من انتهك حرمة الأموات في مجدل شمس
نبيه عويدات – 14\07\2009
مر أسبوع على اكتشاف عدد من الجثث مرمية بطريقة أقل ما يقال عنها أنها مهينة، ليس
فقط لأصحابها الموتى بل لنا جميعاً أهالي مجدل شمس. وجاء تعاملنا مع القضية أكثر
فظاعة، وكأن الأمر يحدث على المريخ ولا علاقة لنا به. فلم نرَ أحداً ممن يفترض بهم
أن يرعوا شؤون الرعية متواجداً في المكان، على الأقل ليستفسر عما يحدث. ثماني جثث
تخرج من مقبرة البلدة دون أن يحرك ذلك لدينا حتى ولو حب الاستطلاع: من أين أتت هذه
الجثث؟ لمن هذه الجثث؟ وكيف سيتم التعامل معها؟
تتجه الأمور إلى الاعتقاد بأن هذه الجثث هي لأشخاص من مجدل شمس، تم إخراجها من "حجر
الدفن" لسبب ما – يرجح أن يكون لأغراض الصيانة أو التوسيع بعد امتلائها بجثث الموتى.
الحدث بحد ذاته خطير جداً ويترك العديد من إشارات الاستفهام حول أهلية الناس
القائمين على "حجر الدفن" تلك ومدى الجهل والاستهتار الذي وصلوا إليه. فكيف تخرج
جثث لم تتحلل بعد و"ترمى" بهذه الطريقة البشعة.. دون مراعاة لحرمة الميت... ولنقل
أنه تم إخراجها من الـ "حجرة" فكان من المفروض نقلها إلى "بئر العظام" التابع لنفس
الحجرة، وهذا المتبع تقليدياً ومذهبياً، فكيف ترمى في مكان مكشوف وتترك عرضة
للتنكيل، أو لحيوان شارد يمكنه أن ينهشها أو يسحبها إلى العراء؟!
الواضح الآن أنه مضى أكثر من عامين على وجود الجثث في هذا المكان. والمضحك المبكي
أن جميع أطفال مجدل شمس كانوا يعرفون ذلك!!! وكانوا يستخدمون الجثث لإثبات "قبضنتهم"
أمام بعضهم البعض: من منهم يستطيع دخول المكان والـ "التفرج" على الـ "ميتين"! والـ
"أقبض" من بينهم الذي كان ليس فقط يتفرج بل يستطيع الكشف عنهم أو شقلبتهم.. وقيل لي
من قبل بعضهم أن أحدهم سقاهم كوكا كولا...
الأمر المحير أيضاً هو الكشف اليوم عن أن جميع الجثث تقريباً، باستثناء جثة الطفل،
تعود لنساء.. أمر محير فعلاً.. هل كان على الفاعل الاختيار وقد وجد أن جثث النساء
اقل قيمة ويجب إخراجها لإخلاء المكان لرجل؟ مخجل فعلاً.
أعيدت الجثث وسجلت عليها أرقام.. ومرة أخرى لم يكن أحد من المسؤولين عن الرعية
موجوداً لاستلامها.. ووضعت بنفس المكان وبنفس الطريقة.. الذي اختلف فقط هو أنها
وضعت في أكياس سوداء من النايلون.. ومرة أخرى تركت في العراء. ألا يكفيها ما مر
عليها حتى الآن؟ ألم يكن من اللائق دفنها في باطن الأرض، حتى ولو في حفرة جماعية.
لو كان هناك من عذر في البداية أننا لم نعلم بوجودها، الآن أصبحنا نعرف، فلماذا لا
نقوم بالواجب الأخلاقي اتجاههم وندفنهم بصورة لائقة؟!
الكثير من القصص سمعناها عن أحداث وقعت في المقبرة في السنين الماضية. جميعنا يذكر
قصة سرقة الجماجم التي قيل أن تجار المخدرات يطحنوها ويضيفونها إلى مخدراتهم. سمعنا
عن "حجر دفن" وجدت مخلوعة الباب وقد فقدت بعض أعضاء ساكنيها، وتمت "لفلفة الموضوع"
لأسباب غير معروفة. سمعنا عن "حشاشين" ومدمني خمر يرتادون المقبرة ليلاً لممارسة
أفعالهم تلك. سمعنا ونسمع عن أمور أخرى خطيرة، ويتم السكوت عنها. هل يمكن وصف ذلك
بغير الإهمال والاستهتار والهوان.
أعتقد أن المطلوب منا الآن هو تصحيح الخطأ بالرغم من
فظاعة الحدث.
أتوجه إلى القيادة الروحية في البلدة، وإلى لجنة الوقف، لأنها الجهات التي من
المفروض أن تهتم بمثل هذه القضايا، وأطالبها بالعمل على إنهاء هذه الأزمة بصورة
مشرفة، إن لم يكن احتراماً لموتانا، فاحتراماً لذاتنا والتزاماً بالحد الأدنى من
الأخلاق التي ندعي أننا نمتلكها، وذلك بدفن هذه الجثث في باطن الأرض، حتى ولو في
قبر جماعي، والتحقيق في ملابسات هذه الـ "جريمة" ومن هو المسؤول عنها. هذه الجهات
مدينة لنا نحن المواطنين بتقرير مفصل عن نتائج ذلك التحقيق.
أطالبهم بالتفكير بطريقة جديدة للتعامل مع المقبرة، تكون أكثر تنظيماً وأمناً لكي
لا يتكرر ما حصل.
أطالب العائلات أن يتم اختيار لجان، كل واحدة منها مكونة من ثلاثة أشخاص، تكون
مسؤولة من قبلها عن حجرتها، وأن يكون أعضاء هذه اللجان جديرين بالثقة، وعلى قدر
المسؤولية، ومدركين لحجم القضية الموكلة لهم.
أطالب بذلك كي لا تنتهك حرمة موتانا مرة أخرى، فساكني تلك الـقبور ليسوا سوى أهلنا
و"غوالينا" الذين نفتقدهم ونحن إليهم.. وهم يستحقون منا احتراماً أكثر، أو على
الأقل أن نتركهم يرتاحون في قبورهم.