يلغى الزواج ويؤجل الموت
مسعود الجولاني - 03\08\2009
هنا خطب جلل وهناك فرحة عارمة... شاءت الأقدار أن يلتقي في آن واحد الفرح بالحزن،
وجها لوجه، وكأنها شمعة تبتسم طورا وتدمع بعد حين... لعل في ذلك حكمة ربانية تذكر
بني البشر بضآلتهم أمام عظمة الآلهة.
ترى، من أين سأبدأ؟ هل أشارك في التشييع أولا، فأشمر عن ساعدي لحمل جثة ما تبقى من
المتوفى؟ أو ربما أجدر بي أن أساهم في مراقصة الجميلات في زفاف العريس؟ ولكن,مهلا..
هل أستطيع في آن واحد أن أفرح وأحزن معا؟! لا أظن ذلك. فأنا لست كمن يشارك الآخرين
شكلا. إنني أعيش مشاركاتي بكل حواسي.
وجدتني أصعد على سفح التلة. أرقب عن بعد تلك الجنازة المهيبة وذلك العرس الحافل..
بعد أن أصبح كلاهما على مرمى ناظري.
احتشدت الجماهير هنا وهناك، والغريب أن لباس المشاركين بالمناسبتين كان متشابها،
فلا المشيعين يغلب عليهم السواد، ولا المحتفلين تغمرهم ألوان البهجة والفرح.
والعجيب أن كليهما يمارسان الطقوس على قارعة الطريق. فهاك مائدة الطعام الفاخرة قد
مدت على الشارع المغبّر، الذي يحمل لنا مع كل نسمة ريح شيئا من عبق تراب بلادي،
وكأنها بديلا اضطراريا عن التوابل الهندية الشهيرة، وفي الركن الآخر، أرى المشيعين
يحملون تابوت الميت وهم يغلقون شارعا آخر، يسيرون بعشوائية المتحمسين المآجرين، وكل
يدوس مجبرا على نعل سابقه، حتى فقد معظم الحاملين نعالهم... وكأنه نذر الحفاة على
درب أولياء الله الصالحين.
ولسخرية القدر أن هذا وذاك كانا بطريقهما إلى نفس المكان الذي يجمع زفة العريس
بصلاة المتوفي. وصل كلاهما معا إلى مدخل البيت المقصود.. اختلط الحابل بالنابل..
فغابت رهبة الموت وذبلت زهوة الفرح...
وفي خضم تلك المعمعة، أعلن عن اختفاء العريس وفقدان المتوفى! بحثوا عنهما في كل
مكان فلم يجدوهما...
إلى أن أطل رجل هرم، يبدو عليه زهد الأنبياء وتصوفهم، وقال بصوت هادئ: "لقد غادرا
سويا، وكان ظاهرا عليهما الخجل والامتعاض. فالعريس يرفض أن يلمح عروسه، والمتوفى
يأبى أن يلمس التراب.. إلى إشعار آخر.