان المحتل ... قراءه في معضلات الواقع
كفى عبثا بالمقدرات والانجازات الوطنية-ج2
سيطان الولي * - 09\07\2009
بدأ العمل النضال الوطني في الجولان منذ اليوم الأول للاحتلال, على شكل مجموعات
وخلايا سريه مارست المقاومة بأشكال مختلفة , كل حسب إمكانياتها وأساليبها المتاحة .
ولم يتحول النضال إلى طابعه الجماهيري العلني , إلا في العام 1982 مع الإضراب
الكبير الذي أعلن ضد قرار الضم , إذا ما استثنينا ألمظاهره الجماهيرية يوم وفاة
الراحل جمال عبد الناصر عام 1970.
وعلى قاعدة الإضراب وانجازاته, تأسس العمل النضالي الجماهيري العلني الدائم , من
إحياء المناسبات الوطنية, بدءاً بالذكرى الأولى للإضراب , فذكرى يوم الجلاء العظيم,
فذكرى يوم الشهداء, وغيرها من
المناسبات الوطنية والقومية والاجتماعية.
واتخذ النضال الجماهيري شكله المقاوم ضد مشاريع الاحتلال وخطواته الهادفة إلى تكريس
قرار الضم وملحقاته في أكثر من شكل وعلى مدار سنين طوال , للحفاظ على عروبة الجولان
وأهله , وانتماءهم للوطن الأم سوريا.
فهل استعجل أهل الجولان فيما يتعلق بإحياء المناسبات الوطنية؟!
فقد اعتادت الشعوب إحياء مناسباتها , بعد انجاز الأهداف وليس قبله,وليس خلاله, خاصة
وإننا لا نزال تحت الاحتلال , ولا يزال أمامنا الكثير لإنجازه, فلماذا تصرفنا في
سلوكنا الوطني وكأننا تجاوزنا كل العثرات التي تواجهنا ؟
لم يكن امرأ خاطئا أن نحيي مناسباتنا الوطنية , عندما كانت تبعث فينا وفي الأجيال
الصاعدة الروح الوطنية الصادقة, البريئة, المخلصة. خاصة وأنها كانت فرصة لتعزيز
وتوطيد الروابط الاجتماعية , وتعميق المحبة بين الناس. لكن أن يقتصر نضالنا على
عنوان واحد , هو الأمر الخاطئ, وان تستغل هذه المناسبات من البعض لأغراض وغايات
شخصية ضيقة , أظهرت فيها انتهازيتها واستغلالها للموقف العام . هو الأمر الخاطئ ,
الذي كان له الأثر السلبي على مجمل الموقف , وأثره التخريبي على الأجيال الصاعدة ,
التي لم تجد شيئا صالحا تتوارثه لتقوم بمثله , أو أفضل منه.
أن الخلافات التي بدأت تتراكم بشكل سريع دون أن يتم تداركها ووضع الحلول لها , أفضت
إلى شكل أخر من الصراع بين الأطراف الوطنية .
فمن جهة , برزت قوة سياسية وطنية , لها رؤيتها الخاصة من مجمل المواقف والأهداف
الوطنية , وأدلت باجتهادها , فيما تراه صحيحا ومفيدا للجولان تحت الاحتلال, واعني
الجمعية العربية للتطوير ومن يتحلق حولها ويسير بفضائها –إذا جاز التعبير-أو من
يتفق معها بالرؤية والأسلوب. وأطلق عليها من الخارج اسم " المعارضة ", فما كان منها
إلا أنها صدقت هذه التسمية واستهوتها لعبة" المعارضة" لأنه بالمفهوم والممارسة
السياسية رفعت من شانها , ليس لأنها كذلك , وليس لأنها بحجم المعارضة, إنما ليعاد
ويسحب البساط من تحتها . فهوت , وتعرضت إلى الانكسار,فقد أخطأت هذه الفئة الوطنية
من المجتمع, في تقديرها لنفسها , وأعطت لنفسها حجم المعارضة , ومارست عملها السياسي
على أساس ذلك, وهي ليس كذلك!
ومن جهة أخرى, وبالمقابل ظهرت قوة سياسية وطنية , لها رؤيتها الخاصة أيضا , حافظت
من خلالها على النهج التقليدي السائد, فيما تراه النهج الصائب للجولان المحتل
والمصلحة الوطنية,واعني القوميين عموما "والبعثيين" على وجه الخصوص , وأطلق عليهم ,
من الخارج أيضا اسم" الموالاة" , وصدقت لنفسها هذه التسمية , ونراها استهويت لعبة "
الموالاة" , ورفعت هذه الصفة من شأنها , وأعطتها مكانة عالية الشأن لدى فئة ضيقه من
المسؤلين في الوطن, ليس لأنها "موالاة" بالمعنى الوطني , إنما بالمعنى السياسي,
وتعرضت هي الأخرى إلى الانكسار والتفتت, وذلك لأنها أعطت لنفسها حجم "الموالاة " ,
ومارست عملها السياسي على أساس ذلك, وهي ليس كذلك!
تعرضت الوحدة الوطنية على ضوء هذا التحليل , إلى شرخ كبير , نتيجة الصراع الذي تولد
عن موقف " المعارضة"من جهة , وموقف "الموالاة" من الجهة الأخرى,وتمترست كل فئة وراء
موقفها , وراحت كل فئة تبرر سلوكها وأدائها السياسي ,ليس وفقا لمعاير وطنية سياسية
عامه, إنما بالقياس مع سلوك وأداء الفئة الأخرى, طرف الصراع أو الخلاف وهنا أيضا
تعرضت الوحدة الوطنية إلى انكسار نتيجة تداعيات هذا الخلاف, الذي تحول إلى صراع,
بعد أن ظهر مصطلح التخوين في الخطاب السياسي للطرف الثاني . مما زاد في تعمق الشرخ
الوطني , حتى بات غير قابل للالتحام من جديد-إلا في ظروف ومتغيرات سيحملها لنا
المستقبل-, وعند هذا المفترق , وبينما كان يعمد إلى تجاوز مرحلة التخوين - غير
الناجحة على الوجهين – ظهرت فئة ثالثه, مستغلة شعار " لا للتخوين " وجلست في الصفوف
الأمامية , واعني بهم , أُولئك المتذيلين لسلطة الاحتلال, والذين لم يساهموا يوما
في صنع الموقف الوطني , وبعضهم من العملاء والمأجورين والطفيليين دون مواربة, تهدف
إلى تزعم قيادة المجتمع, وهذه الفئة أيضا ستتعرض إلى الانهيار والفشل لأنها
بطبيعتها فئة معزولة, انتهازية , تسلقت على الموقف الاجتماعي في ظل تشرذم وتفتت
الموقف الوطني.
في السياق ذاته حيدت فئة واسعة من الجولان نفسها, عن المشاركة والمساهمة في مواصلة
العمل السياسي النضالي , لعدم رغبتها بالدخول في هذه " اللوثة", وهو موقف وطني سلبي,
بالمعنى السياسي, وموقف تطهري بالمعنى الاجتماعي.ويعيش قطاع واسع من مجتمعنا حالة
من الضياع واللامبالاة إزاء الوطنية والانتماء للوطن , وهم من الجيل الصاعد الذي لا
يجد أمامه النموذج الوطني الصادق—بالرغم وجوده—ليقتدي به , هذا من جهة , عدا عن أن
المسألة الوطنية برمتها , ليست من اهتمام البعض, وبلغت الأمور حدا يعيب عنده على
كون هذا الشخص مناضلا, أو أسيرا سابقا.وباتت الوطنية مسبة يستخدمها للدلالة على
الصفات المشينة , وكل هذا بسبب تصرفات وسلوك وممارسات بعض الأشخاص المحسوبين على
الصف الوطني, الذين استغلوا موقعهم لمصالحهم الشخصية ألإنتفاعية, فصورت الوطنية على
الصورة السلبية , في حين إنها براء من كل من يستغلها ويتسلق على سُلمها, فيجب الفصل
هنا بين الوطنية و الوطنيين, في الحكم على الوطنية, إذا كان الوطنيون,
انتهازيون.والربط ,إذا كانت الصورة معكوسة , وتبقى الوطنية والوطن والأرض والشعب في
أبهى صورتها رغما عن كل المغرضين.
* سيطان نمر الولي: أسير جولاني سابق، قضى 23 عاماً في السجون الإسرائيلية بتهمة مقاومة الاحتلال. أفرجت عنه سلطات الاجتلال بعد إصابته بمرض خطير.
إقرأ أيضاً: