جنون العظمة - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


جنون العظمة
مسعود الجولاني- 28\08\2009

التقيته في ظهيرة يوم مشمس,وقد بدا لي مرحا مجاملا ,يجمّل الكلمات بمصطلحات من العيار الثقيل,ويزركش الجمل بكثير من الملح والأمثال الشعبية.
ورغم امتعاضي من هوسه المفرط ورغبته الجامحة بأن تبقى كافة خيوط هذه الجلسة تدور في فلكه...رغم ذلك,حسبتني أنست مجالسته واستلطفت التعامل معه.وبعد لحظات قصيرة, خلت أن استنتاجاتي هذه ربما تكون متسرعة بعض الشيء,حيث أنها تتناقض مع جلّ ما سمعت عنه مرارا وتكرارا, من كثيرين من أصحاب الرأي وذوي الرؤية وحاملي طيب النوايا.
وهممت أتقصى الحقائق ذاتيا, وراحت الحيرة والتردد تعبثان بي,أحسست أنني أتخبط تائها بتأثير من أشعة الشمس المحرقة, التي تريد اختزال حرارة فصل الصيف بأكمله في هذا اليوم...ولكن, اذا كان الأمر كذلك,لماذا أرى ظلي الذي يهنأ من معاناتي بمواجهة الشمس,لماذا أراه يفغر فاه مستغربا لهذا الأنس ولذلك الاستلطاف؟"

وفي خضم حيرة المقارنة ما بين طنين الذاكرة التي يكرسها زخم الحاضر, وما بين آنية الموقف...شعرت بأنني أحاول مزج نقيضين,ولكن, اذا نجحنا مرة بفعل ذلك... فسالت دموع الفرح...هل ننجح دوما بمثل هذا؟... وعبثا حاولت.
نعم,لقد حسمت أمري وقررت أن أبحث عن اجابة شافية ووافية,معتمدا على قواي الذاتية,ولن أستعين بخبرة متخصص أو تحليل متفنن,لقد قررت أن أتعقبه واراقبه فأصدر حكمي لاحقا, استنادا الى ما سأراه بأم عيني.
وما أن خفت بريقه قليلا في مضمار جلستنا آنفة الذكر, حتى استأذن بالمغادرة وسار في طريقه,وقد مشى منتصب القامة ورافعا للهامة,حتى أنني خلته يفتتح المسير في ذلك الدرب لأول مرة,بحيث لم يسبقه الى ذلك أحد.

واذ به يرد حارة أقيم فيها مهرجان خطابي,فسأل أولا عن لون المشاركين ثم استفسر عن المناسبة,وكان جليا عليه الضعف بمقاومة اغراء الظهور أمام هذه الجماهير المحتشدة,تحيّن الفرصة المناسبة...علا المنصة ودلى بدلوه...احتجّ المشاركون وغادر العديدون,ولكنه كان فخورا كل الفخر بعلو صوته وبتغلبه على داء البحة.

وبعد ذلك,أقبل على صديقين متجاورين يبحثان بهدوء عن الحد الفاصل بين أملاكهما,فأسرع ورسمه دون علم بالتاريخ ودون دراية بالجغرافيا,فتحول حوارهما الحضاري الى عراك مخز.

وما أن سمع بالدعوة المخصصة للمعنيين بالندوة الشعرية المقامة في مكتبة الأدب, حتى اقتحمها مفتتحا ببيت من الشعر- كان صدره لعنترة العبسي وعجزه لأبي القاسم الشابي.
والغريب العجيب أنه لم يكن مباليا بمشاعر الآخرين الذين يأنفون تطاوله وتماديه,بل لعل هذا ما أمده بالقوة وشحنه بالطاقة.

وعندما علم بمسابقة العدو للمسافات المتنوعة ,الطويلة منها والقصيرة,فما كان به الا أن شمّر عن ساعديه,وكشف المستور من ساقيه,وباشر بالعدو...وكان مؤمنا كل الايمان بأنه الفائز المنتصر لا محالة...حتى بعد تعثره وكسر ساقه والتواء رقبته وتهشم واجهته.
حقا انه الرجل العجيب ذو المواصفات الخاصة , يذكرنا بفلاسفة الاغريق القدماء الذين كانوا يجتاحون كافة التخصصات ويبرعون في كافة المجالات.
وبعد هذه الجولة المرهقة,على درب اعتلاء قاع الهاوية على سفح الجبل,لم أجد على شفتاي سوى كلمتين اثنتين....جنون العظمة.